أيها التاريخ لاتنس عثمان العبيدي – مقالات – ثامر مراد
كلما سمعت إسم عثمان العبيدي أشعر أن قشعريرة تدب في أوصالي ولاأتمالك نفسي من البكاء مهما حاولت أن اسيطر على مشاعري. ليس لأنه مجرد شاب مات غرقاً أو فارق الحياة وهو يصارع الموت تحت الماء على الرغم من انه سباحٌ ماهر من الدرجة ألأولى . تعلم السباحة منذ أن كان طفلاً حيث بيت عائلته القريب من الشط. كل يوم يموت العشرات من الشبان وألأطفال والشيوخ والنساء في بلدٍ يكاد يلفظ أنفاسهُ ألأخيرة بين لحظةٍ وأخرى. عثمان رسم صورة حية لايمكن أن ننساها مهما عصفت بنا الكوارث وألأهوال والصراعات والنزاعات . عثمان منهج أكاديمي يشمل كل مبادئ الطهارة والنزاهة والتضحية من أجل ألآخرين .عثمان قدم خدمة للعراق لم يستطع أن يقدمها أي وزير أو مدير أو حتى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية بكل ما أوتوأ من جبروت التسلط والقوة. كان عثمان يمتلك من القوة ما تعادل كل تناحرات ألأحزاب ومؤامرات المتآمرين لتمزيق وحدة العراق من اقصى الشمال الى أقصى الجنوب. عثمان لم يكن عضواً برلمانياً ولا وزيراً للكهرباء ولا وزيراً للتجارة ولا قائداً عسكرياً, وإنما كان ثورة في وجه كل من ينادي لتمزيق وحدة الطوائف التي تعيش في العراق. أراد أن يبعث رسالة واقعية للجميع ” نحن جميعاً أخوة عند الكوارث والمصائب والدمار..تعالوا نعود الى وحدتنا ألأولى وننسى الخلافات البسيطة التي يحاول ألاعداء خلقها لتمزيق كل العراق” . لو وضعنا مقارنة بسيطة بين عثمان وبين الوزراء الذين يتخاصمون فيما بينهم من اجل الحصول على مكاسب مادية شخصية دون ألأهتمام بمصالح الفقراء والمساكين لكانت كفة عثمان هي الراجحة بالتأكيد.” التـــــاريخ خط وسيبقى يخط تاريخ عثمان بحروفٍ من نور مادامت هناك حيـــــــاة على كوكب ألأرض. التاريخ كتب وسيبقى يكتب عن الوزير الــــــذي هرب الى لندن بأموال البطاقات التمـــــــوينية وراح يبني له صرحا كبيــــــرا في لندن . الــــــتاريخ يكتب الأحداث الجميلة والرديئة بكـــــل تفاصيلها.
حينما زحفت الجماهير نحو المرقد المقدس في ذكرى إستشهاده من كل جزء من أجزاء العراق وتدافعت على الجسر المميت وراحت ألأجساد تسقط في الماء الواحد تلو ألأخرى. هب عثمان مع بقية الشباب لأنقاذ ألأرواح التي تكاد تشهق شهقاتها ألأخيرة قبل الغوص الى أعماق النهر. حينما كان عثمان البطل ينتشل الواحد تلو ألأخر في لحظات الخوف والرعب والذعر لم يسال أي شخص ” هل أنت شيعي أم سني؟ هل انت مسيحي أم كردي؟ هل أنت كبير في السن أم عجوز هرم؟ ” . كان ينتشل الفرد لأنه ينتمي الى أرض العراق بغض النظر عن معتقده الديني او الطائفي. كل ماكان يفكر فيه أنه ينبغي عليه أن ينتشل ألأنسان الذي فضله الله سبحانة وتعالى على جميع المخلوقات. كان جسد عثمان قويا رياضيا شابا في مقتبل العمر ولكن حجم الأجساد الطافية على سطح الماء أقوى من قوتهِ المحدودة وطاقته البشرية التي لها حدود معينة لايمكن أن يتجاوزها ألأنسان مهما أوتي له من طاقة. شعر عثمان في لحظة إنقاذ الجسد ألأخير أن قواه بدأت تخور شيئاً فشيئا , لم يستطع أن يأخذ قسطاً من الراحة عند ضفة النهر ليعود من جديد لأنقاذ ألأخرين. الزمن يسير بسرعة وأمواج النهر الهادرة لاتنتظر شخصاً ينشد الراحة . اي تاخير في السباحة نحو الأجساد الطافية معناه موت إنسان وهذا ماكان يخشاه عثمان. وهو ينقذ الجسد ألأخير راح جسد عثمان يهوى نحو القاع رويدا رويدا. عرف ان ساعة الموت قد جاءت . راحت المياه تدخل رئتية وهو يحاول أن يصرخ ” المعذرة..وداعاً أيتها الجماهير الزاحفة نحو ألأمام المقدس. لم أعد أستطيع أن أقدم لكم خدمة أخرى . خارت قواي وسأفارقكم الى ألأبد. أنا مصابٌ بالحياء لأنني فشلت في إنقاذكم جميعا. سلامي الى ألأمام المقدس ولاتنسونني بالدعاء.” غاص عثمان الى القاع وترك والدتة تلطم عند حافة النهر وتصرخ بأعلى صوتها ” واولداه…واعثماناه…” ومات شهيد النهر مع بقية الشهداء الذي جاءوا من أقصى المدينة لأداء زيارة الأمام المقدس. عارٌ على كل مسؤول إذا لم ينحني إحتراما لشهيد النهر الذي ضحى بحياتة من أجل أبناء الوطن الواحد. على كل العراقيين أن يتوحدوا مع بعضهم البعض بكل طوائفهم ويسارعوا لأنقاذ أي فرد من أفراد الوطن ينشد الحياة وليكن إستشهاد عثمان درساً لنا جميعاً في التضحية من أجل ألأخـرين.














