إتجاهات الصراع وعدم الإستقرار 2-2
إصلاح قطاع الأمن يسهم بإصلاح الوضع الراهن
عماد علوّ
تداعيات التدخل الدولي والاقليمي
منذ الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 بات العراق ساحة للتدخلات المختلفة سواء الإقليمية والدولية مما وضع أمن واستقرار العراق، وباتت ديناميكيات الصراع المجتمعي والسياسي مرهونة بشكل واضح بمستوى تصاعد و احتداد التوترات الدولية والاقليمية في منطقة الشرق الاوسط ، لأهمية العراق من ناحية الموقع الجغرافي و الجيوسياسي والاقتصادي . وبعد 17 عاما” على الاحتلال الامريكي للعراق بات العراق ساحة للمواجهة السياسية وحتى العسكرية بين طهران وحلفائها في العراق وبين واشنطن وحلفائها في المنطقة ، الأمر الذي عكس بصماته على الواقع السياسي والأمني في العراق تمثل بضياع بوصلة القوى السياسية والحزبية العراقية تجاه تحقيق مصالح العراق وباتت العملية السياسية العراقية تتراجع مما ينذر بحدوث تغييرا دراماتيكيا في مشهد الصراع وعدم الاستقرار في العراق .
الاستراتيجية الامريكية في تحييد تأثير النفوذ الايراني على الساحة العراقية ترتكز على إعادة تنشيط التحالفات الأميركية التقليدية والشراكات الإقليمية كـمصد ضد النفوذ الإيراني في العراق، تحت عنوان ومبرر مواجهة تهديدات الصواريخ الباليستية والأسلحة الأخرى الموجهة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. الأمر الذي وضع العراق باعتبار النفوذ الإيراني المتزايد فيه ، أولوية للسياسة الأمريكية الخارجية. ولذلك فان السلوك الامريكي الراهن تجاه العراق يتجه نحو عودة الانغماس والتدخل في الشأن العراقي ، خصوصا” في الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية .
أما بالنسبة للاستراتيجية الايرانية في العراق وموقفها من التواجد الأمريكي فهي تنطلق من اعتبار أن استمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق تهديدا حقيقيا يستهدف وجودها، ولذلك تسعى ايران الى إنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية، بالتعاون مع حلفائها في العملية السياسية العراقية ، الا أن هذا المسعى يضع الحكومة العراقية أمام تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية جسام فيما لو قامت بفتح جبهة صراع جديدة ضد الولايات المتحدة الامريكية . ويبدو أن الحكومة العراقية لا تفكر حاليا” في تغيير الوضع الخاص، الذي تتحرك بموجبه القوات الأميركية على الأرض العراقية. وحتى بعد صدور قرار من مجلس النواب العراقي يطالب بالانسحاب القوات الامريكية من العراق، فالأجواء الإقليمية غير مستقرة ، فهناك قلق حقيقي من الغارات التي تشنها إسرائيل على الحدود العراقية السورية ، والتي تستهدف القوات الإيرانية وحلفائها، وخشية أن تمتد هذه الغارات إلى الداخل العراقي، لذلك تسعى الحكومة العراقية الى تجنب الانعكاسات الخطيرة للغارات الإسرائيلية على الامن الوطني العراقي، كما أيضًا تحاول في نفس الوقت بكل جهد أن تحافظ على التوازن في العلاقة بين واشنطن وطهران.
من جهة أخرى لا يزال التوغلات المتكررة للقوات التركية في عمق الاراضي العراقية بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) ? تثير الكثير من الجدل حول مفهوم السيادة العراقية ، فضلا” عن تهديد تلك التوغلات للأمن الوطني العراقي ، الامر الذي بات يلقي بضلاله على السلم الاهلي خصوصا” في المناطق الشمالية من العراق .
وتمتلك تركيا رؤية استراتيجية حيال تركمان العراق ، تتجاوز الدور الإنساني، وتستثمر قضاياهم للتدخل بالشأن العراقي ليس فقط باستخدام الوسائل الناعمة، بل تهدد في اكثر من مناسبة بتفعيل أدوات القوة الخشنة إن لزم الأمر. هذه السياسة التركية ازاء الاوضاع في العراق تشكل في بعض جوانبها دافعا” للقوى الاقليمية والدولية المناوئة لتركيا بسحب ودفع بغداد بعيدا” عن انقرة لما يشكله الموقع الجيوبوليتيكي العراقي من اهمية بالنسبة لأشكال الصراع في المنطقة بالإضافة للعلاقات التجارية واسعة النطاق بين العراق وتركيا .
