أمريكا أتعس المقامرين بالعراق والمنطقة – لويس إقليمس

أمريكا أتعس المقامرين بالعراق والمنطقة – لويس إقليمس

يبدو أن الرؤية الضبابية التي تكتنف إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” منذ توليه الرئاسة الأمريكية في ظروف جدلية مربكة ولغاية الساعة، لن تتمكن من تحديد أهدافها في عموم منطقة الشرق الأوسط على وجه الدقة وترميم ما أفسدته إدارتا سلفيه الجمهوري المتهوّر “دونالد ترامب” أو سابقه الديمقراطي، الثعلب المهادن “باراك حسين أوباما”، والذي عملَ تحت إدارته نائبًا له لمدة ثمان سنوات للفترة من 2009-2017. فواقع الحال يشيرُ لانتهاج “بايدن”، أو بالأحرى يُحكم عليه بانقياده وتماهيه ظلاًّ ضبابيًا لرئيسه الأسبق “أوباما” وبما يشبه الحنين الوضعيّ لحقبة توليه ذلك المنصب. فهو كما يبدو في سلوكه المتذبذب بانتهاج سياسة دبلوماسية المطبخ الهادئ التي اتبعها في سيره على خطى سياسة “التقية والمهادنة والتحصّن” في عهد سلفه “أوباما” في مواجهة دول متمرّدة بعينها من تلك التي صارت تشكل مثار قلق وعدم استقرار لدول العالم ومنطقة الشرق الأوسط بالذات، يكون قد فتح الأبواب على مصاريعها لاحتمالية نسج اتفاقات استراتيجية دولية جانبية خارج الخيمة الأمريكية، من شأنها أن تسعى لخلق واقع آخر جديد ومختلف خارجًا عن هيمنة هذه الأخيرة في بقعة غنية وساخنة من العالم.

من هذه الاتفاقات التي لاحت بواكيرُها في الأفق مؤخرًا، الاتفاقية الاستراتيجية للتعاون التي تم الإعلان عنها بين إيران والصين لمدة خمسة وعشرين عامًا بالرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين البلدين. فقد وجدت فيها الجارة الشرقية فرصةً للتملّص من العقوبات القاسية التي فرضتها أمريكا عليها وبدايةً لخروجها عن عزلتها الدولية. وهذا مّما سيفتح أبوابًا لاحقة لغير الصين مثل روسيا وأوروبا لعقد اتفاقات مماثلة قد تكون بداية النهاية للخروج كلّيًا من أغلال الحظر الأمريكي والأممي المفروض عليها بسبب تحوّلها لبعبعٍ صعب المراس والتهجين والمهادنة تحكمه الأدلجة المتعصبة في التشيّع الولائي، بل وعنصرًا غير مريح لعدم استقرار المنطقة والعالم. وهناك مَن يرى أن مثل هذه التطورات الخطيرة في حالة تحقّقها وتوصّل إيران لاتفاقات متلاحقة خارج الهيمنة الأمريكية، مردُّه سياسة التساهل وأسلوب المناورة السياسية المجامِلة والمداهِنة للزعامة الديمقراطية التي أسَّسَ لانتهاجها “أوباما” وتبعها خلفاؤُه من بعده، سواءً الجمهوري “ترامب” الذي كان يعربد من دون أفعالٍ صادمة حقيقية على الأرض أو خلفه الديمقراطي “بايدن” الذي حدّد سياسته في أولى خطواته الرئاسية بسلوك ذات النهج الّلامبالي بدول المنطقة ومحاولة كسب الودّ بأي ثمن بسبب ضعف شخصيته الواضحة. ومن الواضح، أنّ الإدارات الأمريكية المتلاحقة منذ رئاسة بوش الأب ولغاية الساعة، كانت حددت أهدافها في إحداث تغيير في خارطة الشرق الأوسط. كما كان من ضمن تلك الأهداف الرئيسية كسرَ شوكة العراق العروبي وعدم السماح له برفع رأسه من جديد كي لا تقوم له قائمة بعد الذي شهدوا منه من سياسة الخروج عن الطاعة والمواجهة القاسية بكلمة “لا” للغطرسة والعنجهية الأمريكية.

