أوجاع الديمقراطية وبوادر الإستبداد – مزهر الخفاجي

أوجاع الديمقراطية وبوادر الإستبداد – مزهر الخفاجي

مزهر الخفاجي

الديمقراطية كمفهوم وواحدة من اساليب الوصول للحكم لم يعد ينظر إليه ببراءة .. بعد تعدد تطبيقاته كونه أصبح خياراً مطلقاً تتسابق إليه الشعوب والدول والشخصيات وترفع شعاراته ..

كونه إنعكاساً للمفهوم  التاريخي القائم على قاعدة (حكم  الشعب لنفسه ) رغم إختلاف المعنيين بالقضية السياسية فالمقصود بالشعب هل يتمثل في تمثيل الراشدين من ذوي العقل السليم وغير المجرمين ؛وإذا كان لهم أن يتولوا الحكم فأنهم لن يتمكنوا من إتخاذ القرارات بإجماع الاصوات لأنه تم الاتفاق على انه يتعين البت في المسائل بالأكثرية.

وقد إتفق مؤرخوا التاريخ السياسي من ان الديمقراطية بدائية كانت او ديمقراطية حديثة ( دستورية ، شعبية ، ليبرالية ) …قد ارتبطت هذه مفهوم الديمقراطية بمجموعة من القيم منها…

_ترسيخ مفهوم العدل الإجتماعي والمساواة

_الدفاع عن توافر الحرية في مجتمعاتها .

– التداول السلمي للسلطة.

-التمثيل الحقيقي للنخبة لإستلام مقادير الدولة .

وان الديمقراطية وفق ذلك ووفق ماجاء به (جان جاك روسو) ان الديمقراطية تخاطب الشعب ، طلباً لحاجة الناس وتوجيه  المتصدين لها لمساعدتهم فيما يجب عمله ..إن الديمقراطية المقصودة هنا …هي حاجة المجتمع للتمثيل الحقيقي لشرائحه والذي يكفل بالتالي لهذه النخب من أن تحقق مصالحهُ ومحاولة أقامة أو ترسيخ مفهوم العدل النسبي في مجتمعاته وتجتهد للتخطيط لبناء مستقبله عبر (مبدأ التداول السلمي للسلطة ).

وقد ميز فقهاء السياسة بين عملية الانتقال الديمقراطية والتي دائماً ما تكون بدافع ذاتي ، وبين الديمقراطية التي تفرض عليه من الخارج ..كما الحال في اليابان ، بعد الحرب العالمية الثانية وكذلك عند (البانيا، تايلند ، البوسنة ، الهرسنك، وحتى العراق…) والذي يعتبره البعض إستناداً الى مبدأ الرئيس )ويلسن ( 1921الداعي الى حق تقرير المصير، والذي كان يعد إيذاناً بالدساتير المعروفة بالدساتير الديمقراطية والذي عدوها بعض المؤرخين بعهد الحرية …ثم جاء بعده عهد فترة الخلاص من الإستعمار الذي جاء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وإبتدأ بإستقلال الهند (1947) من الإستعمار . ومروراً بالإستقلال في أسيا وأفريقيا في سبعينات القرن العشرين .

وأخيراً ومنذ إنهيار جمهورية الاتحاد السوفييتي وتأسيس دول جديدة وعديدة بين (1995-1989) تجددت الأمال بالإنتقال الى الديمقراطية او ان تتوارث القوى السياسية او الاحزاب بعد انهيار نظام ثنائية القطبية السياسية  …ولم تقف محاولات الدول الكبرى عند حدود تفريق الاتحاد السوفييتي ..

إذ اتجه نظام أحادي القطبية وتحديداً الولايات المتحدة الى التمدد في منطقة الشرق الأوسط رغبة منها في:

– حماية مصالحها النفطية والغاز .

-حماية الكيان الإسرائيلي .

-حماية مصالح حلفائها في المنطقة .

