أيديولوجيا الإرهاب عبر المنظور السردي

أيديولوجيا الإرهاب عبر المنظور السردي

 في رواية( ينال) لأمجد توفيق

 نادية هناوي

تكمن جماليات الكتابة الروائية في ما تسوغه أشكالها من مضامين وما تطرحه أنواعها من قضايا وظواهر اجتماعية غير معتادة لكنها في الغالب معيشة حياتياً. ولكل رواية وجهة نظر قد تكون معرفية وفيها قيمة الفن تتأكد في أنه مصدر للفهم وتحصيل الخبرات، وهو ما يتضاد مع أصحاب وجهة النظر الاجتماعية الذين يرون قيمة الفن في مدى حقيقيته وصدق تجاربه. وقد تكون وجهة النظر تعبيرية حيث تتحدد قيمة الفن في ما يوصله من انفعالات وما يحققه من إدراكات شعورية إزاء العالم المحيط. ومن هذا المنطلق نظر كولنجوود لقصيدة الأرض الخراب ورأى أن اليوت قدّم رؤية تنبؤية (تصف نوعا من الشر لا يُلام أحد عليه. شر لا يمكن إصلاحه بقتل الرأسماليين وتدمير النظام الاجتماعي.)()

وتتجلى أهمية وجهة النظر التعبيرية أكثر في الفن الروائي كونها تعطي الكاتب قدرة على عرض أكثر المسائل حساسية وأهم الموضوعات خطورة بطريقة مسوغة استرجاعا أو استباقا، سلبا وإيجابا. ومن تلك الموضوعات الإرهاب لاسيما حين يعبر عنه من وجهة نظر من هو إرهابي تعبيرا عاطفيا وانفعاليا فتتمرر الفكرة كمعرفة وقيمة.

اقتراح حلول

والفرق كبير بين الفكرة كسلوك والمعرفة كقيمة فالاولى غير ثابتة ولذلك هي فرضية بينما المعرفة قارة لأنها يقينية. ومن هنا كانت السائلية في الحداثة ــ التي هي أطروحة زيغمونت باومان ــ مبنية على الأفكار لا المعارف. فلم يقترح حلولا للمتاهات التي أسفرت عنها الظواهر المجتمعية في عالمنا العولمي اليوم، بل بحث عن الكيفيات التي بها تشكلت تلك المتاهات وطبيعة الاستفزازات والصراعات الدائرة فيها. والمعارف ليست سائلة بقدر ما هي تخصص يتبلور بناء على صدق الفرضيات ومدى تحقق احتمالات ما  تم اختباره فاثبت صدقه ولا يضر في صدقه تداخله مع تخصصات أخرى.

ومن ثم يكون الإمساك بالمعرفة نهائيا كقيم وعلوم لها منهجياتها ونظرياتها ولكن الإمساك بالأفكار غير نهائي كأجندة واستراتيجيات لا سياقات تحكمها وإنما هي تصورات سوسيوثقافية تمليها مشاكل الواقع الموضوعي وعن ذلك يقول باومان:( إن أوضاع الناس ستظل متلونة ومتعددة الأشكال مثلما سيظل المغزل الذي تنسج منه تجربة الحياة متعددة ولمدة طويلة قادمة وبالنسبة لكل ما هو مهم وكل ما نعلم فإنهم سيظلون يتغيرون إلى الأبد)()

ولان الفكرة لا قرار أو ثبات قيميا وعلميا لها، إلا إذا قيدت علميتها بالتجريب وحددت قيمتها بالاختبار، لذا تغدو الرواية مصنعا للأفكار قد تتأكد القناعة بها وقد لا تتأكد تبعا لمهارة الروائي وبراعته في ما يعتمده من أشكال وأنماط وتقانات. فإذا تأكدت القناعة فذلك يعني أنه طرح فكرته كقيمة معرفية هي بمثابة ايديولوجيا يتم توصيلها إلى القارئ بصورة حتمية كعلم.ولكل ايديولوجيا قيمها التي يصعب التوفيق بينها والتوازن التام في ما يمكن أن يتمخض عنها وتظل الحرية في اللااعتراف بأية قيود أو حدود هي السمة العامة لأية قيمة إيديولوجية لأن الحياة نفسها ليست مستقرة على حال وانما هي خاضعة لديالكتيك التصارع بين الأضداد مما يجعل أي وجه من وجوه الحياة مهجَّنا ثقافيا فيه الخير والشر وفيه الفضيلة والرذيلة سلبا وإيجابا وصعودا وهبوطا ولذة ومعاناة وسعادة واستياء وصلاحا وفسادا.