لكن من المؤسف، ألّا تأخذ الإدارات الأمريكية المتعاقبة في حسبانها عند غزوها للعراق مصلحة شعب هذه البلاد وحقه بالعيش بسلام والتمتع بثرواته مثل سائر دول المنطقة التي تنعم بحياة مستقرّة ومحترمة وتعيش اليوم بكرامة ورفعة وانفتاح للعالم، إلاّ في العراق. فقد اقتصر تركيز الغزاة على كيفية استغلال ثروات العراق بطرقٍ تسهّلُ لهم تدمير قدرات هذه البلاد البشرية بأدوات داخلية وخارجية، إلى جانب فقدان سمة السعي الجادّ لإعادة بنيته التحتية التي دمّرتها دباباتُ جيوشهم الغازية وأسلحة حلفائهم الجرّارة التي استحلّت أرضه وأهانت شعبَه عندما جرى تسليمُه ظلمًا على طبقٍ ماسيّ جاهزٍ للجارة الشرقية، العدوّ التاريخي اللدود لإكمال الخطة الاستراتيجية بإنهاء وجود  ومحو حضارة العراق والحدّ من تأثير ثقافته وعروبته على دول الجوار تحديدًا. وفي ضوء هذه السياسة الظالمة وغير المنصفة، تكون أمريكا ومَن يقف بجانبها، مشيرًا وداعمًا ومنفّذًا، قد أوقعت العراق في مأزق يصعبُ الخروج منه سليمًا معافىً على المدى القريب والمتوسط، إلاّ في حالة خلط الأوراق من جديد واتخاذ خطوات الصدمة الدولية الجريئة التي من شأنها وحدها إخراج البلاد من الهوّة السحيقة التي وقعت فيها والنجاة بشعبها من كوارث هذه الهيمنة، ايديولوجيًا وسياسيًا واقتصاديًا وطائفيًا. فالويلات والأزمات المتلاحقة التي وقعت على أهل العراق بعد إسقاط النظام الدكتاتوري السابق على حساب حسن سياسة الاستقرار وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة تأخذ في الحسبان مصلحة البلاد الوطنية وشعبها، كلّها تولّدت بسبب سياسة الإدارات الأمريكية القاصرة المتلاحقة وغير المقبولة بعد الغزو نتيجة لافتقادها لرؤية جاهزة وإرادة صادقة من أجل إصلاح الأمور والسماح بعودة البلاد لأخذ دورها الوطني والإقليميّ المستقلّ بعيدًا عن سياسة المحاور والتبعية للجارة الشرقية. فكلّ الإشارات الواقعية تعني أن إيران ما تزال تنعم ضمنيًا بضوءٍ أخضر من الراعي الأمريكي وحلفائه الغربيين في تمكين سطوتها على العراق وشعبه وتسهيل الاستيلاء على مليارات الدولارات بفضل هيمنتها المذهبية على عقول الساسة الولائيين الذين يجاهرون علانية بتبعيتهم ودفاعهم عن نظام حكمها وقيادتها على حساب مصالح وطنهم وشعبهم.

سياسة الدبلوماسية الناعمة وسياسة القط والفأر

من الواضح بروز أشكال من سياسات التساهل والتنازل والتغاضي بل والتخاذل أحيانًا من لدن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والحالية بصورة أكثر، لصالح بعض دول المنطقة، ومنها إيران بالذات، حيث فاقت هذه السلوكيات غير الواقعية الحدود في بعضٍ منها بحيث صارت بعضُها تشكلُ عبئًا مضاعفًا، إقليميًا ودوليًا، على غيرها. وفي الواقع، بعضُ هذه الدول التي حقَّ وصفُها بالمتمرّدة والسفيهة والتي استخدمتها الإدارات الأمريكية “الاستكبارية” المتتالية “حصانَ طروادة” في فتراتٍ من الزمن الأغبرّ من أجل كسب جانبها كرهانٍ غير مأمون الننائج عبر المساهمة في إحداث تغييرات في خارطة الشرق الأوسط ومنها تدمير بلاد ما بين النهرين وإهانة شعبها منذ اتخاذ القرار الأممي، قد استغلّت الفرصة ومدى التعاطف الدولي ضدّ منظومة النظام السابق المتهوّر من أجل إثبات قدراتها وتعزيز وجودها وفرض رؤيتها الأيديولوجية وسياساتها المتشدّدة هي الأخرى بأشكال الابتزاز والمساومات والاستغلال مستفيدةً من الوازع الطائفي والمذهبي ومدى الكراهية المجتمعية التي رافقت مسيرة ذلك النظام البائد. فما كان من إيران بالذات، إلاّ أن فرضت هيمنتها بموجب سلوك السياسة الناعمة التي تشبع سياسة القطّ والفأر التي اتخذتها الإدارات الأمريكية المتلاحقة منذ غزوها للعراق تجاه سلوكياتها الاستفزازية في المنطقة. وقد ساهمت عدة أسباب لتسهيل هذه الهيمنة على العراق بسبب فقدان الأخير لأبسط قدراته السيادية وضياع شخصيته الوطنية بعد إفراغه من هذه كلّها لا لشيء إلاّ من أجل قلب نظام الحكم ليس إلاّ، والذي اتخذته أمريكا ومَن في طورها هدفًا وطبّقته شعارًا ونفّذته نهجًا من دون وضع خارطة واضحة لإعادة تشكيل البلاد بعد إسقاط نظام الحكم السابق وتغييره نحو الأفضل وفق الديمقراطية المصدّرة كذبًا وخداعًا ونفاقًا.

