مهتمون يستذكرون رحلة قرن على عرض أول فيلم في العراق
إبن الشرق أول إنتاج سينمائي من بطولة مديحة يسري
فائز جواد
لمناسبة مرور اكثر من قرن على عرض اول فيلم سينمائي في العراق يرى مهتمون بالمشهد السينمائي وجمهوره ان السينما العراقية تعد واحدة من ابرز سينمات الوطن العربي، من حيث المضمون الفكري أولا ومن حيث عدد الأفلام المنتجة ثانيا، هذا فوق إنها رابع اقدم صناعة سينمائية بعد المصرية والسورية والتونسية، وبرغم كل ما مر بها من ظروف قاهرة جعلت من فترات صمتها تطول، إلا إنها كانت بحق متميزة.
فقد شهد العراق أول عرض سينمائي سينما توغراف وذلك في ليلة الأحد 26 في مثل هذا الشهر تموز 1909من العام في دار الشفاء في الكرخ، في مكان وسط بستان ملاصق للعبخانة، سمي فيما بعد بـ (سينما بلوكي) نسبة إلى تاجر مستورد للآلات كان معروفا في العراق. واصبحت أول دار عرض تفتح في بغداد وبعدها تعددت دور العرض السينمائية مثل (أولمبيا) و(سنترال سينما) و(السينما العراقي) و(السينما الوطني)، وعلى اثر اتساع العروض وتأثير دورها وزيادة اهتمام الصحافة بالسينما جرت عدة محاولات لانتاج أفلام في العراق، إحداها سنة 1930 إذ سافر حافظ القاضي بطيارة إلى إنكلترا لجلب أجهزة ولوازم السينما تمهيدا لانتاج فيلم في العام 1938 إلا أن هذه المحاولة قد أجهضت قبل أن يتمكن أصحابها من تصوير اللقطات الأولى لأفلامهم. المخرج السينمائي نزار الفدعم يؤكد على ان السينما العراقية كانت من انضج المشاهد الثقافية في الوطن العربي لما انتجته خل القرن الماضي من افلام سينمائية تؤكد ثقافة المواطن العراقي وحبه للسينما العراقية والعربية والعالمية حتى صارت تلك الافلام سوقا رائجا بسينمات بغداد ، ويضيف للاسف اليوم وبعد مامر العراق بنسكات الحروب والمشاكل السياسية كان اولها الحرب العراقية والايرانية والحصار لغاية العام 2003 عندما تعرضت السينما العراقية الى اسوأ مرحلة بتاريخها الزاخر بالافلام السينمائية انتاجا واخراجا وتاليفا وعرضا ولاسباب لااريد ان افصلها فهي واضحة للعيان عندما اغلقت ومازلت دور العرض السينمائي وصارت ذكرى مؤلمة لروادها وكلما مامروا من امامها يذرفون الدموع مستذكرين ايام الخير ايام كان الجمهور يبحث عن الثقافة والفن بانواعها ورغم محاولات خجولة هنا وهناك بقيت السينما العراقية تتراجع رغم رصد لها وضمن عاصمة بغداد للثقافة العراقية مبالغ ضخمة لانتاج افلام سينمائية وتفعيل دور السينما ولكن للاسف بقي الوضع على ماهو عليه .
يشار الى ان الفنان المخرج السينمائي نزار الفدعم المختص بالاخراج السينمائي والتلفزيوني اخرج العديد من الافلام الوثائقية والروائية القصيرة الى جانب اخراج عدد من الاعمال التلفزيونية والمنوعاتية التوثيقية وعمل في اكثر من دولة عربية مخرجا متميزا واخرج عدد من الاعمال الدرامية لحساب سلطنة عمان التي اعتزت به مخرجا عراقيا كبيرا . يشار الى ان أثرياء الحرب شرعوا في اربعينيات القرن المنصرم بتكوين الشركات السينمائية وكان أولها(شركة أفلام بغداد المحدودة) التي أجيزت في عام 1942 ولم توفق في إنتاج أي فيلم. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت صناعة الفيلم في العراق، ومنذ 1909 ظل القطاع الخاص المستورد والموزع للأفلام، ولم يحالفه الحظ في دخول الإنتاج إلا في الأربعينيات.
