إستراتيجية إنضمام العراق إلى مجلس التعاون الخليجي – محمد حسام الحسيني
تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية (Gulf Cooperation Council, GCC) في 25 مايو 1981م في أبوظبي، وكان الأعضاء المؤسسون كل من السعودية، الكويت، الإمارات، قطر، البحرين، وسلطنة عمان، ويقع مقره الرئيسي في العاصمة السعودية الرياض.
و لمجلس التعاون الخليجي مهام وأهداف وفق ميثاقه الرسمي وسياساته ابرزها:
اولا: العمل على التنسيق والتكامل والاتصال البيني بين الدول الأعضاء في المجالات كافة ولا سيما الاقتصادية والمالية والتجارية والنقل والتعليم والثقافة والصحة والتشريع والإدارة.
ثانيا: تعزيز العلاقات بين شعوب الدول الأعضاء، وتسهيل التنقل والتبادل الثقافي والاجتماعي.
ثالثا: التعاون في المجالات الصناعية والتعدين والزراعة والمياه والثروة الحيوانية والبحث العلمي والمشروعات المشتركة.
رابعا: الشراكة في الأمن والدفاع وفي هذا السياق إنشاء قوة عسكرية مشتركة تسمى (قوات درع الجزيرة) عام 1984، تهدف لحماية الدول الأعضاء من التهديدات الخارجية.
خامسا: تأسيس سوق مشتركة وتسهيل التجارة الداخلية بين الدول الأعضاء وإنشاء اتحاد جمركي وتنسيق السياسات الاقتصادية.
سادسا: في السنوات الأخيرة تبنى ملفات منها مشاريع البنية التحتية المشتركة، الربط الكهربائي، هوية GCC الموحدة، التعاون الإعلامي، وغيرها.
و بما ان مجلس التعاون الخليجي يضم دول عربية تجمعها جغرافيا متقاربة، و اطلالة على الخليج، وواقع اجتماعي يتمثل بانتمائات عشائرية وقبلية، كل ذلك يثير تساؤل مفاده ماهو سبب عدم انضمام العراق لهذا المجلس في مرحلة التأسيس والمراحل اللاحقة، رغم وجود قواسم مشتركة جغرافية وتاريخية واجتماعية مع الاعضاء، و رغم حجم الفرص الاقتصادية والتنموية و السياسية التي توفرها العضوية، ولعل اهم الأسباب المباشرة:
- الوضع الجيوسياسي والإقليمي عند تأسس المجلس عام 1981، كان العراق منشغلاً بالحرب مع إيران (1980- 1988)، بالإضافة لذلك علاقاته مع الدول الخليجية معقدة بسبب الصراع على الحدود والمناطق البحرية، وكذلك بعض الخلافات السياسية، الناتجة عن طبيعة الأوضاع الايديولوجية للنظام العراقي السابق، والسمة العدانية التي تتبنى خطابات الكراهية والمواقف المتشددة اتجاه القضايا الإقليمية والدولية.
- الغزو الكويتي عام 1990، بعد الغزو واحتلال الكويت، تفجّرت أزمة كبرى، وصارت العلاقة بين العراق والدول الخليجية مشوهة بشكل كبير، اذ ترك هذا الحدث أثراً عميقاً في ثقة الدول الخليجية تجاه العراق، وكان بداية لحالة العزلة التي دخلها النظام عن العالم بشكل عام والخليج بشكل خاص.
- المخاوف الأمنية والسيادية، اذ ان بعض الدول الأعضاء ترى أن إضافة دولة كبيرة مثل العراق من حيث المساحة، التركيبة السكانية، والعلاقات السياسية المتشابكة مع إيران، قد تؤثر على التوازنات في المجلس من حيث السياسات الأمنية، الدفاعية، والتحالفات.
