أنين البرتقال – جليل وادي

كلام أبيض

أنين البرتقال – جليل وادي

ما مررت يوما بالطريق الرابط بين قرية ( الهويدر ) الغافية في حضن مدينة بعقوبة ، وقرية ( المخيسة ) التي يُقال ان تسميتها جاءت من كثرة انتاجها للرمان الذي يفوق حاجة السوق ، ( فيخيس )  بعضه جراء  الخزن والأمطار بحسب لهجتنا الدارجة . مجموعة قرى مستلقية بدلال على نهر ديالى المتعرج في أكثر من موضع بالتوازي مع  بستان طويل يستغرق قطعه أكثر من نصف ساعة بالسيارة  ، ينعشك أريج قداحه وخضرة أشجاره وزقزقة عصافيره ، ما مررت بهذا الطريق الا وتكسرت الحسرات في صدري ، ولعنت الحكومات التي تعاقبت على حكم بلادنا من الملكية الباردة وحتى الجمهوريات الدموية ، لفشلها في استثمار هذا المكان الخلاب سياحيا ، اذ كان بمقدورها أن تشيّد على ضفاف نهرها قرى للعرسان ومدنا للألعاب وكازينوهات للاسترخاء ، لكن ذلك لم يحصل ، بل حتى لم يرد على بال مسؤوليها ، مع انه مشروع رابح يدر أموالا طائلة ، تعّظم من مدخولات المحافظة والدولة ، وتوفر فرص عمل لشبابها ، وترتقي بالمستوى الاقتصادي لسكانها .

قبل أشهر وبدعوة كريمة من صديقي الاستاذ حسين شحاذة الذي يسكن المنطقة  تجولت بالسيارة في هذا الطريق ، فلم أسمع سوى أنين بساتين البرتقال والرمان تشكو من العطش ، وعبث الحشرات بأغصانها وجذوعها ، بينما بُحت أصوات أصحابها من مناشدات المعنيين لإيجاد حل لهذا الدمار .

ازاء هذه الكوارث وغياب التخطيط الاستراتيجي المتناغم مع حاجاتنا ، ما عادت الزراعة بضمنها البستنة مجدية اقتصاديا ، وأصبحت البساتين عبئا على أصحابها ، فمردودات انتاجها لا تسد كلفها ، فالسوق مكتظة بالفواكه المستوردة من دول الجوار وغيرها ، وبأسعار يتعذر على المنتوج المحلي منافستها ، والسبب يعرفه الجميع بأن أساليب الزراعة لدينا مازالت بدائية وكلفها باهظة على عكس ما يجري في البلدان الاخرى ، هذا وغيره أدى الى اهمال الفلاحين لبساتينهم ، والعمل بمهن مختلفة ، ومنهم من جرفّوها وعرضوها للبيع كقطع سكنية ، او اقامة مشاريع تجارية مكانها ، لا سيما تلك الواقعة في مراكز المدن او على أطرافها ، وهو ما رأيته في العاصمة ومحافظتي ديالى وكربلاء .

ليس بالجديد القول : ان لذلك تداعيات خطيرة ، منها ما يتعلق بتلطيف أجواء المدن وتحسين مناخها بزيادة نسبة الأوكسجين ، فضلا عن كونها متنفسات للخلاص من ضوضاء المدن ، وقضاء أوقات للاسترخاء ، وما تضفيه هذه البساتين من جوانب جمالية في أماكن وجودها .

ان تعاملا عبثيا يجري مع هذه البساتين من أناس تحركهم الدوافع المالية بصرف النظر عما يترتب عليها من أضرار ، انظروا الى القتل الجائر لبساتين النخيل الواقعة الى جانب الطريق الرئيس المؤدي الى منطقة الدورة في بغداد  ، مع ما تشكله من مصدات لما يبعثه مصفى النفط من مخلفات دخانية مضرة بسكان المناطق القريبة ، او ما فعله العابثون في محافظة النجف بتجريف أشجار معمرة لها تاريخ في المنطقة الواقعة بين مدينتي النجف والكوفة بحسب ما نشرته بعض مواقع التواصل الاجتماعي .

لا يقيم بعضنا اعتبارا للأشجار ، وكأن وجودها لم يأت لتحقيق توازن في البيئة ، على عكس ما يحدث في بعض الدول التي تنظر لأشجارها باحترام كبير ، وتعاقب من يقطعها ، ووصلت العناية بها الى درجة التدوين على جذوعها بحلقات معدنية عمر بعضها الذي بلغ مئات السنين ، ويُقال ولست متأكدا : ان الأشجار في المساكن تعد من بين مكوناتها عند البيع والشراء .

من غير المنطقي أن تترك الحكومة الحبل على الغارب ، او تمنع أصحاب البساتين من التصرف بها عندما تفقد جدواها الاقتصادية ، وبضمن ذلك تجريفها لأي غرض كان ، ولكن للحفاظ عليها من التجريف أدعو الحكومة الى شرائها من أصحابها وتوظيفها بحسب المصلحة العامة ، وقبل هذا وذاك لابد من اعادة النظر بسياستنا الزراعية ، ولا سيما المتعلق منها باستيراد الفواكه والخضر ، واذكّر المعنيين : لولا الزراعة ما كان بمستطاعنا الصمود بوجه الحصار الأمريكي الظالم ابان تسعينيات القرن الماضي ، وأخجل من القول لهم : الزراعة نفط دائم .

jwhj1963@yahoo.com

مشاركة