وبحسب وجهة النظر التي يؤدلجها الروائي تتم محاكاة واحد من الوجوه الحياتية كفكرة هي قيمة معرفية تعكس اما الجانب المشرق لهذا الوجه أو الجانب السيء.

وما كان لبوريس اوسبنسكي أن يقدم وجهة النظر الإيديولوجية ويجعلها أول المنظورات الشعرية في التأليف الروائي لولا هذه السعة في التمثيل المهجن للحياة الذي فيه يمكن للقارئ أن يتحصل الفكرة من خلال الروائي لا من دونه.

وفرق كبير بين أن يكون مسعى الروائي توجيه القارئ وبين أن يكون مسعاه تحدي القارئ لأنه في الحالة الأولى يمارس دور التفكير والتوجيه وفي الحالة الثانية يمارس هو وكذلك القارئ التفكير حسب وبما يجعلهما متشاركين في العمل الروائي.

وخطورة وجهة النظر الإيديولوجية هي في أحاديتها التي تعطي الكاتب هيمنة أيا كان سارده موضوعيا عليما أم كان ذاتيا ممسرحا أو مشاركا. ولقد نبذ ديستويفيسكي هذه الهيمنة حين تخلى عن أحادية وجهة النظر واستبدلها بالتعدد في وجهات النظر وما ينجم عنها من تهجين لغوي وحوارية صوتية وذهنية.

وعلى الرغم من تنوع التجارب الروائية العربية والأجنبية في توظيف التعدد الصوتي، فان وجهة النظر الإيديولوجية تظل منافسا قويا لأنها وحدها التي بها تتوكد خطورة الرواية وأهميتها في قلب الأفكار وإعادة حرثها بقصد تقديم جماليات تنظر إلى القيم بعكسها فالحب يقدم على انه كره والشرير والقبيح والدوني والفاسد يتقدم على الخير والجميل والأصيل والصالح. ولعل رواية( خطف الحبيب ) لطالب الرفاعي أفضل نموذج لهذا النوع من الروايات الموظفة لتقانة التعدد في الأصوات تعبيرا عن موضوعة الإرهاب، مما عرضت تفاصيله في مقالي المعنون( تصارع الرؤى في رواية خطف الحبيب) والمنشور في مجلة البيان الكويتية العدد 615 اكتوبر 2021 .

بيد أن السؤال المطروح للنقاش هو لماذا يصر الكاتب على تقديم عمل روائي موضوعه الإرهاب وبطله تاجر أسلحة وقاتل ومجرم معتمدا على الإيديولوجيا عبر وجهة النظر ؟ أ هي الرغبة في التخلص من شرك التعددية في الأصوات أم هي الرغبة في أن يمارس دور المفكر والموجه أم هي الشجاعة في تقديم مادة روائية مغايرة وخطيرة ؟ لعل الاحتمال الثاني أكثر مقبولية من الاحتمالين الأول والأخير؛ فمن يكتب رواية يعرف آلية توظيف التقانات ومن ثم لا تخذله تقانة دون أخرى بيد أن هذا ليس هو المهم، بل الأهم هو أن يوظف التقانات في خدمة فكره ليكون كالفيلسوف تعنيه الحياة بعمومها في ظاهرها وباطنها فيرى الناس مثلا كما رآهم هوبز ليسوا مجبرين على أن يتصرفوا بلطف أو كما افترض جان جاك روسو رؤيتهم في قسوتهم وهم يؤذون بعضهم بعضا بإجبارهم على أفعال لا يريدونها أو يراهم كما رآهم نيتشه وشيلر غالبين أو مستائين وبحسب نوع القوة التي يملكونها.