اول فيلم عراقي
إذا كانت مصر قد أنتجت أول فيلم سينمائي (ليلى) عام 1927، فان السينمائيون العراقيون باشروا في العام 1946 بإنتاج أول فيلم عراقي من قبل مجموعة من الشبان المتحمسين للسينما الذين أسسوا (شركة أفلام الرشيد العراقية- المصرية)، وكان الفيلم (ابن الشرق) الذي أخرجه(إبراهيم حلمي) ومثل فيه عدد كبير من الفنانين العرب مثل بشارة واكيم ومديحة يسري ونورهان وآمال محمد، أما من العراق فقد شارك في الفيلم عادل عبد الوهاب، حضيري أبو عزيز وعزيز علي، وعرض فيلم (ابن الشرق) خلال أيام عيد الأضحى المبارك في20/11/ 1946 في سينما الملك غازي، دفع نجاح فيلم (ابن الشرق) إسماعيل شريف صاحب سينما الحمراء في بغداد بالتعاون مع اتحاد الفنانين في القاهرة الذي يضم المخرج احمد بدرخان, والمصور عبد الحليم نصر, والماكيير آنذاك حلمي رفله إلى إنتاج فيلم (القاهرة- بغداد) الذي قام ببطولته عميد المسرح العراقي حقي الشبلي أمام الفنانة مديحة يسري، وعرض الفيلم في بغداد لأول مرة في 10/3/1947 في سينما الحمراء. كان لنجاح هذين الفيلمين صداه عند عدد من المستثمرين الذي انشئوا أول أستديو سينمائي في العراق هو (أستوديو بغداد) وكان باكورة أعمالهم فيلم (علية وعصام) المستوحى من قصة روميو وجولييت ولكن بأسلوب بدوي، واشترك في التمثيل إبراهيم جلال وعزيمة توفيق وجعفر السعدي واخرجه المخرج الفرنسي اندريه شوتان، وصورة جاك لامار، وعرض الفيلم لأول مرة في 12/3/1949. في سينما روكسي، وحقق الفيلم نجاحاً هائلاً من خلال تدفق المئات من محبي السينما لمشاهدته نظراً لموضوعته الأثيرة وتناوله حياة البادية فضلا عن تقنيته المتميزة. وبعد نجاح فيلم (عليا وعصام) جاءت التجربة الثانية لأستوديو بغداد مخيبة للآمال حيث فشل فيلم ( ليلى في العراق) الذي قام ببطولته الفنان اللبناني محمد سلمان ونورهان، ومن العراق عفيفة اسكندر وإبراهيم جلال، واخرجه المخرج المصري أحمد كامل مرسي وعرض في سينما روكسي بتاريخ 15/12/1949، ويعود سبب فشل الفيلم إلى اعتماده على نجاح فيلم سابق للمطرب محمد سلمان بعنوان ( لبناني في الجامعة) سنة 1947، والذي أخرجه حسين فوزي وشاركته البطولة المطربة صباح. إن هذه الأفلام جلبت بعض الشبان الذين اطلعوا على أسرار هذا الفن الجميل وامتلكوا بعض المؤهلات التي تساعدهم على قيادة هذه الصناعة الجديدة. لكن بعد عرض فيلم (ليلى في العراق) أصاب القطاع الخاص الخمول ولم يستطيع أحد إنتاج فيلم يستهل فيه الخمسينات.
وفي العام 1953 استطاع ياس علي الناصر من تأسيس شركة دنيا الفن واعتمدت هذه الشركة على قدرات عراقية خالصة، وكان فيلمها الأول (فتنة وحسن) الذي أخرجه حيدر العمر وجرى عرضه في 20/6/1955، وأدى نجاح هذا الفيلم إلى تشجيع هواة السينما واصحاب رؤوس الأموال على تأسيس شركات سينمائية والشروع بإنتاج الأفلام، وكان أول هذه الأفلام فيلم ( وردة) إخراج وسيناريو يحيى فائق وهو فيلم عن (قصة يوميات نائب في الأرياف) لتوفيق الحكيم، وبعد إنتاج هذا الفيلم بدأت تظهر أفلام قليلة ذات مضامين رمزية وإنسانية مثل فيلم( ندم) الذي بدأ التصوير به عام 1955 وعرض في عام 1956 وهو من إنتاج شركة سامراء، وبطولة حسين السامرائي وعزيمة توفيق وقصة وسيناريو واخراج عبد الخالق السامرائي، وفيلم (من المسؤول) الذي بدأ التصوير به عام 1956 وعرض لأول مرة في أيلول 1957 وهو من إنتاج شركة سومر للسينما، كتب السيناريو له واخرجه المخرج عبد الجبار ولي توفيق عن قصة الكاتب العراقي أدمون صبري وحوار صفاء مصطفى وصورة المصور الهندي دفيجا ومثله كاظم المبارك وناهدة الرماح وسامي عبد الحميد وخليل شوقي وأخرين، ويعد هذا الفيلم واحداً من أهم الأفلام العراقية ونقطة مضيئة في تاريخها، لأنه أول فيلم تناول الواقع العراقي، بأسلوب واقعي، وتعرض للواقع الاجتماعي المنهار والمشاكل التي يرزح تحتها الإنسان المسحوق في الخمسينات.