قوى سياسية
- الفروق في النظم السياسية والإدارية، فالدول الأعضاء في GCC تشابهت إلى حدّ كبير في كونها إمارات أو ممالك، بينما العراق جمهورية مع تاريخ من الانقلابات والحروب الداخلية، الأمر الذي قد يجعل توافق السياسات أسهل في دول ذات أنظمة أكثر استقراراً أو تشابهاً، وحتى بعد التغيير الذي شهده العراق بعد عام 2003 لوحظ استمرار حالة عدم المراكمة وعدم الاستقرار، فالحكومات التي شهدها العراق بعد التغيير كانت تخضع في سياساتها في كل مرحلة إلى مزاج وتوجهات رئيس الحكومة والقوى السياسية الداعمة له، فشهد العراق حكومات قريبة من الوضع الدولي الغربي والخليجي وبعدها حكومات ذات علاقة وثيقة مع إيران، وبعدها العكس ثم عكس التوجه بشكل واضح، وهذا يعني ان دول الخليج لو قبلت انضمام العراق قد تشهد حكومات تختلف تماما مع توجهاتها واستراتيجياتها جالسة معها على طاولة المجلس، الأمر الذي يجعل انضمام العراق في هذا السياق مصدر مفاجئات لتلك الدول والمجلس.
- البنية التحتية والدولة المنهكة بسبب الحروب، العقوبات، الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الخاصة بالعراق، كانت الدول تتردد في التزام اقتصادي وسياسي كبير من قبل مجلس التعاون تجاه العراق ما لم يكن هناك استقرار كبير، وبعد التغيير الذي شهده العراق ظهرت مشاكل ادامت تراجع واقع البنية التحتية والاستقرار الاجتماعي وفي مقدمتها الإرهاب والأحداث الطائفية.
- وجود هواجس وقلق اتجاه النظام العراقي الجديد بعد عام 2003 من قبل دول الخليج لعدة اسباب منها تصاعد النفوذ الإيراني، وارتفاع مستويات الفساد الذي اخذ مناحي افقية، وعدم وجود إصلاحات جذرية، و ظهور جماعات تجاهر بالعداء اتجاه دول خليجية كبيرة ومنها جماعات سياسية متنفذة الأمر الذي دفع عدد من دول الخليج في مراحل سابقة إلى اتخاذ ما تعتقده إجراءات دفاعية منها دعم معارضين للنظام السياسي وتبني خطاب اعلامي ضد النظام السياسي وعدد من قادته وقواه، وفي فترات معينة ضد مكونات عراقية.
- انتماء المكون الاجتماعي الأكبر إلى مذهب إسلامي يختلف مع المذهب الذي ينتمي له أغلب أبناء الخليج وبما أن النظام السياسي في العراق نظام ديمقراطي من جهة، ومن جهة اخرى التركيبة السياسية العراقية تركيبة مكونات الأمر الذي يجعل من الطبيعي ان يتصدى أبناء المكون الاجتماعي الأكبر لاداره الدولة، والموقع التنفيذي الأول فيها.
لكن العراق اليوم يشهد تحولات مستمرة اهمها التوجه العام نحو الواقعية وتراجع الخطابات الطائفية وتراجع اثرها على الممارسة السياسية والحكومية، وارتفاع مستويات التنمية، و تراجع حدة الخلاقات السياسية، اذ ان حدث يجمع القادة السياسيين في اجتماع واحد في مراحل سابقة كان يعد حدث استثنائي يشغل وسائل الإعلام العراقية والعربية والدولية، اما اليوم هو حدث دوري اعتيادي يتجسد في اجتماع تحالف إدارة الدولة خلال الدورة الحكومية قبيل انتخابات 2025 التي سيشهدها العراق نهاية العام، و من جانب اخر مقبولية دول الخليج بشكل خاص شهدت تصاعد ملحوظ في المجتمع العراقي وكان خير مصداق لذلك ما شهده العراق في بطولة الدوري الخليجي التي اقيمت في البصرة من حيث حجم الترحيب والاستقبال والقبول الاجتماعي.
قد يثار ان العراق بلد فيه مكونات غير المكون العربي، وهذا يناقض ، وفعلا العراق يحتوي على تنوع اجتماعي وقومي، ولكن هذا لا يعد عائق، فالدول الخليجية ضمن مجلس التعاون الخليجي أيضا فيها تنوع وخصوصاً التنوع في دولة الإمارات العربية، والتنوع في سلطنة عمان، والتنوع في دولة الكويت، وكل تلك الدول أدارت التنوع بطريقة حضارية وضمنت حقوق المكونات العرقية المختلفة انطلاقاً من مبدأ المواطنة، و في ذات السياق يشير الدستور العراقي إلى أن العراق بلد عربي ذو غالبية عربية وهذا يعزز واقع العراق في هذا السياق.
