أنا موجود

قصة قصيرة

أنا موجود

هادي عباس حسين

انتهى المطاف ان يبقيني ربي موجودا للقرن الحادي والعشرين بعدما عشت القرن الذي سبقه في الم وحسرة وعذاب، لعل الحرمان الذي ذقته اجبرني على الكلام لكني في اوج تفكيري وتسائلي بان نعم الله ان اردنا احصائها لن قدر نحن البشر وسكان الكرة الارضية،عاش معي من كنت اكرهه ومات مفارقا اياي من احبه،رحل عني اعزائي ومنهم امي وابي واجدادي الذين سبقوهم في بدايات القرن المنصرم، نعم بقيت وحيدا اتحسر على فراقي لمن غادر ان يكونا معي في لحظات احتضاري وسكرات الموت التي اعانيها، بالحقيقة كرهت بقائي الى يوم كهذا ان لا استطيع تحركة اي عضو من جسدي النحيل المتعب، كنت فيما مضى وزني تعدى المئة كليو عكس اليوم لا اتعدى نصف ما كنت عليه في السابق، كلما انظر الى يوم ياتي في المراة اتذوق المرارة والعذاب واسال نفسي

–  اين اختفت ملامح جسدي الثقيل…

تذكرتك الان يا حاج صالح من كان قد عاش معي سنوات شبابي ومشيبي كنت اتامل كلامه الذي يسمعني اياه طوال تواجده معي عندما يقول

–  خفف من وزنك فانك تشبه كونية تمن تتحرك..

اما الان انظر الى حولي لا اجد انسانا يؤنسني وحشتي ويقتل وحدتي فالكل غارقون في تفاصيل حياتهم ومتطلباتها، وانا ابدو كمن يمسك بقشاية في اعماق البحر متصورا ان تنجيه، اريد من يخلصني من وحدتي ويقتل همومي التي تتكاثر بين اجوائها المريرة، حتى حبيبتي التي اصبحت زوجتي سبقتني وكانها لا تود ان تراني بحالة الياس التي تتخللني اللحظة، ذرفت الدموع وكادت ان تجف لولا توجيهات الحاج صالح الذي ادعوا من الله ان يرحمه لانه استطاع ان ينقذني مما كنت فيه حتى وجدته يقول لي مهددا اياي –  انت رجل مؤمن وهذه سنة الحياة هم السابقون ونحن اللاحقون تصبر بالله الحي القيوم الدائم وكل شيء فاني..

بالفعل كانت كلماته لها تاثير قويا في نفسي وايقنت انني لو بقيت سنوات عمري الباقية لم اجد ما يتغير بي،عدت امارس حياتي الاعتيادية واستسلمت للراي الانصح ان نعمة النسيان هي نعمة لا يمكن ان نتجاهلها لذلك عدت كالسابق لكن ليس كما كنت فعلا بالحياة التي كانت تزهو لي،انها رحلة طويلة لايمكنني ان اعيد تفاصيلها الشائكة لان في قرارة نفسي ان الحق قائم ومن الحقوق التي على البشر الرضاء بها ساعة الموت لانه حق علينا،رغم الهدوء الذي اغرق فيه لكنني اجد ان هناك فوضى من الاشياء تحيطني، وجدت امي وابي ومن اعزهما لدرجة كبيرة يدخلان علي من الباب وبابتسامة امي التي احفظ كل تفاصيلها سمعتها تقول لي

–  هيا.. جئنا لناخذك..؟

لاول مرة اشعر بانني ارتجف من الخوف وبالرغم من انني احبهما حبا لا يوصف وجدت نفسي مذعورا لدعوة مثل هذه الدعوة، وتوالت الوجوه اعيد اشكالها في ذهني، كلها حاضرة معي هذه اللحظة لذا لم اشعر باية غربة بعد كل من اريد رؤيتهم وكنت متحمسا ومتلهفا للنظر اليها حظرت الان معي في مكاني وغرفتي الضيقة اجد انها فتحت على مصراعيها وانها تحولت الى واسعة، انتهت الروح من اقدامي وبدات تصعد الى اعلى جسدي حتى وصلت الى انفي، اني اتساءل من امي وابي

–  الى اين المسير معكم..؟

كانت غرغرة الموت تحصرني لاطلق الانفاس الاخيرة، وسرت وكانني مشدود لنداء والداي عندما خرجت روحي تركت امي وابي كلماتهما اغلق الباب ورائنا فقد نعود ثانية لنصطحب الاخرمن هنا، حقا ارى جميع افراد عائلتي يبكون ويلطمون وصغير احفادي يمرغ وجهه في التراب، اريد ان امنعه لا استطيع ليست لي القدرة على الكلام  واشعر نفسي انني لم اكن موجودا معهم بعد ذلك….

مشاركة