أمي وأزقة المدينة
في تلك الازقة وذاك المنديل الخشبي المقطوع من غصن شجرة الغار القديمة الملفوف طويلا في نهايته أطار من بقايا دراجتي الهوائية القديمة المتكئة على احدى الجدران المتهرئة ، كنت أسرح مع امنياتي الراكضة قبلي وابتسامة صاخبة كانت تنطوي وتصهب في جدران تلك المدينة الغارقة بأحلامي البائسة ، وفي اثناء مسيرتي وانا امتطي غصن الغار أنفلت الاطار وتدحرج بعيدا حتى أصبح عند طرف باب ، باب منزلٍ كبير لم اعتد الوقوف على شرفته من قبل باب منعني أحدهم من الوقوف عند عتبته ، الباب والبيت يعود الى أبي !! نعم باب بيته الكبير ، لم استطع التقدم اكثر كانت كلمات أمي تقف عائقاً في وجه الغصن الصغير والممتد على طول ازقة المدينة على طول الحسرة التي كانت تملأ ثنايا قلب أمي . بعد ما هجرها صاحب البيت الكبير من كانت تقف عنده عجله الغصن الصغير ، نعم ها هيا دار أبي دار من سمعت له آخر كلمة حينما كان يقف عند عتبة باب امي كلمة لم تعد تعنيني بشيء واخرى سمعتها في احدى المسلسلات القديمة لم اذكرها جيدا ولكن كانت تشبه كلمة أطلق أو ربما انتي طالق !! بعدها تاهت حياتي ووجدتها على غصن شجرة الغار !! وانا ابحث عن دار ، دار تأويني وتأوي امي التي هجرت دارها بعد ما سقط السقف والتصق ببقايا الحجر الذي كان يغطي أرضيه الرصيف حيث كنا نسكن ؟ .. حينها رجعت الى أمي وبقيت الدار والباب وابي والاطار !! وانا اتكئ على الغصن واجوب المدينة كأني عجوز بلغ من العمر سبعين عاما ولكن بهيئة طفل لم يبلغ السابعة ، تطوف الملائكة حولي وأسمع حديثهم وهمساتهم حتى اوصلوني الى رصيف أمي حيث كانت الجنة جالسة وعلى جنبها ملكان يغطيانها بأجنحتهم الكبيرة كبيرة جدا بقدر دار أبي !! وكان الله ينظر … جئت جالسا في خدرها ونسيت ان الرصيف ملك الشارع والشارع ملك الله !!! وبقينا أنا والغصن وأمي والملائكة جالسين حتى نزلت السماء وخلد الناس الى بيوتهم واظلمت الشوارع وجاء الليل مزدحما يبحث عن مأوى يأويني انا وامي ، بحثنا حينها جميعا حتى الملائكة كانت تنير الطريق ونحن نبحث الى ان تذكرت أن لنا مكان !! لنا قطعة ورقية وبقايا من ثوب أبي تحت ذاك الجسر البعيد ، وصلنا حينها وتمددت الجنة وباتت الملائكة تحرس وعين الله التي لم تنم ابدا حتى نامت عين امي ونمت انا ونام أبي في بيته الكبير !!!
مصطفى محمد الاسدي – البصرة