أهو نزاع تركي ــ سوري؟

أهو نزاع تركي ــ سوري؟
سيركان ديمرتاس ويوسف كينالي
ترجمة سناء عبد الله
أعتقد أنه من المناسب جدا أن نستذكر اليوم واحدة من حِكم اتاتورك بشأن السلام والحرب حين يقول أنا لا أعارض الحرب لهذا السبب أو ذاك. يتعين على الحرب أن تكون اجبارية وألاّ يكون هناك أي سبيل لتجنبها. وها هي وجهة نظري الحقيقية بهذا الخصوص يجب ألا أشعر بأي تأنيب للضمير عندما أقود بلادي الى الحرب. بوسعنا أن نمضي الى الحرب فقط كي لا نتعرض الى القتل من أولئك الذين يريدون قتلنا. ولكن، اذا كانت حياة الأمة غير معرضة للخطر، عندها تكون الحرب بمثابة جريمة قتل .
من الضروري التأكيد هنا بأن هذه الأسطر ترجع الى واحد من أعظم الزعماء في العالم والذي أمضى نحو نصف عمره في ساحات الوغى. وعقب تأسيس الجمهورية التركية سنة 1923، وضع أتاتورك الركيزة الأساسية للسياسة الخارجية التركية بقوله الشهير السلام في البلاد يعني السلام في العالم .
ومن الواضح أن سبب استحضار هذه المبادئ الاساسية للسياسة الخارجية التركية يرجع الى موقف الحكومة التركية ازاء الأزمة السورية. ان تصريح رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي جاء فيه أن البلاد قد تنحى منحا مختلفا بشأن سوريا اذا ما استمرت الانتهاكات الحدودية يثير ما يكفي من علامات الاستفهام في الأذهان بشأن الخطوات التركية اللاحقة.
كما أن حقيقة كون اردوغان يخطط للسفر الى المملكة العربية السعودية خلال الايام المقبلة لغرض التحضير لترتيبات اضافية لاتخاذها ضد دمشق في حال عدم اذعان بشار الأسد لما نصت عليه خطة كوفي عنان، تعكس بوضوح بأن رئيس الوزراء يشمر عن ساعديه بوجه سوريا. من جانبه، اتصل وزير الخارجية احمد داود أوغلو بجميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمطالبتهم بادانة الانتهاكات السورية للحدود. ومن المتوقع أيضاً، اذ ما تيسر ذلك، أن يشارك الوزير أوغلو في قمة مجموعة الدول الثمان في واشنطن حيث ستكون سوريا وجبة الغداء الرئيسية على الطاولة.
ومن المتوقع أن تعقد مجموعة العمل المعنية بالجزاءات التابعة لأصدقاء سوريا اجتماعا في باريس في غضون الأيام المقبلة والذي ستعقبه قمة ثالثة للمجموعة في أواخر شهر نيسان الجاري، في فرنسا أيضا. وفي غضون ذلك، من المتوقع توجيه مزيد من الضغوط على روسيا والصين لكي يفسحوا المجال أمام الآخرين للتصرف.
ان ما تقدم يمثل الجزء الخاص بالعمل السياسي المتعدد الأطراف بشأن المسألة السورية. ويذكر أيضا، أن التوتر المتصاعد على الحدود التركية ــ السورية، الذي تسبب بمقتل مهاجرين سوريين اثنين كانا يجتازان الحدود التركية يزيد من حدة القلق.
وتحاول سوريا أن تظهر أنه في حال قيام تركيا انشاء منطقة عازلة في الأراضي السورية فأن أول ما ستواجهه تركيا هو القوات السورية. وفي ضوء ما تتطلبه خطط انشاء المنطقة العازلة من وجود عسكري، لن يكون مستبعدا أن نتوقع صداما عسكريا بين القوات التركية والسورية.
لهذه الاسباب، تحث واشنطن الحكومة التركية على عدم التصرف من جانب واحد وأن تدرك الحكومة التركية أيضا أن مثل هذه الخطط قد تدفع بالوضع الى مزيد من التعقيد. على تركيا أن تكون حذرة وألا تحوّل الاضطرابات الحاصلة في سوريا الى نزاع ثنائي تركي سوري. ان سوريا هي مشكلة دولية وعليه يتعين في ضوء ذلك أن تستند طرق التعامل مع هذه المشكلة الى الشرعية والوسائل متعددة الأطراف.
اللاجئون السوريون
لا يوجد أي اختلاف بين قتل شخص واحد وقتل آلاف الأشخاص، فكلاهما جريمتان، الا ما يتعلق بحجم الجريمة.