سلبية التأثيرات المناخية على الامن الوطني العراقي
تحدد وزارة البيئة العراقية في تقريرها عن (حالة البيئة في العراق لعام 2017 مؤشرات التغير المناخي في البلاد بأربع نقاط أساسية وهي: ارتفاع معدلات درجات الحرارة، قلة التساقط المطري، ازدياد شدة هبوب العواصف الغبارية مع نقصان المساحات الخضراء. وتتمثل هذه التغيرات بحسب التقرير ذاته، في تهديدها “الأمن الغذائي، نتيجة تراجع الموارد المائية وتقلص الإنتاج الزراعي وتدهور الغطاء النباتي وفقدان التنوع البيولوجي. كما يشكل تغير المناخ تهديداً لاستثمارات اقتصادية حيوية، فضلاً عن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانتشار الأمراض وتفاقم الأوبئة”.
لذلك فان الآثار الناتجة عن التغير المناخي في السنوات الأخيرة مثل موجات الحرّ المتطرفة والتصحر وشح المياه في جميع أنحاء البلاد ، تشكل تأثيرا” واضحا” على الأمن المائي والغذائي. أن هطول الأمطار غير المنتظمة ، وارتفاع درجات الحرارة عن المتوسط أدى الى انخفاض تدفقات الأنهار العراقية بنسبة 40? ? وهو ما يؤثر سلبًا أيضًا على الأمن الغذائي. كما أدى سوء إدارة المياه إلى ارتفاع ملوحة المياه ، لا سيما في الجنوب. من المتوقع أن يزداد المناخ في العراق سوءاً في السنوات القادمة مما يزيد من الضغط على الموارد المائية والزراعة والظروف المعيشية. بحلول عام 2050 من المتوقع أن ينخفض معدل الأمطار السنوي بنسبة 9? ? في حين من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة السنوية المتوسطة بمقدار درجتين مئويتين. بالإضافة إلى ذلك فإن 92? من المساحة الإجمالية للبلاد معرضة لخطر التصحر . وباستثناء المناطق الجبلية في إقليم كُردستان، تتميز غالبية المناطق الأخرى في البلاد بطبيعة جافة أو شبة جافة لا تتجاوز فيها نسبة هطول الأمطار 150 ملم سنوياً. ولهذا السبب يعتمد العراق على سقوط الأمطار خارج حدوده الوطنية لتأمين أكثر من نصف احتياجاته المائية، الأمر الذي يجعله عرضة لتحديات جمة في ما خص أمنه المائي والغذائي، وذلك بسبب تبعيته المناخية الطبيعية والجيوسياسية لدول الجوار: تركيا وإيران وسوريا. وخفضت مشاريع تخزين المياه في دول الجوار، معدلات التدفق في نهري دجلة والفرات، وهما المصدران الرئيسيان لمياه العراق السطحية، إلى أقل من ثلث طاقتهما عام 2018 وقد تخفضها أكثر في السنوات المقبلة ، الأمر الذي يضع الامن الوطني العراقي أمام تحديات جمة بالغة الخطورة يمكن تلخيصها بالنقاط الخمسة التالية:-
تناقص سبل المعيشة الزراعية بسبب نقص المياه وارتفاع درجات الحرارة اللذان يؤثران سلباً على الإنتاج الزراعي وقدرة المزارعين على جني المحاصيل ، ان انعدام الأمن في سبل المعيشة يمكن أن يوفر فرصة لتجنيد الإرهابيين ، لا سيما في المناطق المحررة من داعش . لذلك ترتبط إدارة المياه والاستثمار الزراعي ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار والأمن والسلام .
عدم كفاية قدرة الدولة على إدارة والتصدي لتغير المناخ وتدهور البيئة: أدى الفساد وسوء الحكم والحروب وعقوبات الأمم المتحدة وإرث نظام صدام حسين إلى إضعاف الاقتصاد العراقي وقدرة الدولة على التخفيف من آثار تغير المناخ وتحديث البنية التحتية للمياه. والقطاع الزراعي.
