إدراك البشر للوقت يتأثر بخصائص الصورة

باريس‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬تؤثر‭ ‬خصائص‭ ‬معينة‭ ‬للصورة‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬الوقت‭ ‬لدى‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬ينظرون‭ ‬إليها،‭ ‬وفقا‭ ‬لدراسة‭ ‬علمية‭ ‬نشرت‭ ‬الاثنين‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ “‬نيتشر‭”‬،‭ ‬‮ ‬تشير‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬صلة‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬مشهد‭ ‬ما‭.‬

وأوضح‭ ‬البروفيسور‭ ‬مارتن‭ ‬وينر‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بجامعة‭ ‬جورج‭ ‬مايسون‭ ‬الأميركية‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحافي‭ ‬أن‭ “‬دراسات‭ ‬كثيرة‭ ‬أجريت‭ ‬خلال‭ ‬الأعوام‭ ‬العشرين‭ ‬الأخيرة‭ ‬تظهر‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬يبدو‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بشكل‭ ‬جوهري‭ ‬بخصائص‭ ‬حسية‭”.‬

‮ ‬وبيّنت‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬مختبره‭ ‬أن‭ ‬حلقات‭ ‬بصرية‭ ‬تؤثر‭ ‬كلياً‭ ‬أو‭ ‬جزئياً‭ ‬في‭ ‬التصور‭ ‬عن‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يقضيه‭ ‬الشخص‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬ما‭. ‬وثمة‭ ‬عوامل‭ ‬عدة‭ ‬تؤدي‭ ‬دورأً‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬حجم‭ ‬المشهد‭ ‬ومدى‭ ‬فوضويته،‭ ‬وأيضاً‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يرسخ‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬قليلاً‭ ‬أو‭ ‬كثيراً‭.‬

وعرض‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬لمشاهد‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬عوامل‭ ‬الحجم‭ ‬والفوضى،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬غرفة‭ ‬فارغة‭ ‬أو‭ ‬مليئة‭ ‬بالأشياء،‭ ‬وملعب‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬المتفرجين‭ ‬وشارع‭ ‬تسوق‭ ‬طويل‭ ‬يفيض‭ ‬بالأكشاك‭.‬‮ ‬‭ ‬وبعد‭ ‬عرض‭ ‬كل‭ ‬صورة‭ ‬لوقت‭ ‬متغيّر‭ ‬يراوح‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬ثانية‭ ‬إلى‭ ‬تسعة‭ ‬أعشار‭ ‬من‭ ‬الثانية،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الشخص‭ ‬أن‭ ‬يقدّر‭ ‬بسرعة‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬وقت‭ ‬عرض‭ ‬الصورة‭ “‬قصيراً‭” ‬أو‭ “‬طويلاً‭”. ‬وقال‭ ‬البروفيسور‭ ‬وينر‭: “‬لقد‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬المشهد‭ ‬وفوضاه‭ ‬دفعا‭ ‬تصوّر‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬اتجاهين‭ ‬متعاكسين‭”. ‬‮ ‬فكلما‭ ‬كان‭ ‬حجم‭ ‬المشهد‭ ‬المعروض‭ ‬أكبر،‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬الشخص‭ ‬‮ ‬انطباع‭ ‬بأنه‭ ‬نظر‭ ‬إليه‭ ‬لفترة‭ ‬أطول،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬الأشياء‭ ‬فوضوية،‭ ‬يشعر‭ ‬المراقب‭ ‬بأن‭ ‬الوقت‭ ‬قصير‭. ‬‮ ‬

وتذهب‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬صلة‭ ‬بين‭ ‬تصوّر‭ ‬الوقت‭ ‬وقابلية‭ ‬المشهد‭ ‬للرسوخ‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬طابعه‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُنسى‭. ‬واستخدم‭ ‬الباحثون‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬صور‭ ‬هي‭ “‬لاميم‭” ‬LaMem،‭ ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬معهد‭ ‬ماساتشوستس‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬وتضم‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬صورة‭ ‬تتفاوت‭ ‬درجة‭ ‬القابلية‭ ‬لتذكّرها،‭ ‬ومنها‭ ‬صورة‭ ‬منظر‭ ‬طبيعي‭ ‬عادي‭ ‬تظهر‭ ‬فيه‭ ‬تلالٌ‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬وسماء‭ ‬بلا‭ ‬لون‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬صورة‭ ‬دمية‭ ‬ملونة‭ ‬جداً‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬عرض‭ ‬الصور‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬المراقبين،‭ ‬وجد‭ ‬الباحثون،‭ ‬وفقاُ‭ ‬‮ ‬للبروفيسور‭ ‬وينر،‭ ‬أن‭ ‬الصور‭ ‬الأكثر‭ ‬رسوخاً‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬توحي‭ ‬لمن‭ ‬يشاهدها‭ ‬أنه‭ ‬نظر‭ ‬إليها‭ ‬لوقت‭ ‬طويل‭.‬‮ ‬