ولعلّ من الأسباب التي تهيأت للغازي الأمريكي لانتهاج مثل هذا السلوك غير الناضج بعد تنفيذ الهدف الأسمى بإسقاط النظام السابق وخروج الموقف عن السيطرة بدأت مؤخرًا بالوضوح في الأفق وسوف تكشفها الأيام لاحقا حين إماطة اللثام عن وثائق ومراسلات وتسريبات بدأت بالتوارد يومًا بعد آخر. وهذا ما تفسرُه تحليلات سياسية وما يراه مراقبون حول واقع حال المنطقة في الوقت الراهن. فالخشية من سلوك إيران الاستفزازي في المنطقة ومن مغامراتها التي تجاوزت المعقول تبدو واحدة من هذه الأسباب التي تدمغ هذا الواقع المرير، بعد أن حوّلت عموم المنطقة إلى مستنقع للترسانة الدولية من مختلف الأسلحة والتي زادت من أشكال التوتر الدولي. كما يأتي الخوف الأمريكي والدولي معًا من إمكانية استخدام النظام الإيراني لترسانته العسكرية والصاروخية والتقدم المنجز في حلمه النووي والتي يلوّح بها قادتُه العسكريون والأمنيون علانية ومن دون تحفّظ بمناسبة وبدون مناسبة بعد أن ضمن هذا النظام سهولةَ توزيع أسلحته القتالية المتطورة في أراضي الهلال الذي هيمن عليه تحت بصر ونظر الراعي السياسي الأول وحلفائه من دون القيام بما يليق به من ردّ وردعٍ أمميّن للتقليل من المخاطر المتوقعة في حال خروج الأمور عن نصابها. وآخرها كميّة الصواريخ التي أطلقتها مؤخرًا “حماس” الموالية لإيران ضدّ اسرائيل في عربدتها الأخيرة والتي تطايرت في سمائها كأسراب الطيور المهاجرة.

وهذا ممّا خلقَ أشبه ما يكون بفوبيا عالمية حيال النظام الثيوقراطي الذي يحكم هذه البلاد بقبضة الوليّ الحديدية ويسعى لنشر أيديولوجيته في دول المنطقة وخارجها بوسائله وعبر ذيوله وأتباعه. لذا من الواضح أنّ قدرات هذا النظام التوسعية لم يكن لها أن تتشعب وتتمدّد لولا الضوء الأخضر وأساليب المهادنة والتساهل من جانب القوة العظمى ومّن يدور في فلكها، أيًا كانت أسباب أو مبررّات هذه الجهة أو تلك.

لذا، يبدو أن أسلوب السياسة “الناعمة” التي أعلنتها إدارة “بايدن” في حملته الانتخابية وما بعد فوزه في أكثر من مناسبة للتعامل مع الملفات العديدة في المنطقة وبالذات مع الجارة الشرقية للعراق سوف لن يأتي بنتائج مجدية، كما تشير الوقائع وتشهدُه الأحداث.

بل إنّ مصلحة أمريكا العليا سوف تلحقها أضرارٌ بالغة نتيجة انسلال خيوط مهمة وعديدة عن النسيج العام الذي طبع حقبة هيمنتها على دول المنطقة.