وفي عام 1958 بدأ تصوير فيلم ( ارحموني) وهو من إنتاج شركة الحداد والشيخلي وسيناريو واخراج حيدر العمر وتمثيل المطربة المعروفة هيفاء حسين والمطرب والملحن رضا علي، مع بدري حسون فريد وكمل القيسي، عرض هذا الفيلم لأول مرة في آذار عام 1958 ولاقى إقبالا جماهيرياً هائلاً نظراً لميلودراميته وموضوعته التي تعاطف معها الجمهور. وقد سبق عرض هذا الفيلم، فيلم (سعيد أفندي) الذي يعد والى الآن علامة بارزة أخرى في السينما العراقية، وهو من إخراج كاميران حسني ومثل فيه يوسف العاني وزينب وجعفر السعدي وعرض في شباط 1957 وهو من إنتاج شركة اتحاد الفنانين لصاحبيها كاميران حسني وعبد الكريم هادي ومقتبس عن قصة شجار للكاتب العراقي ادمون صبري وسيناريو وحوار يوسف العاني، وقدم الفيلم أحوال الحواري البغدادية والعلاقات الاجتماعية والأزياء وألعاب الأطفال خلفية لدراما الفيلم الذي يتحدث عن خلاف ينشأ بين جارين بسبب مشكلة بسيطة تتطور ولكن في نهاية المطاف تسود روح التسامح والمحبة لأبناء الحي.
وتؤكد الكتب الموثقة عن تالريخ السينما العراقية انه ومع بداية عام 1958 بدأ تصوير فيلم ( أدبته الحياة) للمخرج مهند الأنصاري وانتاج شركة مهند الصراف وتمثيل مهند الأنصاري ومديحه شوقي، وفي العام نفسه عرض فيلم (عروس الفرات)، من إنتاج شركة أفلام النسر قصة وسيناريو وحوار واخراج عبد الهادي مبارك، ويتحدث الفيلم عن فتاة تهرب من عائلتها من اجل أن تتعلم. وعرض في عام 1958 فيلم ( الدكتور حسن) وهو من إخراج محمد منير آل ياسين وانتاج أفلام ( دنيا الفن) ومثله ياس علي الناصر وخلود وهبي، وعرض أيضاً فيلم( تسواهن ) الذي أنتجته شركة سمير أميس وكتب القصة والسيناريو وأخرجه حسين السامرائي ومثل فيه حسين السامرائي ورمزية حميد. وفي عام 1959 قدم برهان الدين جاسم فيلمه (إرادة شعب ) تمثيل ابراهيم العزاوي وأزهار أحمد، وأنتج الفيلم عبد الرزاق الاسدي.
ويؤكد الباحث كمال لطيف سالم على ان والحق ان صورة الماضي المتمثلة بفتح اول دار عرض صيفية في العراق هي – ليالي الصفار عام 1913 وقد وقفت امام اسماء عديدة منها سينما الرافدين سينما تاج الرشيد الشرق غازي رويال سينما الاحرار روكسي الاوبرا الحمراء شريط من الاسماء التي لم يعد قائما منها سوى سينما الفردوس وقد اهملت هي الاخرى. وقد احتلت السينما الصيفية موقعا مهما في تاريخ السينما العراقية ولاسيما على مستوى قاعات العرض التي استطاعت في حينها ان تذلل العديد من المشكلات التي كان يواجهها رواد السينما حينما يصبح الجو حارا وخانقا وهذا يعني ان السينما الصيفية كانت تمنح ذلك الانسجام بين المشاهدة الفلمية والاحساس الرومانسي بمناخ تلك الدور .
ومما يذكر عن السينما الصيفية ان يوم افتتاحها مهرجان فني ولاسيما لدى العوائل التي كانت تاتي بكامل افرادها يضاف الى ما يجلبوه من طعام وشراب حيث يبسط على ساحات العشب الباردة.
وكان عام 1940 بداية لدخول العوائل الى السينما اذ كان الامر قبل ذلك يقضي بجلوس النساء في مكان والرجال في مكان الى ان الغي ذلك بسبب ردود الفعل الذي احدثها لدى الجمهور الذي بدأ يعي دور السينما. ويذكر ان اجرة البطاقة كانت بين 25 فلسا الى 40 فلسا.
ومن اشهر مشغلي السينما آنذاك يونان حمدي كرويت الوب زيدان خلف سمادة علي.
يبلغ عدد دور العرض الصيفية من الدرجة الثالثة نحو 38 دار عرض اما دور العرض الصيفية المغلقة فتبلغ نحو 17 دار عرض ، وفي بغداد توجد سينما الرافدين وهي مغلقة الان يبلغ عدد مقاعدها 970 مقعدا اما سينما الاحرار ففيها 160مقعدا وسينما النصر 1000 وسينما روكسي 862 وسينما الرشيد 800 مقعد .