وبوجهة النظر الإيديولوجية تغدو الرواية والايديولوجيا صنوين أو بالأحرى وجهين لعملة واحدة يقوم القارئ المؤدلَج بالإفادة منها. وإذا اتفقنا على أن وجهة النظر الايديولوجية تجعل الكاتب مفكرا وتجعل للرواية قيمة معرفية بها يغدو القارئ موجها معرفيا، فان السؤال الأخلاقي لن يعود مهما حول براءة النوايا وصدق الأفكار وصلاحية القيم والسلوكيات إزاء المعاناة بمصائر بائسة تتم محاكاة رذائلها.وواحدة من رذائل الحياة الراهنة التي حاكتها الرواية( الإرهاب) وما يخلفه من مآس بشرية وخراب ودمار كنتيجة متحصلة من العولمة والتعايش العولمي بالاستبداد والطغيان والشك فضلا عما أسفرت عنه الامبريالية العالمية من طغيان واستبداد وهي تنادي بـ(الحرب على الإرهاب) مقوية الإرهاب حتى لا كفاءة في الحرب عليه أو كما يقول باومان( فكرة الحرب على الإرهاب هي ضرب من التناقض)().وموضوعة الإرهاب واسعة لكن القليل من المفكرين تناولوها بالفحص والتشخيص ومنهم جان بودريار الذي حمله الاعتداء على برجي التجارة العالمية في نيويورك على وضع كتابه( روح الإرهاب) وفيه أدان الإرهاب أخلاقيا وكيف أنه( يدمر نفسه بنفسه منتحرا على نحو رائع. وهذه المخيلة الإرهابية تسكننا جميعا دون أن نعرف وحقيقة أن نكون قد حلمنا بهذا الحدث وأن يكون كل الناس دون استثناء قد حلم به لأنه لا يمكن لأحد ألا يحلم بتدمير أية قوة صارت على هذه الدرجة من الهيمنة.)() وهو ما نجد مثاله متجسدا في رواية( ينال) لأمجد توفيق والصادرة مؤخرا عن منشورات اتحاد الأدباء في العراق، وفيها تتجلى المخيلة الإرهابية داخل ذهن السارد الذي انغمس في تقبل فكرة الإرهاب من دون أن يعي ذلك كنوع من الرغبة الغامضة في تضاد الشر بالشر عبر التواطؤ العميق مع (ينال) المجرم الخطير وتاجر الأسلحة المحترف والقاتل المشبوه والبطل الذي أخذت الرواية عنوانها من اسمه. وتترشح وجهة النظر الإيديولوجية من مجموعة الأحداث التي يتم حبكها بمنطقية ما يضمره السارد عبد الله من مشاعر وانفعالات ازاء ينال متعاطفا معه نفسيا ومتواطئا فكريا من خلال استعمال أسلوبين:

الأول/ التضمين بين قصتين إطارية ساردها وبطلها عبد الله أبو فيصل وضمنية ساردها وبطلها ينال.