‮ ‬وكان‭ ‬الباحثون‭ ‬يعرفون‭ ‬أصلاً‭ ‬أن‭ ‬الأشخاص‭ ‬يتذكرون‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬الصورة‭ ‬المعروضة‭ ‬لفترة‭ ‬أطول‭. ‬ألا‭ ‬أن‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬نُشِرَت‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ “‬نيتشر‭”‬‭ ‬أظهرت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تُعرِض‭ ‬لوقت‭ ‬يشعر‭ ‬الشخص‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ذاتي‭ ‬غير‭ ‬موضوعي‭ ‬بأنه‭ “‬أطول‭”‬،‭ ‬وفقاً‭ ‬للباحث‭.‬

ثم‭ ‬استخدم‭ ‬فريقه‭ ‬نموذجأً‭ ‬حاسوبياً‭ ‬لتصنيف‭ ‬الصور،‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬عامل‭ ‬الوقت،‭ ‬ويقوم‭ ‬بالمهمة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬طُلبت‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬المشمولين‭ ‬بالاختبار‭. ‬وأكد‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬أن‭ ‬الصور‭ ‬الأكثر‭ ‬رسوخاً‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬تُعالَج‭ ‬بسرعة‭ ‬وكفاءة‭ ‬أكبر‭ ‬بواسطة‭ ‬النظام‭ ‬البصري‭.‬

‮ ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬عندما‭ ‬ينظر‭ ‬المرء‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬يهمه،‭ “‬يوسع‭ ‬تصوّره‭ ‬للوقت‭ ‬ليكتسب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭”‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ليتذكره‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل،‭ ‬بحسب‭ ‬البروفيسور‭ ‬وينر‭.‬

‮ ‬وهذا‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬درسه‭ ‬قسمه‭ ‬لعلم‭ ‬النفس‭ ‬لا‭ ‬يستبعد‭ ‬الآليات‭ ‬الأخرى‭ ‬لتصوّر‭ ‬الزمن‭ ‬لدى‭ ‬الفرد،‭ ‬كتلك‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬الصوت‭ ‬الذي‭ ‬يعالجه‭ ‬الدماغ‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬البصر،‭ ‬وعن‭ ‬لون‭ ‬الجسم،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬اللون‭ ‬الأحمر‭ ‬يغير‭ ‬تصوّر‭ ‬الوقت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللون‭ ‬الأزرق‭. ‬وتضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المشاعر،‭ ‬كالتوتر،‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ “‬الوقت‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬يطول‭ ‬بالنسبة‭ ‬لشخص‭ ‬متحمس‭ ‬جداً‭”. ‬كذلك‭ ‬كلما‭ ‬طال‭ ‬انتظار‭ ‬الشخص‭ ‬شيئا‭ ‬ما،‭ ‬يبدو‭ ‬الوقت‭ ‬أطول‭…‬

وتحظى‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬باهتمام‭ ‬أوساط‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وفقا‭ ‬للبروفيسور‭ ‬وينر،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سعيهم‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬أنظمة‭ ‬يمكنها‭ “‬التفاعل‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬مع‭ ‬البشر‭”.‬

‮ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬‮ ‬فهم‭ ‬كيف‭ “‬يصنع‭” ‬البشر‭ ‬تصوّرهم‭ ‬للوقت،‭ ‬تحقيق‭ ‬منافع‭ ‬تستفيد‭ ‬منها‭ ‬الأبحاث‭ ‬الطبية،‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬مثلاً‭ ‬سبب‭ ‬تأثر‭ ‬إدراك‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬مثل‭ ‬مرض‭ ‬باركنسون‭ ‬أو‭ ‬الفصام‭.‬

مشاركة