إرادة الصمود العراقي
بعد ما عاني العراقيون علي يد الطغاة من سياسة الترهيب والتخويف، أخيرا يسدل الستار علي مرحلة الاحتلال الأمريكي . وها هي الأعين تنتظر وترتقب بحذر ما ستؤول إليه أمور الانسحاب . فبين مراهن علي فرضية إثارة المشاكل والنعرات الطائفية والرجوع إلي المربع الأول لا قدر الله وهؤلاء لهم نظرة خاصة قد تكون سوداوية بعض الشيء. وبين من يري فيه بوادر أمل وإشراقة مستقبل جديد بروح يملأها التفاؤل وغد مشرق وهذا ما نطمح ونتمني تحقيقه بعد ان هدم الاحتلال كل شيء جميل وكل حلم عظيم وكل ما يزرع الأمل في النفوس. لم يكن هذا الموضوع وجدلية الانسحاب محض صدفة فالصدف لا تتكرر ولكن جاء نتيجة حتمية لتضحيات الشعب العراقي ومكابرته وتطاوله علي تحدي الصعاب . لقد قرأ ساسة البيت الأبيض التاريخ جيدا وتمعنوا في صفحاته أن العراق شهد أعظم الحضارات واجلها وتحطمت علي صخرته كل قوي الشر . لقد هجمت فلول المعتدين علي أرضه ولكنهم سرعان ما اندثروا وبقي العراق وها هم التتار والمغول والعثمانيون والفرس وأخيرا الأمريكان أصبحت ارض النهرين مقبرة الغزاة وهي محاولة لحفظ ماء الوجه. لقد قالها بوش سابقا إنهاء العمليات الحربية مرارا وتكرارا ولكن يرجع مرة أخري ويؤكد استمراره في مقارعة الإرهاب ومكافحة الإرهابيين وجاء من بعده باراك اوباما محاولا تسجيل نصر جديد ولو بدافع معنوي تحت باب الانسحاب وان يحتفل الجنود المنسحبون من العراق بأعياد الميلاد في الخامس والعشرين من كانون الأول عام 2011 بين ذويهم في أمريكا .
لقد ضرب الرئيس الأمريكي علي وتر حساس مستغلا عواطف الشعب الأمريكي حيث إن الغالبية العظمي من الشعب رفض منذ البداية زج أولادهم في صراعات دولية خارج أراضي الولايات المتحدة ولكن هذه لعبة السياسة والمصالح تلعب لعبتها وتفعل فعلتها ليس من باب الاستقلال ومنح العراق حريته فوالله إنها أمور لا تنطلي علي احد . فمنذ متي يصبح المحتل رحيما وكريما مع الذين احتلهم ومنذ متي سمح المحتل لنفسه وهو الذي أزهق الأرواح وملأ المعتقلات في أبو غريب وفضائحه وسرقة تاريخ امة ونهب ثروات بلاده يصبح بين ليلة وضحاها واعظا ومرشدا وعطوفا قاطعا قارات عديدة ومحيطات كبيرة ومساحات شاسعة نازلا بطائراته وسفنه وجنوده من اجل تخليص شعب وإعطاء حريته. لقد باتت تبريرات جلاء القوات الأمريكية من العراق ليس بالمستغرب . فلو تتبعنا خارطة ما تكبده من خسائر في الأرواح والمعدات تصل إلي أرقام مجهولة. منها المعلن ومنها ما هو مخفي وكلنا يعلم إن للحروب خسائرها والمغامرون بأرواح أولادهم لاينظرون إلي مقدار الخسارة بقدر ما تبحث عما سيكسب من مغامراتها حتي وان جاءت عواقبها علي رؤوسهم . إن البيت الأبيض يدرك جيدا العواقب ويحاول جاهدا الخروج من هذا المأزق الذي وضع نفسه فيه جاء حاملا في جعبته تخليص العراق من نظام مستبد وأسلحة الدمار الشامل ثم اصطدم بحقيقة عدم وجودها واستغل شعبها أبشع الاستغلال فبعد تسع سنوات من الاحتلال رمي المحتل الكرة في ملعب العراق وأهله بحفظ الأمن والقيام بواجب الدولة علي أتم وجه مؤكدا جاهزية العراق وجيشه علي حفظ الحدود والوضع الأمني بشكل خاص . ولقد انقسم أصحاب الشأن إلي فريقين منهم من يري إن العراق قادر علي صيانة حقوقه وممتلكاته ونفوس أبنائه والحفاظ علي ما يمكن المحافظة عليه بعيدا عن كل تشنجات ونفس طائفي أو قومي ومنهم ما يري الوضع مقلقا وان الأجواء الحالية لا تسمح باستلام الملفات علي كافة الأصعدة والخشية من ظهور الميليشيا المدعومة من دول الجوار وظهورها مجددا وكذلك محاولة أن تقوم دول الجوار الأخري بالاستمرار من جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات وتلعب الأجهزة المخابراتية لها دورا خبيثا علي ارض البلاد . إن الانسحاب الأمريكي بقدر ما له أهمية عظيمة يتجلي في ردة الفعل الوطنية بأننا شعب يرفض المحتل والاحتلال واستغلالنا لمصالحه الانانية بقدر أن نكون حذرين ويقظين إلي الدسائس والمؤامرات التي تحاك في دوائر الغرب واللوبي الصهيوني . لقد حاول إخضاع كل من يقف بوجه الغطرسة والهيمنة الأمريكية وباتت شعوب المنطقة ودول العالم الثالث تحت فك الافتراس وأنياب الأفعي الأمريكية . فلا ننسي ما حدث في فيتنام من إجرام وإبادة شعبها وما تلاها في الصومال والإرادة الشعبية التي استطاعت طردهم وتشتيتهم علي يد المقاومة الصومالية وهاهي أفغانستان ترزح بعواقب وحجج واهية. وبعدها داست أقدام المحتل تراب العراق وتهديم بنائه وتحطيم نفوس شعبه ومحاولة كسر شوكة أبنائه واهما بأنه سيقضي علي روح البسمة والضحكة من فم طفل بريء وأم ثكلي وشيخ عاجز . نعم لقد ارتكب المحتل أفضع الجرائم في الفلوجة عندما احرق أهلها بالفوسفور الأبيض والمحرم دوليا باعتبارها أسلحة كيماوية فتاكة وها هي التشوهات الخلقية والولادات احد الأدلة التي ستكون وصمة عار علي جبين الأعداء وها هي النجف الاشرف قلعة الصمود وعاصمة الثقافة الإسلامية وهي تواجه أشرس هجمة وقف بوجهها أهلها بكل صمود وتحد . وها هو المحتل يلعب علي أوتار الطائفية وإذكاء جذوتها وزرع الفتنة بين أبناء الشعب العراقي والدماء التي سالت فاقت الحروب . فتبين لهم أن العراق جسد واحد ونفس واحد مهما بلغت التحديات وهم الأقوي والأجدي علي العبور وبلوغ دفة الأمن والأمان . وهو ما أدركهم علي إن سياسة إخضاع العراق وشعبه سياسة هوجاء لا فائدة منها ومضيعة للوقت . لقد حان دور العراق في بناء ما دمره الأشرار وأعماره بيد أبنائه النشامي ليزهو من جديد قويا بإرادة أهله . حفظ الله العراق وأهله الكرام ورحم الله شهداءنا الإبرار في جنات الخلد .. والسلام عليكم
محمد عبد الجبار عبد الله
/2/2012 Issue 4113 – Date 4- Azzaman International Newspape
جريدة «الزمان» الدولية – العدد 4113 – التاريخ 4/2/2012
AZPPPL