أين يكمن زمن القصيدة؟
فليحة حسن
يحبسنا القصّ في الزمن الماضي دوماً مثله مثل الحكاية، حتى لو كان بطلها يوجد في زمن الروي الحاضر فهو لا يمكن أن يقصَّ لنا غير ما حدث له في الزمن الماضي قبل سنوات، قبل اشهر، قبل أسابيع، قبل أيام، قبل ساعات، قبل ثوان ، وهو غير قادرعلى التحدث عن حدث ما إلا حين ربطه بزمن الماضي وان فعل خلاف ذلك وحاول التحدث عن فعل مستقبلي فلا يقع ذلك الحديث حينها إلا ضمن خانة التوقعات من مثل أنا فلان الماثل أمامكم سأحكي لكم ما أتوقع حدوثه بعد لحظات أو ساعات أو أيام أو …..الخ
وبذا تدخل الحكاية هنا ضمن ما هو متوقع أي الذي لم يحدث فعلاً أو الذي لن يحدث ربما أو المتوقع حدوث خلافه، ومن ثم فإن هذا التوقع يكون غير ملزم تصديقه من قبل متلقيه لأنه لمّا يوجد بعد
وبذا فإن الروائي ومثله القاص حين يعمد الى إبقائنا في دائرة الزمن الماضي فأنه يفعل ذلك إيماناً منه بقدرته على إبقائنا نحن المتلقين في دائرة تصديقنا لما يرويه، أي إن تأثيره علينا يكون ملزماً بإبقائنا محصورين في دائرة الزمن الماضي ليس إلا ما لم تنتمي روايته أو قصته الى الفنطازيا طبعاً إذ إن الأمر هذا معمول فيه سواء أكانت الرواية تنتمي الى الكلاسيكية أم التاريخانية وحتى الى تيار التداعي الحر أو الفلاش باك، فلعبة الزمن الماضي هي اللعبة الأصلح لزمن القص في الرواية والحكايات، وهذا الأمر ربما يكون معلوماً من قبل الأغلب الأعم إذا لم يكن لكلّ المتابعين والمولعين بقراءتها لكن هل تساءل احد ما عن زمن القصيدة؟
وهل زمن القصيدة مما يمكن التكهن به؟
بمعنى أين يكون الشاعر حين يقول قصيدته هذه؟
هل هو موجود وكائن بها في زمن كتابتها أم في زمن لاحق له أم سابق عليه؟
وهل تختلف أزمنة الشاعر في القصيدة الواحدة باختلاف تأثيرها على متلقيها؟
لنبحث مثلاً عن الزمن في قصيدة يقول فيها أمير ناصر
عندما تنغمس الشمس في أقاصي المياه
-نظن نحن الأطفال
إنّها ستخرج مبتلة
ولنتساءل ما هو زمن القصيدة هذه هل هو الزمن الحاضر زمن القول أو الكتابة أم الزمن الماضي الذي تدلل عليه قرينة نظن نحن الأطفال ؟
أم هو زمن ثالث يمكن أن نسميه انضغاط زماني الحاضر والماضي فيها؟
ولنقترب من قصيدة علي خصباك التي يقول فيها
رأسانا متجاوران وما بيننا غيمة،
إن أمطرتْ نتحسسُ أعيننا وبلل الوسادة
بأصابع خرساء
فالصورة الشعرية هنا إنما تقوم في الأصل على تداخل عدة أزمنة هي كالأتي التجاور، وجود الغيمة آني حاضر وواقع فعلاً الإمطار مستقبلي قائم على التوقع التحسس مستقبلي مرهون بغيره من الأفعال . ومن ثم فزمن القصيدة هنا متداخل أيضاً مابين زمانين هما الحاضر والمستقبل.
ويتضح لي مما سبق إن زمن القصيدة من مؤثرات الايجابية على الصورة الشعرية وإن تداخل الأزمنة في القصيدة الواحدة من مقومات المحافظة على الصورة الشعرية وإبقائها أطول مدة ممكنة في ذهن متلقيها.
وان الصورة الشعرية المؤثرة ما هي في الأصل إلا نتاج تداخل لأزمنة قد تستطيل وتمتد الى المستقبل.
/8/2012 Issue 4274 – Date 11 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4274 التاريخ 11»8»2012
AZP09