هيكلية شاملة
في الجانب الاخر شهدت دول خليجية كبيرة تغييرات داخلية أثرت على خطابها وسياساتها واستراتيجياتها، وفي مقدمة تلك الدول المملكة العربية السعودية في عهد الأمير محمد بن سلمان، التي شهدت إصلاحات سياسية كبيرة، واصلاحات هيكلية شاملة في بنية الدولة ومؤسساتها، واصلاحات ثقافية على مستوى المؤسسات الدينية، وعلى سبيل المثال تربط الأمير بن سلمان اليوم علاقات وثيقة مع قادة سياسيين عراقيين ينتمون إلى المكون الاجتماعي الأكبر وفي مقدمتهم السيد عمار الحكيم، وكذلك تربطه علاقة رصينة مع رؤساء حكومات عراقية، هذه التحولات في الواقع السياسي السعودي واتجاه السعودية نحو الواقعية جعل من التفكير في انضمام العراق إلى مجلس التعاون الخليجي امر واقعي وليس مجرد افكار ونظريات غير واقعية، وخصوصاً لما تمثله السعودية من دور محوري وقيادي في المجلس.
التجربة الإماراتية التي تتميز بالتطور التصاعدي لم تعد تقتصر على التطور الاقتصادي والمالي والتنموي، بل شهدت تطور كبير في ملف إدارة التنوع، فالامارات كمركز اقتصادي دولي استقطبت جنسيات متعددة على مستوى رجال الأعمال والعمالة، الامر الذي اوجد واقع إماراتي متنوع، وكان ان تعاملت الامارات مع هذا الواقع بطريقة احترافية، فكانت تجربة الإمارات في التعايش والعيش المشترك تجربة عالمية رائدة، وبذلك فأن دولة تمتلك هكذا فهم للتنوع من الطبيعي ان تتفهم اي تنوع مستقبلي في مجلس التعاون الخليجي يتمثل بانظمام دولة مثل العراق تحتوي على تنوع زاخر.
يضاف لتلك التجربتين تجربة الوسطية والوساطة المنتجة التي تمثلها سلطنة عمان من حيث بناء علاقات متوازنة مع الجميع سواء كانوا متفقين أو مختلفين مع الرؤية التي تتبناها السلطنة، وهي تقترب من الرؤية الواقعية التي تتبناها دولة قطر في التعامل مع الملفات الدولية المختلفة، فعلى سبيل المثال دولة تمتلك علاقة وثيقة مع دولتين متصارعتين تعد تجربة مهمة في ذات السياق.
وبذلك فأن تركيبة مجلس التعاون الخليجي تعد تركيبة واقعية تتمحور حول ملفات عملية في مقدمتها التنمية والاقتصاد والأمن المستدام والأمن الجماعي، وليست تركيبة ايديولوجية خطابية، وهذا يعزز فرص العراق في الانضمام، ولكن بالتأكيد انضمام العراق إلى المجلس لا يأتي بضغطة زر بل يأتي من خلال رؤية استراتيجية تتمحور حول هذا الهدف، و وجود هكذا استراتيجية بحد ذاته هو فرصة للنهوض بالواقع العراقي، فوضع خطة بعيدة المدى لانضمام العراق إلى مجلس التعاون الخليجي ومن خلال اشتراطات الانضمام سيكون دافع مهم لتطوير الواقع الاداري والقانوني العراقي.
ويحتم وجود إصلاحات دستوية، واصلاحات سياسية، وتطوير لرؤية العراق في التعاطي والتعامل مع الملفات الإقليمية والدولية وفق رؤية تنسجم مع المتبنيات الخليجية، وتعزيز الانتقال من الادلجة السياسية العراقية إلى البرمجة والبرامجية، فعراق ايديولوجي ينطلق من الشعارات والخطابات لا ينسجم مع المنظومة الخليجية الواقعية.
تصفير القضايا العالقة مع دول الخليج يعد مدخل مهم للانضمام، على ان يكون هذا التصفير واقعي ينسجم مع مصالح العراق بعيدا عن التنازلات الغير منطية، وفي مقدمة تلك الاستراتيجيات وضع استراتيجية لتصفير الازمات مع دولة الكويت واعادة بناء الثقة بين الحكومين العراقية والكويتية وتعزيز العلاقة بين الشعبين الشقيقين.
