نبض القلم
إرهاب مركب – طالب سعدون
خبرغريب وقعت عيني عليه وأنا اتصفح ( غوغل ) أثار فضولي لمعرفة تفاصيله ، يكشف مدى جرأة وقوة ( مافيات ) المخدرات في الوصول الى هدفها بتدمير المجتمعات والحياة .. غرابته تجعلك لا تصدقه ، لكنه لا يحتمل غير التصديق لانه ورد في موقع الكتروني معروف نقله عن اذاعة في ذلك البلد وهي بدورها نقلته عن مصادر أمنية وحكومية يتعلق باجتماع لكبار التجاروالمروجين لمناهضة حملات حكومة البلد للمخدرات بحضور نحو 100من تجار ومنتجي ومروجي مخدر ( البنقو ) لمناقشة كيفية مواجهة حملات الحكومة وحماية قوافل نقل المخدرات من مناطق زراعته حتى الوصول الى العاصمة باستخدام الدراجات النارية والسيارات ذات الدفع الرباعي المزودة بتسليح متقدم ..
والاغرب في الخبر أن المجتمعين الذين اجتمعوا بحضور رئيس ما يسمى باتحاد المروجين في العلن وليس في الخفاء بكل جرأة قرروا دفع (دية) كاملة لكل مروج تتم إدانته في قضية مخدرات .
العالم اليوم بشقيه ( المتقدم والمتخلف ) في حرب عالمية مستمرة مع المخدرات وقد تكون أقسى انواع الحروب المدمرة للانسان والحياة …وهي حرب معقدة تتقدم على الحرب مع الارهاب بكل انواعه لانها تستخدم سلاحا محظورا (كاتما ) يصعب إكتشافه لأنه ( مستتر) داخل الضحية نفسها .. هذه الحرب تكلف الدول الكثير وتشغل الاجهزة الامنية والصحية والاجتماعية بواجبات إضافية يمكن أن تنصرف بها الى مهام أخرى ..
تداعيات هذه الحرب لها حصتها في وسائل الاعلام فلا يكاد يمر يوم تخلو فيه نشرات الاخبار منها ومتابعة حركة تجارتها وجهود الدول في التصدي لها والدخول في مواجهات مع تجارها وفي التعريف بوسائل التوعية والتبصير بمضارها ..
ويخطيء من يتصور أن البطالة والفقروحدهما كافيان للاصابة بمرض المخدرات الخطير .. فقد يكون ممن إبتلى به يعمل وله مورد مالي جيد ومستوى تعليم لا بأس به .. بل قد تكون المخدرات سببا لاضافة اعداد الى العاطلين أوتشل عقولهم عن العمل والتفكير، وإن كانوا يعملون ، ولكن أي مستوى من الأداء يقدمه هذا المدمن ؟!.. ولذلك لم يكن أمام أحد الرؤساء خيار غير أن يدعو برلمان بلاده الى اصدار قانون ( يسمح بفصل الموظف والعامل إذا ثبت تعاطيه المخدرات ) ..
واظهرت دراسة في احدى الدول العربية أن نسبة المتعلمين فيها هم الاكثر استخداما للمخدرات وتبلغ نسبتهم 49.7 في المائة وتتراوح الاعمارالاكثر استخداما للمخدرات فيها بين 20 و30 سنة وان النساء اكثر استخداما للمخدرات من الذكور اذ بلغت نسبتهن 53.5 في المائة بينما سجل الرجال 47 بالمائة .
إن إنتشارهذه الظاهرة الخطيرة عالميا يؤشر نقطة جوهرية وهي أن منظومة القيم والاعراف والتقاليد رغم اتساعها ، وتعدد مصادرها لم تكن كافية لوحدها للحد من هذه الظاهرة الآخذة بالتوسع والانتشار ، ومضاعفات الضررلما لمافيات المخدرات وتكتلاتها في العالم من امكانات هائلة ومنها مزارع خاصة وعصابات للتصدير كما انها تخوض صراعات مسلحة وأمنية مع الدول ، ولها القدرة على أن تخترق الحدود وتصل الى هدفها حتى وان كان في دولة كبرى تملك امكانات قوية لضبط حدودها
فالولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال – وهي دولة عظمى عثرت على نفق ضخم لنقل المخدرات يمتد من مدينة تيخوانا المكسيكية إلى مستودع في سان دييغو بالولايات المتحدة يصل طوله إلى 1,744 قدما (531 مترا)، وبه مسار للسكك الحديدية وكهرباء ونظام تهوية .. فما بالك بالدول الضعيفة والصغيرة ؟!! وفي الولايات المتحدة نفسها أيضا وصل ما يسمى بوباء المخدرات الى علامة فارقة عندما أعلنت الحكومة أن أكثر من 100 الف لقوا حتفهم بسبب الجرعات الزائدة بين ابريل- نيسان 2020 وابريل- نيسان 2021 وهذه هي المرة الاولى التي تصل فيها الوفيات المرتبطة بالمخدرات الى ستة أرقام في فترة لا تتعدى 12 شهرا فقط على حد ما اشارت الانباء.. مما دفع الرئيس الامريكي الى تقديم استراتيجيات تساهم في التقليل من هذا الضرر كما تذكر المصادر.
ومع كل امكانات مافيات المخدرات كانت بلادنا نظيفة من هذه الآفة ، ولم تستطع أن تخترقها لان هناك إجراءات قانونية صارمة رادعة تصل الى أقسى العقوبات ضد تجارتها ومروجها ومتعاطيها ..
المخدرات تشكل اليوم أزمة كبيرة في الكثير من الدول ، لكن وسائل القضاء عليها لم تكن بمستوى خطورتها عالميا ولذلك لم يكن أمام صاحب القرار غير خيار واحد ، وهو أما أن يكون من يتعاطى المخدرات أو يتاجر بها إنسانا بمعنى هذه الكلمة ، أو يخسر نفسه وعائلته ووطنه ، وبالتالي فالعقوبة مهما كانت شديدة عليه تكون لصالحه هو أولا ، لانه مواطن ، ويصعب خسارة أي مواطن.
المخدرات آفة تدمرالانسان .. هو الوصف الدقيق لها .
المخدرات حرب مفتوحة وارهاب مركب تستخدمه المنظمات الارهابية في العالم لتمويل نشاطاتها التخريبية والارهابية لتحقيق هدفين معا : جمع المال وتدمير الانسان . ولذلك خصص العالم يوما معينا في حزيران من كل عام لمكافحة المخدرات بعد ان تجاوزت خسائرها البشرية ما يفوق الحربين العالميتين على حد ما ذكرته احدى الدراسات فيما تقدر التقارير الدولية أن نحو 275 مليون متعاط للمخدرات حول العالم اغلبهم من الشباب ونحو نصف مليون وفاة بسببها ناهيك عن اثارها الكبيرة على فرص البناء والتنمية والعمل وزيادة نسب الجريمة المنظمة وحوادث المرور وتدمير الاسر ، وتخريب اقتصاديات الدول لان خسائرها المادية تجاوزت المليارات سواء في تجارتها التي بلغت نحو 500 مليار دولار وهو رقم يقارب تجارة السلاح على حد ما ذكرته دراسة اخرى ، أو ما يصرف على علاج الادمان والتوعية والتأهيل وهو ما يساوي ميزانيات دول مجتمعة .
باختصار :
المخدرات حرب على الانسان .. والقضاء عليها هو انتصار للانسان والحياة .