إلاّ أللّهمّ في حالة تقريرها إجراء تغيير شاملٍ في استراتيجيتها للخروج نهائيًا عن مصالحها القومية وترك إدارة سياسة المنطقة لغيرها من الدول التي بدأت بشائرُ هيبتها بالبروز كقوى اقتصادية مؤثرة دوليًا، ولاسيّما الصين وغريمتها التقليدية روسيا.

فالعالم يترقب قرب تربع التنين الصيني على قيادة العالم اقتصاديًا خلال أعوامٍ قليلات إذا ما سارت الأمور حثيثًا في صالحها مقابل تراجع الهيمنة الأمريكية وخفوت تأثيرها وهيبتها بفعل ضعف إداراة هذه الأخيرة وفقدان القدرة على فرض سياساتها وشخصيتها كما اعتادت منذ خروجها منتصرة في الحرب الكونية الثانية وتفرّدها بسياسة القطب الواحد في توجيه العالم لعقودٍ عديداتٍ وفق مقاساتها ومصالحها بعد زوال الاتحاد السوفيتي غريمها التقليديٍ. وفي حالة التحاق الروس بقطار عقد اتفاقات استراتيجية مع دول المنطقة، وبالذات مع إيران، فسيكون ذلك مسمارًا إضافيًا آخر يُدقّ في نعش الهيمنة الأميركية على منطقة الشرق الأوسط وفي نهج تراجع مصالحها فيها وانتهاء صورتها الاستثنائية المهيمنة التي طبعت وجه الكرة الأرضية لعقود وعهود حديثة. وهذا ما يفسّرُ منذ سنواتٍ رغبةَ الإدارة الأمريكية بتقليل تواجدها في منطقة الشرق الأوسط إلى أدنى مستوياته. إلاّ أللّهمَّ في حالة عودة الصقور إلى المشهد السياسي من أجل إعادة هيبة أميركا إلى الواجهة الدولية وقلب الموازين القائمة والمباشرة فعليًا في إعادة تحديد الأولويات الاستراتيجية نحو طريق إحداث تغيير جذريّ في السياسة العامة التقليدية الإيجابية وترك منهج الدبلوماسية الناعمة وسياسة القطّ والفأر التي لا ولن تُؤتي ثمارها مادام الطرف المعني المؤدلج مذهبيًا لا يؤمن بسياسة الحوار والتفاهم والتنازل. وهذه حالُ وطريقة التفكير لدى العنصر الشرقيّ، أفرادًا وأممًا ودولاً. فهذه جميعًا لا ينفع معها إلاّ أسلوب الصدمات الجريئة التي تقطع وتبتر وتنزع بالقوّة في حالة اقتضى الأمر القيام بالتغيير الجذري، تمامًا كما حصل مع العراق حين تقرير غزوه للخلاص من النظام السابق. ولكن من المؤسف حصول ذلك بعنجهية تدميرية قاتلة، بغياب خارطة طريق واضحة تُعيدُ الأمور إلى نصابها وتحقّق لعموم الشعب العراقيّ ما كان ينتظرُه من ديمقراطية حقيقية غير مزيفة ومن حياة مرفهة هي من حقه بعد زمن القهر والظلم وعقود الحروب المدمّرة واستغلال الكرامة لمنافع شخصية وعائلية وعشائرية وفئوية.