بمجرد وضع خطة استراتيجية تحت عنوان (استراتيجية انضمام العراق إلى مجلس التعاون الخليجي) وتحديد اسقف زمنية لتلك الخطة سيكون ذلك فرصة لنقل العراق من واقع إلى واقع افضل وهندسة النظام السياسي العراقي بشكل يعزز استجابته للمتغيرات الوطنية والاقليمية والدولية، وتعزيز واقعية العراق في التعامل مع الملفات المختلفة، وحتى لو تأخر الانضمام أو لم يحدث ستكون هذه الخطة مكسب كبير للعراق يساهم في تعزيز الواقع التنموي العراقي، ومن الأمثلة القريبة لذلك الخطة التي وضعتها الحكومة التركية بعد تصدي الرئيس أردوغان لرئاستها حول استراتيجية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، والتي ساهمت في تطوير الواقع التركي على المستوى الاقتصادي والخدمي والتنموي والثقافي والسياسي، والتي ساهمت بانتاج تركيا التي نراها اليوم، نعم لم توفق تركيا في الانضمام للاتحاد الأوربي إلى انها كسبت تركيا أكثر تطورا وانتجت واقع تركي مختلف تماما عن الواقع السابق.
وختاما لا بد أن نشير بشكل مختصر لمكاسب العراق من الانضمام لو حدث ذلك، وفي مقدمتها المكاسب الاقتصادية، من خلال جذب الاستثمارات الخليجية في قطاعات مهمة مثل النفط والغاز والبنية التحتية والصناعة والزراعة.
مكاسب خدمية وفي مقدمتها معالجات لازمة الكهرباء في العراق من خلال مشروع الربط الكهربائي الخليجي، تضاف لها مكاسب اجتماعية وثقافية من خلال التبادل الثقافي وحرية التنقل للمواطنين العراقيين داخل دول الخليج، وتعزيز الاستقرار والواقع الأمني العراقي من خلال التعاون الاستخباري والعسكري واستثمار المظلة الأمنية للمجلس.
بصورة عامة دوما ما يكون التركيز في مثل هكذا طرح على مكاسب العراق من الانضمام، و لكن بالمقابل هنالك مكاسب لدول التعاون الخليجي يوفرها انضمام العراق للمجلس اهمها:
– ايجاد سوق ضخم جديد كالعراق يملك أكثر من ٤٠ مليون نسمة، مما يعني منفذا كبيرا للسلع والاستثمارات الخليجية.
– التكامل الطاقوي، اذ ان العراق يمتلك احتياطيات نفطية هائلة ويعد ثاني أكبر احتياطي في أوبك بعد السعودية تقريبا، ويمتلك موارد غاز كبيرة غير مستغلة، والتعاون يتيح تنسيقا أكبر في سياسات الطاقة وتعزيز أمن الإمدادات.
– توفير اميازات اقتصادية وتجارية واستثمارية لدول الخليج في مشروع طريق التنمية الذي سيربط الخليج بتركيا وأوروبا من خلال العراق، وبالمقابل توفير امتيازات للعراق في الخطوط التجارية التي تمر في دول الخليج العربي، من خلال ضمانات تثبت في اتفاقية الانضمام.
– تأمين عودة مستدامة للعراق إلى العمق العربي، وابعاد العراق عن مساحات التعاون التي تتنافى مع مصالح المنظومة الخليجية.
– الاستفادة من الخبرات الميدانية في مكافحة الإرهاب التي يمكن أن تسهم في تعزيز الأمن الجماعي الخليجي.
– التكامل السياسي والدبلوماسي وتعزيز الموقف التفاوضي الخليجي، اذ ان انضمام العراق يزيد من ثقل مجلس التعاون سياسيا واقتصاديا على الساحة الدولية، خاصة في ملفات النفط، التجارة، والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
– توسيع دائرة التحالفات بضم العراق، يتحول المجلس من ست دول متوسطة و صغيرة نسبيا (عدا السعودية) إلى كتلة جيوسياسية أكبر وأكثر تنوعا.
و آخر القول وبالرغم من صعوبات تحقيق هذه الفكره، الا ان التفكير الجدي بها ووضع الخطط التي تمهد لتنفيذها هو مكسب للعراق ولدول الخليج في آن واحد، حتى لو تأخر هكذا مشروع أو لم يرى النور.
رئيس المؤسسة الاستراتيجية للسياسات العامة.
استاذ النظم السياسية في جامعة بغداد.