زيادة الاعتماد على تدفق المياه من الجيران والاستقرار الإقليمي: تتدفق مياه الأنهار في العراق من جيرانها مما يجعله يعتمد على ما تسمح دول الجوار (تركيا ايران وسوريا) بالتدفق من مياه الانهار . بينما يتسبب تغير المناخ في سقوط المزيد من عدم انتظام سقوط الأمطار في المنطقة ، أصبح العراق أكثر اعتمادًا على الاستقرار الإقليمي للحفاظ على وصوله إلى المياه. مشاريع السدود في إيران وتركيا (يتلقى العراق 80? من مياهه من تركيا) هي المسؤولة جزئياً عن العراق الذي يعاني من أسوأ أزمة نقص للمياه منذ 80 عاماً. إن زعزعة الاستقرار في البلدان المجاورة – سواء من خلال الصراع أو انخفاض هطول الأمطار – ستزيد من معاضل الامن المائي والغذائي في العراق. لا توجد حتى الآن أي اتفاقات أو أطر عمل رسمية لتقاسم المياه بين العراق وكل من ايران وتركيا ، وبالتالي فإن العراق عرضة لأي خلافات على القضايا الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الأمنية الأخرى ، مع تركيا وايران.
النزوح الجماعي والهجرة القسرية: يمكن أن يؤدي مزيج من البنية التحتية المهملة ، وزيادة تقلبات الأمطار ، ومشاريع السدود في البلدان المجاورة إلى زيادة خطر النزوح والهجرة القسرية على طول الأنهار في العراق المكتظة بالسكان. يعيش سبعة ملايين شخص في خمس محافظات على ضفاف نهر دجلة. لا يزال سد إليسو في تركيا بحاجة إلى أن يصبح جاهزًا للعمل بشكل كامل ، ولكن من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى خفض إمدادات المياه إلى العراق بنسبة 60. سوف تتأثر سبل معيشة مئات الآلاف من الأشخاص ، مما قد يتسبب في النزوح والهجرة الحضرية القسرية. ونتيجة لذلك ، قد تزداد احتمالية حدوث صراع بين المجتمعات المضيفة والنازحة بشأن الموارد المتجددة وفرص العمل النادرة والخدمات العامة.
تصاعد التوترات الطائفية حول الحصول على الغذاء والماء: يؤثر تقلب المناخ وتغيره تأثيراً قوياً على سبل العيش والوصول إلى الموارد الأساسية ، مثل الغذاء والماء. ان الضغط على الموارد الشحيحة المتبقية ، سوف يزيد من مخاطر التوترات داخل المجتمعات المحلية وفيما بينها. على سبيل المثال ، أدى تناقص الموارد المائية في جنوب العراق إلى مظاهرات ومصادمات محلية حول حقوق المياه .
تعتبر ندرة المياه في العراق قضية خطيرة ، فضلاً عن انعدام الكهرباء والعمالة والفساد المستشري هي المسؤولة عن حركات الاحتجاج في الجنوب. هناك مخاوف من أن أزمة المياه في العراق ستقود النزاع – من خلال الهجرة ، والصراعات المحلية ، والاضطرابات المدنية. إن كل من القضايا المتعلقة بالمناخ والافتقار التاريخي للاستثمار وصيانة البنية التحتية هي المسؤولة عن الوضع الحالي الذي جعل بعض أشكال الصراع المرتبط بالمياه حتمية. لقد تحولت الاحتجاجات بالفعل إلى أعمال عنف وكان هناك عدد من النزاعات القبلية التي تحولت إلى العنف حول الموارد المائية للزراعة . فضلاً عما تم التطرق اليه، هناك قطاعات أخرى غير المياه والزراعة والتنوع الأحيائي، تأثرت بالتغير المناخي في العراق مثل قطاعي الصحة والتعليم. وتشير وزارة البيئة العراقية إلى “زيادة معدل الوفيات والإصابة ببعض الأمراض التي قد تنتقل بالمياه والأغذية الملوثة وكذلك ببعض الأمراض مثل الكوليرا والملاريا والتيفوئيد، والأمراض غير المعدية، كأمراض الجهاز التنفسي كالحساسية والربو والأزمات القلبية وامراض سوء التغذية وتلك التي يرتبط بعضها بتغير الظروف البيئية للحشرات الناقلة لهذه الأمراض نتيجة تغيرات المناخ، فيزداد تأثيرها في صحة الإنسان.