هذا الثالوث في الإستراتيجية الامريكية كان هو الحاضر في التعامل مع الأنظمة الراديكالية في المنطقة خاصة في نظام الحكم في العراق وإيران وكوريا الشمالية . والتي عدتها القيادة الامريكية بالدول المارقة وسعت الى تطبيق ستراتيجية “الإحتواء المزدوج” إذ كانت قد نجحت في العراق وإستطاعت أن تغير نظام الحكم وتأخرت خطتها في إيران وتأخرت كثيراً في كوريا الشمالية .

فإن كشفاً بسيطاً في حساب نتائج الربح والخسارة في تغيير نظام الحكم …وسنقف هنا عند تجربة النظام الديمقراطي او النظام الديمقراطي في العراق في هذه المقالة …إن كشف الحساب يؤكد لنا المألات التالية :

_الديمقراطية كحق مكتسب لجماهير الشعب وكنظام يستجيب للتطور الحاصل في الدول المدنية المعاصرة مرحلة مهمة لكنها في العراق صُدمت :

1_مفهوم الحق المفروض وليس المكتسب .

2_ إن هذا الحق إصطدم بغياب جاهزية الذهنية للمجتمع والقوى السياسية في استيعاب هذا الحق وغياب مفهوم التنشئة القائم على العدل والوعي في ممارسة هذا الحق .

3_ عجز القوى السياسية والحزبية من إغتنام فرصة الديمقراطية ومعطيات الحرية في تطوير قاعدتها الشعبية والحزبية والجماهيرية على أساس البرنامج والمبادئ والأهداف الوطنية فكرست القوى السياسية تشضية المجتمع وتقسيمه على أساس غير ديمقراطي فدفعت بمفهوم المواطن السياسي بدلاً من المواطن الوطني الذي يستثمر حقهُ الديمقراطي في التغيير فكرست مفهوم دولة المكون بدل دولة المواطن والتي اثبتت فشلها في إستيعاب جمهورها الوطني والديمقراطي وخير دليل حجم المشاركة المتدنية في الانتخابات في 2021/10/10.

4_ والأمر الخاطئ الأخر الذي وقعت فيه التجربة الديمقراطية أنها (كرست عقداً اجتماعياً – دستوراً ونظاماً انتخابياً وقانون الأحزاب )  بما يحقق مصالح قواها السياسية ، وبدلاً من ان يعزز نضوج التجربة الديمقراطية ساهم في تكريس المواطن الحزبي (الشيعي، السني، الكوردي ، التركماني ، الأيزيدي ، الشبكي ، الصابئي) وليس مفهوم المواطن الوطني … وخسر الإثنين الوطن والمواطن الحرية المتمناه.

5_ وقد كان من نتائج هذه الديمقراطية (العرجاء) ان شاع الفساد وقسم نسيج المجتمع المتصالح منذ مئات السنين ، وهدد السلم والأمن الأهلي وعجلت هذه الممارسات من إمكانية إستعادة الدولة بعد ان فشلت مؤسساتها وتحديداً (مجلس النواب) من ممارسة دوره في الرقابة والتشريع   وتحولت المؤسسة التشريعية المعنية بتحصين والدفاع عن مصالح الشعب الى معوق ومهدد لرغيف عيشه ومستقبل شعبها الواعد ..واصبحت الديمقراطية بدون حساب، وانكفاء الاخبار واستبداد الأشرار ..أياً من كانوا

فتحولت الديمقراطية عند بعض القوى السياسية مغنم يفتقد في روحهِ على جوهر المواطنة القائمة على المواطنة كقياس وعلى الكفاءة في الاداء .. هذا الامر قد يقرب زمن كراهية الناس للديمقراطية المفروضة ويعجل في موتها السريري اذا ما بقيت على هذه الشاكلة.

نحن كعراقيين نؤمن من أن الحرية حق لوجود مكتسب والديمقراطية مظهر من مظاهرها التي ساهمت في بناء مجتمعات عتيده لكننا نكره ان تتحول الديمقراطية الى نوع من انواع الاستبداد الجهوي والطائفي والعوائلي .

مشاركة