أوراق خليجية (1)

أوراق خليجية (1)
إيران تهدد السلام والأمن الأهلي والإقليمي
في مشهد متخيل لمسعى سلمي متحضر لشعوب ايران ، تعتذر فيه عن سلوك حكامها الدموي تجاه ابنائها وابناء شعوب العراق والبحرين ولبنان وسوريا وفلسطين وغيرها ، يقف جندي ايراني من معاقي الحرب الايرانية على العراق ، عند شاهد قبر الخميني ، يقرأ ورقة ادانة لجرائم الحرب التي ارتكبتها وترتكبها جمهورية ولاية الفقيه التي اسسها ، مستذكرا دورها في نشر الارهاب الدولي والتدخل في الشؤون الداخلية لكثير من الدول تقاطعا ونص المادة 712 من ميثاق الامم المتحدة التي حرمت التدخل حتى على المنظمة الدولية في الشؤون الداخلية للدول، مرددا بالم وكأن الى جانبه الالاف من ضحايا الحروب التي دارت على كوكبنا ، ما ورد في ديباجة ميثاق الامم المتحدة “نحن شعوب الأمم المتحدة قد ألينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي جلبت على الإنسانية في جيل واحد ، مرتين، أحزانا يعجز الوصف عنها “
اتخيل هذا المشهد وانا اقرأ تصريحات سفير أيران السابق بباريس صادق خرازي وقوله “اذا ارادت ايران احتلال البحرين، فان الامر لن يستغرق بضع ساعات للسيطرة عليها باستخدام قوات الرد السريع الإيرانية”.
كذلك ما نقلته عنه وكالة أنباء فارس انه “إذا كانت المملكة العربية السعودية تريد الدخول في لعبة مختلفة، فمن المؤكد أنها ستكون هشة أمام الرد الإيراني”.
واسجل التناقض الفاضح بين الامل الذي نتوخاه جميعا – عربا ومسلمين – نحترم الجيرة والجار ، كما تملي عاداتنا وتقاليدنا واخلاقنا واحكام ديننا ، فضلا عن انسانيتنا ، الامل الذي رسم المدخل التصويري أو المشهد المتخيل ذاك ، وبين الواقع العدواني الذي ترسم صورته الكالحة مثل هذه التصريحات ، ولا اكتمكم اني اشعر ان املنا ليس اكثر من عملية خداع للذات الساذجة يمارسها العاجزون امام حقيقة العدوانية الايرانية المتاصلة .
ايران وخصخصة العدوان : ولرب قائل ، ان هذه التصريحات لا قيمة سياسية أو دبلوماسية او قانونية لها ،بعد ان صاحبها خارج حلقة المسؤولية والحكم ، انما على وفق نظرة قانونية ، تستلهم معطيات فقه القانون الدولي ، وتشريعات الامم المتحدة ، تقرأ هذه التصريحات على وفق انتسابها التاسيسي ، وليس انتساب صاحبها الوظيفي ومركزه وحسب ، اي الرحم الذي انتجها ، وان تبرأ منها على وفق القاعدة الكيسنجرية المعروفة ( خصخصة العدوانية الخارجيه ) ، فهي لم تات من فراغ ، وليست باي حال اجتهادا شخصيا مقطوعا عن معين ثقافة الرجل والبيئة الحاكمة التي شكلت نظرته للعلاقات الايرانية العربية ، وبشكل اكثر تخصيصا للعلاقات الايرانية البحرينية وسماتها . وعلى هذه القاعدة قلنا ان ايران تهدد السلام والامن الاهلي والدولي والسلامة الاقليمية ،وهو عنوان دفاع قانوني مشروع على وفق معطيات قراءة التصريحات وبيان جذورها والغايات التي تقف وراءها بغض النظر عن مصدرها ومركزه الرسمي .
مفهوم تهديد السلم والامن : ويقصد بتهديد السلم والأمن ، تهديد دولة لأخرى بالدخول معها في حرب أو القيام بعمل من أعمال التدخل أو باستخدام إحدى صور العنف أو عن طريق وقوع صدام داخل إحدى الدول ويكون ذلك على قدر كبير من الجسامة والعنف، بحيث يؤدي إلى تعريض مصالح الدول الأخرى للخطر فإذا ما حازت أطراف النزاع على صفة (المتحاربين) فإن الأمر يتعدى حدود تهديد السلم والأمن إلى الإخلال به بصفة فعلية
ويعد أيضا (تهديدا للسلم تكوين جماعات مسلحة في إحدى الدول وتدريبها بقصد غزو إقليم دولة مجاورة مثلا) ويتضح هذا النشاط حينما تتوافر المعلومات الكافية عن هذه الجماعات لدى أجهزة الدولة المهددة .
