إتجاهات الرغبة للوضع القلق – جاسم مراد

إتجاهات الرغبة للوضع القلق – جاسم مراد

يخطئ من يتصور ، ان العراق فقد وطنيته وقدرته على الدفاع عن كيانه السياسي والجغرافي ، لقد لعبت دورا مهما المحاصصات السياسية والمذهبية والعرقية في اضعاف العراق ، وحرف وجهته من الوطنية الجامعة الى الفئوية والطائفية في ادارة السلطة ، لكنها لم تتمكن من حرف التوجه الشعبي العام عن الانتماء للوطن ضمن حدوده المعروفة ، ولا عن فعالية فصائليته المتنوعة عبر التاريخ كقوة ثرية في الابداع الانساني والثقافي ، فقد حاولت سلطات متعددة على جعل الاختلاف بين تلك المكونات ، عناصر تناقض ، بغية تحقيق اهداف السطرة والاذلال ، لكنها فشلت ، وظل الصراع بين تلك السلطات والحركة الجماهيرية وقواها الوطنية والعروبية التقدمية .

ففي الوقت الذي كانت فيه تلك السلطات تخوض معارك دموية ضد الشعب الكردي ، وعمليات تصفية سياسية وجسدية ضد القوى الوطنية والعروبية التقدمية ، كانت تلك القوى تتضامن مع الشعب الكردي ، وكذلك القيادات الوطنية والتقدمية الكردية ، تجتمع مع تلك القوى وتؤكد تضامنها معها ، والنضال المشترك من اجل عراق وطني ديمقراطي ، مع احترام خصوصية وحقوق الشعب الكردي في اطار عراق موحد جامع لكل الشعب العراقي .

سلطة الطوائف

في الوضع الراهن ، وبعد سلطة الطوائف والعرقيات ، عملت العديد من الاطراف ، على جعل العراق بلا هوية وطنية ، ولا منهج سياسي جامع ، ولا توكيدات على المواطنة ، واصبح اللون الرمادي هو حاكمية التصرف للعديد من القيادات والكيانات الحاكمة ، كذلك صار الانتماء العروبي وصمة عار لدعاته ، أو على اقل تقدير متهمون بالنظام السابق ، وهم الاكثر تضرراً منه ، وهم الذين لحقت بهم من ذلك النظام عمليات تصفية مبرمجة ، يشهد على ذلك الرئيس جلال الطالباني ورفاقه ، لكن الامر كان كذلك ، بغية ان تستفرد هذه الكيانات بتحقيق مشروعها المحاصصي الطائفي العرقي .

الآن وبعد تكريس تلك السياسات ، وظهور طبقات مستفيدة بشكل اكيد من سلطة الطوائف والعرقيات ، لها اسنان كاسنان مشط الصوف ، في كل القوى الحاكمة حاليا ، في كردستان العراق ، كما هو في المناطق الوسطى والجنوبية ، ومثله في المناطق الغربية ، ويسمح لنا القاريء الكريم عدم توصيفها بمسمياتها المذهبية لكوننا نتقزز من تلك التوصيفات ، وان تكريسها هو هدف الطائفيين والعرقيين الساعين لشرذمة الوطن .

ليس جديدا مشاريع التقسيم للعراق اولاً ، وللعديد من دول المنطقة ثانيا ً ، ولكون النظام العراقي حاليا ، وطبيعة القوى الحاكمة له ، مهيئة اديولوجيا ونفسيا وطبقيا للسعي لتحقيق هذا المشروع ، فان قيام السيد مسعود البارزاني باعلان الانفصال عن العراق ، فلكونه اكثر وضوحا من غيره في تنفيذ ذلك المشروع الذي قادته امريكا منذ فترة وعملت على تحقيقه اسرائيل منذ زمن طويل ، وليس لكون مسعود بارزاني اكثر اخلاصا للكرد في تحقيق مشروعهم في دولة كردية في شمال العراق ولا هو ديمقراطي يريد من تلك الدوله ان تحقق الحرية للشعب الكردي ، ونعتقد سنوات حكمه لكردستان وعلاقاته مع الشعب والقوى السياسية الكردية واضحة لاتحتاج الى تفصيل ، ولكن الامر يتعلق في اختمار هذا المشروع الدولي الاسرائيلي ، سيما بعد قرب انهيار مشروع مايسمى بالدولة الاسلامية ، داعش في كل من العراق وسوريا .

تجمعات سياسية

ثمة اتجاهات الرغبة للعديد من القوى والتجمعات السياسية في حكم السلطة العراقية بتحقيق انفصالات جغرافية ومناطقية على اساس تجمعاتها المذهبية ، وان الرغبة تشجعها بضعف السلطة العراقية ، وهذا الضعف مقصود من كل القوى الحاكمة ، لان اي موقف جريء من اي شريك من المجموع الحاكم يواجه بحملة تشهير وحصار ، ولعل المتابعين للوضع العراقي يدركون المطالبات بالكيانات المنفصلة عن جسم الدولة بزعم بان الدستور (الاشكالية ) يحقق لهم ذلك .

نحن نعتقد مادام الوضع العراقي القلق ، واتجاهات الرغبة للعديد من الاطراف الحاكمة وتلك التي تستعد لاخذ دورها ، قائم على تحقيق كيانات انفصالية ، فأن الامور ستأخذ هذا الاتجاه ، المهم الان ان يبدأ البارزاني بانجاز مشروعه الانفصالي الان او بعد غد ، فان الاطراف الاخرى ستلتحق به ، وهناك من الكتاب والسياسيين العرب من يشجع ذلك ويهييء النفوس لمستقبل الانفصالات .

دول عاجزة

 الدولة التي تضع بضاعتها في سلة الدول هي بالضرورة دولة عاجزة ، والسلطة التي تعتمد على الطوائف لاستمراريتها ، هي بالتأكيد سلطة مفككة ، المخرج بسلطة وطنية جامعة ، وبقيادة قوية شجاعة ، وبمخارج حقيقي للازمة القائمة عبر مصالحة وطنية حقيقية ، وبانتماء واضح للمواطنة العراقية ، وبمشاريع بنيوية وتربوية وثقافية لالبس فيها ، وبمعالجات واعية تشترك فيها كل القوى الاكاديمية والتربوية والاعلامية والسياسية والدينية لمختلف الازمات التي استغلها الارهاب . وبغض النظر حصل الانفصال الان او بعد حين لكردستان العراق ، فان اشكالية السلطة المحاصصية ستفرخ انفصالات اخرى .

مشاركة