مطلوب صحوة أمريكية قومية

في ضوء هذه الوقائع وإزاء السلوكيات المتراخية وغير العقلانية في إدارة الملف العراقي، لا بدّ للسياسة الأمريكية أن تكون أكثر صرامة وحذرًا في التعامل مع ما يجري من ضياع فرصٍ ونهب ثروات وهدر أموالٍ وتشتّتِ حياة ملايين العراقيين وتزايد فقرهم واستمرار نزيف هجرتهم بسبب هيمنة قيادة الجارة “المقدسة” على سياسته وإدارة شؤونه عبر مواليها الولائيين الذين لا تهمّهم مصلحة العراق وعودته إلى محيطه العربي الطبيعيّ. فهل ستصحو الإدارة الأمريكية في عهد “بايدن” بعد انقضاء فترة المائة يومٍ من عهده بعد الذي كشفته الأحداث وتحدّثَ به الواقع من استمرار التجاوز على هيبتها في المنطقة من قبل إيران بالعمل على إعادة الأمور إلى نصابها والعودة بها للالتزام بالاتفاقية النـــــــووية من دون غطرسة ولا استغلال لضعف الغرب الأوربي؟ حينها فقط، وعندما تُلجم سياسة إيران الاستفزازية والتسلطية على قرار دول الهلال الشيعي، يمكن توجيه القطار العراقي الضالّ إلى ميناء الأمن والاستقرار والسلام تحت راية وطن واحد ذي سيادة وهيبة واستقلالية، مؤمنًا بمبدأ التعايش السلمي وتقاسم الثروات وطنيًا بعدالة ومساواة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب في قريب الموسم الانتخابي القادم! فمازالت شرائح كبيرة من الشعب العراقي تؤمن بضرورة بقاء وتواجد وتدخُّل قدرات أجنبية من أجل إحداث التغيير الجذري في المنظومة السياسية الفاشلة بسبب فسادها وهزالة إدارتها وفقدانها للإرادة الوطنية الصادقة التي تضمن مواصلة الحياة الطبيعية مثل سائر شعوب المنطقة وإعادة الاستقرار للشارع الثائر المطالِب بحقّه بوطن مفقود، إلاّ ممَّن فقدوا صلة الرحم بالوطن وباعوا أنفسَهم ذيولاً أذلاّءَ للدخيل والغريب الطامع لفسح المجال لهذا الأخير للتغوّل على المنطقة والتدخل في ملفات دولها وفي شؤونها العروبية.

وبغير هذا وذاك، تكون الحكومة الأمريكية قد اقترفت أخطاءً جسيمة وترتبت عليها خطيئة كبرى أخرى مضافة لعظيم خطاياها. وما أكثرها في العراق خصوصًا! كما أن أميركا بثقلها الدولي، في حالة عدم تقويم الأمور بما تستلزمُه العدالة السماوية بالحفاظ على وجه بلاد الرافدين الحضاري والثقافي التاريخيين المتميّزين ووفق ما يستحقه الشعب العراقي المظلوم من حقٍ بالسيادة على موارده وقراره السياسيّ عبر تغيير جذريّ مدعومٍ من المجتمع الدولي الصادق في سلوكياته الأخلاقية بحيث يضمنُ حقوقًا عادلة وحالةً من الاستقرار النفسي والجسدي والمجتمعيّ بسبب خطيئة غزوها له في 2003 تكون قد خسرت في مقامرتها الدولية غير المحسوبة بحكمة واستحقت لعنة التعاسة التاريخية من أبناء سومر وأكد وبابل وآشور الأصلاء لغاية يومنا هذا.

فالعراق كان وسيظلّ صمّام أمان المنطقة وواحدًا من كبار ساداتها، شاء العذول أم احتجّ. فكلٌّ ما هو مطلوب، الخروج عن شرنقة الدول التي تستبيح أرضه وشعبَه وتسطو على قراره وثرواته بغير حق بسبب تهاون المجتمع الدولي، وبالذات أميركا الغازية التي ستلحقها لعنة العراقيين وكلّ شريف صادق في العالم وليس مَن يجامل وينبطح “تقية” وإذلالاً.

كما أنّ العراقيين ليس في جعبتهم معاداة أحد، ولا قطع العلاقات مع أحد، بل إنمّا التعايش وفق مقاييس شرعة حقوق الإنسان وقيم الاحترام المشترك بغرض الخروج من أزماتهم الكثيرة الخانقة التي أوقعهم فيها الغازي الأمريكي ومَن أتى بهم لاستباحة البلاد والعباد بغير حكمة ولا وجه حقّ.

وهذا لن يتمّ من دون تغيير المنظومة السياسية القائمة وتعديل نظامها الحاكم الذي أثبت فشله في إدارة البلاد، وبالانفتاح المتبادل مع المحيط العربي كخطوة أولية مأمولة نحو مثل هذا التغيير الإيجابي المنتظر تفاديًا لأية مزالق خطيرة قد تجرّ المنطـقة بأسرها إلى نزاعات وصراعات لا تُحــــــمدُ عقباها.

وإلى حين تحقيق المرتجى المأمول في الانتخابات المقبلة ببلوغ عقد اجتماعي وسياسي جديد وبتشكيلة مغايرة للمنظومة السياسية الفاشلة القائمة منذ 2003 وبنظام رئاسي وليس برلمانيّ متحاصص بغيض، يبقى الترقب ماثلاً للأحداث بما يمكن حصولُه من مفاجآت وتغييرات وتطورات.

مشاركة