ان أعداد اللاجئين السوريين التي تتدفق بالمئات يوميا عبر الحدود السورية تتحدث عن قصص مروعة. كما أن الصحافة الاجتماعية تمطر المجتمع الدولي بمزاعم لا تصدق عن الوحشية. وليس بالامكان التأكد على نحو مستقل من هذه القصص، وحتى وان كان هناك حدا معينا من المبالغة، فمن الواضح بأن هناك مشكلة يصعب ايجاد حل لها.
وعندما يطالب رئيس البلاد الأتراك بأن يستعدوا لجميع الاحتمالات، بما في ذلك الحرب، فأن الحكومة تدق الطبول يوميا لامكانية انشاء منطقة عازلة، وكأن ذلك لا يعني اعلان الحرب. ان اطلاق بعض العيارات النارية عبر الحدود داخل تركيا، وجرح بضعة أشخاص ووفاة بعض السوريين في المستشفيات التركية، تكفي لأن تقنع البعض بأن الوقت المخصص للدبلوماسية يجب أن ينتهي. وبوسع مسوؤل كبير أن يخرج على الصحافة ليعلن بأن خطة عنان أصبحت ميتة وأن المرحلة الثانية قد بدأت في المستنقع السوري.
ووفقا لحكاية شعبية مشهورة، سئل نصر الدين حجة في أحد الأيام من جانب أهالي قريته متى ستحل القيامة. سأل حجة أهل القرية أية قيامة؟ . أجاب أهالي القرية مع احترامنا الشديد لك يا عزيزنا حجة، كم قيامة يمكن أن تكون هناك ؟. أجاب حجة قائلا الحقيقة، هناك قيامتان. اذا ما ماتت زوجتي فهذه القيامة الصغرى، واذا ما مت أنا فهذه القيامة الكبرى .
ألا يعد موت شخص واحد بمثابة نهاية للعالم؟ لا يمكن أن يكون هناك عذرا لأعمال القتل الشنيعة من قبل نظام بشار الأسد في سوريا أو أي حكومة أخرى في العالم. ولكن قبل ارتداء ملابس القتال والتوجه الى الحدود السورية لشن الحرب وانقاذ الأبرياء الذين يتعرضون الى الذبح من جانب النظام الشيطاني في دمشق، قد يكون من الحكمة بمكان النظر الى المسألة بمنظور عالمي ومحاولة القاء نظرة على الصورة برمتها.
لا بد للمراقبين الذين يتمتعون بقدر كاف من الحكمة أن يكونوا قد أدركوا الآن بأن الربيع العربي لم يغير الشرق الأوسط فحسب، لكن المنظور التركي نفسه يمر في عملية تغيير. فقد كان حسني مبارك يوم أمس وسيطنا المبجل في محاولة تجنب الحرب مع سوريا. ولكنه لم يعد اليوم موجودا، وحل محله عدد من الجنرالات الذين كانوا يحركونه. أما العقيد معمر القذافي، الرجل الذي ساعد تركيا أبان اجتياح قبرص سنة 1974، قد أطيح به وقتل بشكل وحشي من جانب الديمقراطيين الجدد في ليبيا. وحتى الآن فان سيد تركيا الكبير، رئيس وزراء تركيا، كان يدافع بكل شجاعة عن مصالح ايران ضد الغرب الجشع .
وخلال الفترة ذاتها، كان رئيس الوزراء التركي يحمل معه، على متن طائرته، دعوة لحضور حفل عقد قران أبنته موجهة الى الرئيس المبجل للدولة الجارة أخيه بشار الأسد .
واليوم، فقد تحول الاسد من الأخ الى القاتل البشع ، ولكنه لم يتحول الى عدو حتى الآن. من جانب آخر، فان قادة ايران الذين طالما دافع عنهم رئيس الوزراء التركي وزينهم للغرب، اصبحوا اليوم غير صادقين ولا يعرفون ما الذي يقولونه دبلوماسيا وعليه فهم يفقدون مصداقيتهم في نظر تركيا.
قد يصعب على المرء في بعض الأحيان أن يتنبأ بما سيحدث في ضوء هذه الألغاز السياسية التي نشهدها يوميا. فهل لنا أن نتوقع ما الذي سيحدث عندما يتم التوصل الى حل للقضية السورية، بعضلات تركية.. وأين ستقع الأزمة المقبلة؟ هل ستقع الأزمة المقبلة في ايران أم في منطقة أخرى. ان المرء ليصاب في بعض الأحيان بالاعياء جراء التفكير بمثل هكذا احتمالات.
صحيفة حريت التركية
/4/2012 Issue 4173 – Date 14 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4173 التاريخ 14»4»2012
AZP07