الثاني/ الميتاسرد بوجود مخطوطة هي عبارة عن مذكرات كتبها ينال بضمير الأنا على أوراق تحمل أرقاما ويخصص لعرضها الفصل الثاني والفصل الرابع والفصل السادس وتكتب سطورها بلون غامق تمييزا لها عن القصة الإطارية التي تشغل الفصول الثلاثة المتبقية.وصحيح ان الأسلوبين( التضمين والميتاسرد) كثر توظيفهما في الروايات الواقعية إلى حد الاعتياد، بيد أن طبيعة الموضوع وحساسية الفكرة هي التي تجعل هذين الأسلوبين مفيدين في التعبير عن تواطؤ السارد عبد الله مع ينال من نواح عدة؛ منها ما عبر عنه من أفكار برر بها أفعال ينال في المتاجرة بالأسلحة وإزهاق أرواح الآلاف من البشر( كنت محض كائن بجناح واحد لم أكن قادرا على الطيران أو الاعتراف ان الجناح المفرد لا يحقق طيرانا)ص26 أو قوله:( لا ازعم إنني متأكد من شيء ما حتى اسمي أجده غريبا مضحكا انه لا يحمل من الاسم سوى صفته فهو فعل مضارع وليس اسما)ص28 وأن الصدفة والقدر هما من جعلاه يخسر عمله مترجما في قناة فضائية ثم مخطوفا تريد الجماعة الإرهابية تصفيته إلى وسيط في تجارة الأسلحة يعمل عند والد فتاة تعرف عليها صدفة هي ليلى التي ستصير زوجته. وبعد وفاة عمه تتحول إليه ادارة المؤسسة التي هي مافيا دولية لإرهاب شعوب بكاملها. وما يجعل التواطؤ هو خلاصة وجهة النظر الأيدلوجية حتمية فكرة أن لا طريقة لتفسير الإرهاب إلا بتغذيتها بالإرهاب وأن التضاد الرمزي مع الإرهاب يكون بالإرهاب نفسه. وبالتواطؤ بين ينال الذي لا يرى نفسه مجرما وبين عبد الله الذي ينظر إلى ينال ضحية، يغدو الإرهاب لا أخلاقيا كما هي العولمة.وصحيح أن التعبير عن وجهة النظر هذه ليس سهلا بيد أن استعمال طريقة المخطوطة سهّل الأمر وجعله يبدو طبيعيا وهنا تكمن خطورة الرواية فكانت المذكرات كشفا واعترافا بما يعتقد انه حقيقي: ( إنني رجل لم يختر زمن وجوده في هذه الحياة وعلي ان أعيشها بالقدر الذي استطيع فيه عصر زمنها لصالح حالة لا تنكر رغبتي في المتعة ولا تفرض على الآخرين نمطا خارج إراداتهم. نعم أنا تاجر سلاح ولا يهمني كثيرا ان يصل السلاح الذي أسهم في تجهيزه للآخرين إلى هذا الطرف أو ذاك وبالقدر الذي لا يعرضني إلى مسؤولية قانونية أو عقوبة من أي نوع كانت..لكنني لم أضع السلاح ولست متفننا بتطوير صناعته ليكون اشد فتكا وأكثر ضراوة تلك مسؤولية دول وأنظمة تدعي ليل نهار أنها نتيجة اختيار الشعوب لها وأنها جاءت على وفق عملية ديمقراطية فلماذا يكون صناع السلاح ومطوروه أبرياء وأكون أنا الذي يتاجر بهذه الصناعة مجرما وقاتلا ومرفوضا منذ بدء الخليقة كان هناك من يصنع السيف والخنجر وهناك من يتاجر بهما كما ان هناك من يصنع الدواء والخمور والمخدرات والسيارات والطعام والملابس وهناك من يتاجر بها لذلك تكون عملية القارئ التهمة على البعض وحماية من هم أكثر مسؤولية عملا بنطوي على قصر نظر في أحسن الأحوال)ص111ـ112

صنع السلاح

. وهذا التساؤل غير مبرر لأن المساءلة لا تكون على صنع السلاح، بل على أهداف استخدامه. ويتجسد( العنف الرمزي) خفياً في رواية( ينال) في صور مختلفة، أولا في صورة لقاء عابر يسفر عن صداقة عميقة وألفة حميمة تجمع ينال المهاجر العراقي الثري الذي يملك مزرعة في اسبانيا ويعمل تاجر أسلحة بعبد الله رب العائلة السائح والروائي القادم من العراق الذي يعتقد ان الرواية( التي تكتب لأول مرة تدور على تجارب شخصية لكتابها مهما برع هؤلاء الكتاب بإخفاء شخصياتهم)ص21 فيقدم له ينال مجموعة أوراق ليقرأها( أوراق مبعثرة لم امتلك القدرة على إتلافها)ص25.وثانيا في المغامرات العاطفية التي يخوضها ينال كاشفا عن مواقف نبيلة يتبناها وتصرفات كريمة واجتماعية مهذبة يبادل بها ما تعرضه عليه الفلندية سانا والرومانية روكسانا

. وما من غاية له سوى إسعاد الآخرين ( ان أردت ان تكون سعيدا فادخل السعادة إلى قلب من تحب وعندها تصاب بالعدوى وتنتقل السعادة إليك)ص114 أو تسويغ عمله الإرهابي في إدارة المؤسسة بمسألة الوفاء لعمه( ان أكون الابن الوفي الذي يعمل من اجل استقرار العائلة ومنع أي تصدع محتمل)ص124