سبل مغادرة حالات الصراع وعدم الاستقرار
رغم كل ديناميكيات الصراع وعدم الاستقرار ، وما جرى من تحفيز وتحريض على الكراهية في المجتمع العراقي ، فلا يزال هناك متسعا” لمغادرة حالات الصراع وعدم الاستقرار ، وفرصة للحد من انتشار وتفاقم الكراهية … ان اعادة النظر بالأطر القانونية والدستورية واعادة صياغتها باتجاه التسامح وقبول الاخر والسعي الجاد للتعايش السلمي مع الاخر وتجاوز الماضي وارهاصاته المؤلمة ستكون مدخلا” مهما” لتفكيك الكراهية والتحكم باتجاهات حركتها وصولا” الى لجّمها ، مما سيفر بيئة مناسبة للتعايش السلمي والتنمية المجتمعية المستدامة .. ان التحولات الديمقراطية في اطار من الوعي بإشكاليات هذه التحولات ستكون واحدة من كوابح الكراهية في المجتمع العراقي .. كما أن بناء نظام سياسي مؤسساتي سيكون صمام الامان لحرية المواطنين في اختياراتهم الثقافية والسياسية وبناء الثقة فيما بين مختلف المكونات المجتمعية باتجاه هوية وطنية حقيقية جامعة .
ان مراجعة الاختلالات في بنية العملية السياسية والتي من أهمها مراجعة الدستور بموضوعية لابد أن تكون باتجاهات تنهي الطائفية السياسية وتعتمد الهوية الوطنية كأساس يحقق العدالة الاجتماعية بعيدا” عن المحاصصة الطائفية والالتزام بالتعايش السلمي مع جميع الشركاء في الوطن واحترام الإنسان والحفاظ على حريات المختلفين دينياً ومذهبياً وفكرياً واحترام مقدساتهم، وحماية الأقليات وقدسية دور العبادة لجميع الأديان والمذاهب، وهذا يمثل أساساً للمصالحة المجتمعية. ان الغاء المظاهر المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة سيعيد للدولة هيبتها وقدرتها على محاربة كل اشكال الفساد الاداري والمالي و انجاز البرامج والخطط التي تستهدف بناء الانسان واعادة اعمار ما دمرته الحروب لاسيما الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي.
ان من اهم متطلبات دعم الامن والاستقرار ، مراجعة وانجاز برامج اصلاح قطاع الامن الوطني العراقي ، كونه ذا أهمية حاسمة في تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي ، وأن عدم الاسراع في انجاز برامج اصلاح قطاع الامن الوطني ، قد يهيئ البيئة ويفسح المجال أما نشوء واندلاع صراع مستقبلي تكون ضحيته الفئات الهشة والضعيفة في المجتمع العراقي فضلا” عن تداعياته السلبية على اتجاهات التنمية المستدامة في العراق . الأمر الذي يتطلب ، اعادة النظر في منظومة القيادة والسيطرة من خلال انشاء قيادة عليا للقوات المسلحة(قيادة عامة للقوات المسلحة) ،-اي تسمية كانت – وهي القيادة التي تقود القوات المسلحة زمن الحرب ، وتقدم المشورة وتساعد القائد العام للقوات المسلحة لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ، لغرض تسهيل وتيسير الاستخدام الامثل للقوات المسلحة (بمختلف مسمياتها )وموارد الدولة اللوجستية المتاحة ، وتوحيد مصدر القرار العسكري الاستراتيجي في السلم والحرب ، وخلال الازمات وادارتها وتماشيا” مع المواد (9) و (78) و (80) من الدستور العراقي لسنة 2005 ? وتعتبر اعلى سلطة في زمن الحرب وتحدد صلاحياتها ومسؤولياتها بناء على توجيهات وتوصيات مجلس الامن الوطني وتحدد بقانون.
كما أنه بات من الضروري بناء سياسة خارجية متوازنة وغير متقاطعة في البيئة الاقليمي والدولية الساخنة ، وحسم كل الملفات العالقة (الحدود ، المياه والامن) ، وهذا يتطلب بالضرورة وحدة الموقف ، بين الحكومة بصفتها تمثل الجهاز التنفيذي وبين القوى السياسية الفاعلة في العملية السياسية ، والتي يفترض ان تضع في اولى اولوياتها المصالح العليا للدولة والشعب العراقي .
{ لواء ركن متقاعد
مستشار المركز الاوربي لدراسات مكافحة الارهاب