وفي حالة تصريحات السفير خرازي ، فانها تقرأ في حدود تهديد السلم والامن وتبعاته، ولكن هذه القراءة في ظل البيئة العدوانية الايرانية التي تنشط في خلق مناخاتها ضد البحرين داخليا وخارجيا ، يتوافر ، واقعا وتهديدا ، ما يتجاوزها و يمنح المشروعية للتفكير والفعل الاستباقي القانوني المتحوط من انتقالها الى فعل على الارض ، او ما اسماه التشريع الدولي ، حالة الاخلال بالسلم والامن الفعليه ، ما يستوجب اجراءا قانونيا رادعا لازبا ، في الحالتين ، واحسب ان البحرين اكتفت بالاحتجاج الدبلوماسي ، لانها لا ترغب في تطوير الامور ، مع احتفاظها بحقوقها كاملة في اثارة الامر بدعوى قانونية دولية في اطارمحكمة العدل الدولية او مجلس الامن الدولي حين تشاء أو في المنظمات الاقليمية التي تنتمي لها كالجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي .
الى ذلك واضافة الى ظل التهديد الداكن ، هناك فقرة تكوين الجماعات المسلحة وتدريبها ، وتوجيهها ، وتلقينها ثقافة وايديولوجيا تتقاطع والثقافة العامة القائمة للبلد وايديولوجياته ، ونظامه السياسي والاجتماعي ، ولدى البحرين من الادلة على ضلوع ايران في هذا المسعى ما يكفي لادانة قانونية ، ولتوخي اجراءات يمكن ان تستوحى من الفصلين السادس والسابع على وفق ما تتيحه فضاءات المادة الاولى من ميثاق الامم المتحدة ، التي تبين أن من مقاصد الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين ولتمكينها من ذلك ، يتم قمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم ، وتتدرع بالوسائل السلمية ، على وفق مبادئ العدل والقانون الدولي وحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم ، لتسويتها.
وسائل ردع العدوان الاممية : والوسائل السلمية هي ما جرى تثبيتها في الفصل السادس وتحديدا في المادة 33 منه التي عينت هذه الوسائل بالاطر السياسي أو الدبلوماسية والوسائل القضائية، وكذلك اللجوء إلى طرق حل المنازعات بوساطة المنظمات الاقليمية ،والتحكيم الدولي ، وفي حال فشل الوسائل السلمية ، واستمرار التهديد بالتفجر ووقوع اعمال عنف وعمليات عسكرية حربية ، فانه يمكن ان لم نقل يتوجب ، اللجوء الى الوسائل القسرية ، بحسب المواد التي ثبتها الفصل السابع من الميثاق، او قياسا على وضع أحكام محكمة العدل الدولية التي عهد الميثاق بتنفيذها بالقوة لمجلس الأمن عملا بأحكام المادة 94 من الميثاق .
والوسائل القسرية أو غير السلمية لحفظ السلم والأمن الدوليين تضمنها الفصل السابع من الميثاق ابتداءا بالمادة 39 إلى المادة 51 منه – داخل – وحددها بالحالات التي تعالجها ، وهي أولا حالة الأمن الجماعي المنصوص عليها في المواد 39 و42 و43 من الميثاق، وكذلك حق الدفاع الشرعي المنصوص عليه في المادة 51 ثم حالة استخدام القوة ضد العضو الممتنع عن تطبيق حكم محكمة العدل الدولية عملا بالمادة 94 من الميثاق ، وعلى الرغم من مستوى التهديد الذي طرحته تصريحات كرازي من الناحية القانونية ، لا يرتقي الى اي من هذه الحالات – التصريحات بحد ذاتها – الا ان ما تؤشره ، وهو استشراف واقعي ، على وفق مجريات وقائع عام واحد فقط من تفاصيل العدوان الايراني التامري على البحرين ، وليس قراءة في النوايا ، يضع الكثير من احتمالات تمدد هذا التهديد باتجاهات لا تقرأها عين العقل القانوني الاكاديمي قدر ما تقرأها عين العقل القانوني الواقعي ،وهو ما يمكن تلمسه في واقع أن ميثاق الأمم المتحدة لم يضع تعريفا محددا وواضحا للأعمال التي من شأنها تهديد السلم والأمن الدولي ، وعليه فثمة هامش واسع للاجتهادات الفقهية بهذا الخصوص لتحديد مفهوم تهديد السلم وفقا لأحكام المادة 39 من الميثاق ، مع انه استقر الرأي على ((أن كل عمل صادر عن دولة ينطوي على التهديد بالحرب أو التدخل أو استخدام إحدى صور العنف ضد دولة أخرى، ففي هذه الحالة يقوم تهديد السلم حتى لو لم يتبع ذلك الاستخدام الفعلي للعنف المسلح ( وهذا ما يتعلق بامر تصريحات خرازي ) ومرجع ذلك إلى ان وجود تلك الحالات قد يؤدي إلى قيام التهديد بخطر من شأن وقوعه الإخلال بالسلم ، وهي قراءة العقل القانوني الواقعي كما اسميتها .
صافي الياسري – باريس
AZPPPL

مشاركة