وثالثا في إكثاره من التساؤلات في مونولوجات يعترف أو بالأحرى يبرر أفعاله، مؤكدا نقاء سريرته وأن الذنب ليس ذنبه إنما ذنب الأقدار التي قذفت به في معترك التهريب واحتراف الإرهاب( كيف يفسد الإنسان؟ هل هي غاية؟ ما الحل؟ ان الأقدار تصنع ظروفها فتقودنا إلى اختيارات ما خطر ببالنا يوما؟ ماذا لو كنت ضحية مؤامرة؟ )ص55.ورابعا في الوصية التي فيها يختار ينال مصيره منتحرا ويتعاطف عبد الله مع هذا الاختيار ويضع الزهور على قبر ينال الذي هو في نظره( لم يمارس القتل لكنه مارس الانتقام) و( أن الموقف والسلوك ليس خلقا ثابتا يراهن عليه احتكاما إلى الظرف )ص75 ملقيا باللائمة على المجتمع الدولي( عالم غريب يمثل الوجه المعتم للسياسة الدولية ويمثل الإرادة الحقيقية المختلفة تماما عما يعلن في وسائل الإعلام)ص 19ولنا أن نتساءل عن المضمر في ما عرض من هذه الأحداث الواقعية؟ وهل يفيد التعرف إليها في أن يكون حجم الشجب الأخلاقي للإرهاب مساويا لحجم العنف الرمزي في التعاطف الانفعالي والتهليل لتدمير الذات لذاتها بنفسها؟ إن الذي يتحصل من موقف عبد الله وما يصدر عنه من ردود أفعال يؤكد أن الإرهاب فيروس كما يقول بودريار لذا تصيب السارد عدوى الإرهاب فيكون متواطئا في قبول أفعال ينال المشبوهة مصدقا كل ما يكتبه في مذكراته ولا نكاد نجد في الرواية أي مشهد أو صورة فيها أي خوف أو تأنيب أو شجب، بل بالعكس نجد السارد مندهشا ويكرر اندهاشه قائلا: ( لا استطيع إخفاء رفضي لكثير من ممارساته .. برغم ذلك يدهشني أسلوبه وقدرته على تناول لحظات ومشاعر معقدة بكثير من البساطة والوضوح)ص134 أو يؤكد مباشرة حقيقة ما يقرأه( افترض باني قرأت مذكرات حقيقية)ص136 أو يضع العتب على الزمن الذي لا وقت فيه للنظريات وعلى الهوية الوطنية وكيف سقطت لتصعد هويات فرعية غاب معها الوطن. لتكون المحصلة قبوله طباعة المذكرات وينال عن ذلك مبلغا كبيرا يختمه بقبول دعوة لمناقشة وصية ينال( القلب الشجاع هو القلب الحر الذي لا ينتظر شهودا المخلص لفعله غير الباحث عن تسويغات خارجية مهما بلغ تماسكها)ص150 حتى كأن ينال ليس قاتلا وكأن عمله شرعي لا شر فيه ولا يقوم على السوق السوداء والتهريب والخطف والابتزاز والتهديد هذا فضلا عما يختفي وراء هذا الشر من انكسار وحمق وسخرية وقلة حيلة ونقصان.

والخلاصة التي تنتهي اليها الرواية هي أن السارد عبد الله متعاطف كل التعاطف مع ينال، كأن المدة الوجيزة التي فيها تعرف عبد الله إلى ينال كانت كافية لتجعل الود بينهما عميقا إلى هذه الدرجة تعاطفا ثم تباكيا وتساؤلا استنكاريا ينتهي بصياغات شعرية( أ كان ممكنا ان نفهم الحياة لولا الموت وأن نفهم الجمال لولا القبح .. دمعة من أجل موته المبكر، دمعة من أجل الصداقة)ص163.??عموما تبدو عدوى الإرهاب واضحة وقد أصابت عبد الله، فغدا عنده طبيعيا السعي الى التعاطف والتباكي مثلما هو طبيعي عنده الحصول على المال الوفير من دون أدنى اهتمام بشرعية مصدره.. وهنا تكمن خطورة وجهة النظر الإيديولوجية وشجاعة الكاتب في التعبير عنها روائياً.

المصادر

 – فلسفة الفن، جوردن جراهام، ص78 .

 – الأخلاق في عصر الحداثة السائلة، زيغمونت باومان، ترجمة سعد البازعي وبثينة الابراهيم، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، الامارات، ط1? 2016 ? ص26 . وعنوان الكتاب الأصل هو أ للأخلاق فرصة في عالم المستهلكين Does ethics have a chance in a world of consumers ?

 – المصدر السابق، ص302.

 – روح الإرهاب، بودريار، ترجمة بدر الدين عرودكي، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2010? ص2. قراءة في (لم أزل أعيش جرح الجحيم)

مشاركة