
أما المقاطعة المنظمة أو الإعتباطية – امجد طليع
السبب الرئيس الذي حال دون دخول التشرينيين في تحالف واحد لخوض الانتخابات المقرر اقامتها في 2021/10/10 هو انقسامهم الى فريقين الاول يدعو الى خوض الانتخابات وتحقيق مطالب تشرين من خلال تمثيلهم اما بالاشتراك بالحكومة وهذا كان خيار مستبعد مالم تكن حكومة تشرينية شكلا ومضمونا او الذهاب الى خيار المعارضة والاكتفاء بالعمل البرلماني بكتلة نيابية مدعومة من الجماهير المنتفضة وهذا كان الخيار المخطط له بوصفه اجراءً مرحليا الا ان هذا الفريق فشل في الاتفاق على تحالف واحد بعدها سعت اطرافه الى التحالف مع قوى علمانية او مدنية قريبة او متعاطفة مع ثورة تشرين ونجح بعضهم وفشل الكثير منهم ما ادى الى تشتت هذا الفريق وتحولت الحركات التي تمثله الى قوى هامشية في تحالفات تقليدية.
اما الفريق الثاني والذي شكل الاغلبية بين قوى وحراكات تشرين فقد كان مصر على مقاطعة الانتخابات وكان يدعو الى حملة للتشجيع على مقاطعة الانتخابات شعبيا كون الشروط التي وضعتها ساحات التظاهر من اجل اجراء انتخابات نزيهة لم تنفذ والمتمثلة بقانون انتخاب فردي (مقعد نيابي لكل مئة الف مواطن) ومفوضية انتخابات من مهنيين مستقلين لا ترشحهم الاحزاب الحاكمة وتفعيل قانون الاحزاب والقضاء على السلاح المنفلت واشراف اممي على صناديق الاقتراع وبدون هذه الشروط فان الانتخابات ستكون نتيجتها محسومة مقدما وما المشاركة فيها الا اعتراف بشرعية تلك الانتخابات رغم عدم التزامها بالمعايير الدولية، وكانت اغلب القوى والحراكات التي تنظوي تحت مظلة الفريق المقاطع للانتخابات تمثل امتداد للحراكات التي نشطت عام 2018 ودعت المواطنين من على مواقع التواصل الاجتماعي الى عدم التصويت وكان شعار حملتهم (مقاطعون) وامتازت هذه الحملة بعشوائيتها واقتصرت على الصفحات الفيس بوك وتويتر ولم تكن لها قيادة معروفة او برنامج يقنع الناس بعدم المشاركة ولم تقدم حجة واضحة لهذه المقاطعة تجعلها تؤثر على الجمهور الحزبي على سبيل المثال او كبار السن الذين يشكلون القاعدة الاوسع للانتخابات لاسباب عديدة منها تاثرهم بالشائعات التي ترافق كل عملية الانتخابية مثل قطع الحصة التموينية والرواتب عمن يقاطعون الانتخابات اومن يشاركون بسبب التزامهم بالتوجيهات الدينية التي دائما ما تشجع على المشاركة والتصويت للمرشحين.
حملة (مقاطعون) عام 2018 لا يمكن ان نصفها بالناجحة لانها ادت الى اختلال التوازن في البرلمان و كانت سبب رئيس في خسارة القوى المعتدلة في الانتخابات وخصوصا القوى المدنية التي كانت افضل مشاركة لها في العام المذكور ودخلت باكثر من قائمتين انتخابيتين وضمت وجوه ليبرالية مهمة لكنها خرجت بخمس مقاعد تقريبا فيما سيطرة على البرلمان (قوى البندقية) ذات التوجهات الدينية والمذهبية خصوصا تلك المتنافسة في المحافظات الشيعية واستطاعت ان تتقاسم وزراء حكومة عادل عبد المهدي التي فتحت العراق على مصراعيه امام سيطرة ايران على القرار والمجتمع في العراق وغضت النظر بشكل فضيع عن الكثير من التصرفات التي تهدد امن وسيادة العراق واعلن عبد المهدي بانه كان يعطي الموافقات لايران والولايات المتحدة بان تنفذ غارات على الاراضي العراقية في سابقة لم يشهدها التاريخ.
كما انها فشلت في معالجة الازمات الاقتصادية والخدمية كما وعدت الكتل التي شكلت الحكومة التي وضعت تلك الازمات على راس برنامجها الحكومي لا بل انها سمحت للفصائل المسلحة بان تمد نفوذها بجميع مفاصل الدولة ، كل ذلك وغيره تسببت بنزول الناس الى الشارع وقدمت تضحيات جسيمة في تلك التظاهرات التي شكلت الشرارة الاولى الى ثورة تشرين التي نجحت في اجبار حكومة عبد المهدي على الاستقالة وصياغة قانون انتخابات جديد..
وايضا لا يمكن ان نصف حملة مقاطعة انتخابات 2018 بانها فاشلة بعد ان ساهمت في تقليص حجم المشاركة الى اكثر من %44 بحسب احصائيات المفوضية العليا للانتخابات و %18 بحسب رصد دعاة حملة (مقاطعون) وانا كمراقب للانتخابات لا يمكنني ان ادعم اي من النسبتين فالنسبة الرسمية قد تعرضت للتشكيك من قبل اطراف عديدة سياسية ومنظمات مجتمع مدني بسبب تهم بالتزوير والثانية لم تعتمد بيانات وارقام مؤكدة لكن مصدر في مفوضية انتخابات محافظة واسط ابلغني بعد اكثر من عامين على الانتخابات بان نسبة المشاركة في المحافظة كانت %17 تقريبا .
لحظة عاطفية
ويعود سبب وصفنا لحملة مقاطعون في 2018 بالنجاح واللانجاح الى اعتباطية الحملة وكانت وليدة صدفة وغير مدروسة وناتجة عن لحظة عاطفية كتبت على شكل منشور على الفيس بوك وتناقلته الصفحات صحيح انها تمكنت من تقليص حجم المشاركة من قرابة 25 مليون ناخب كان يحق لهم التصويت الى 10 ملايين او يزيد بقليل وهولاء هم الجمهور الذي وصفناه في مقالات سابقة بالجمهور الحزبي لكن مخرجات هذه المقاطعة كانت اكثر سوءً من المشاركة كون مخرجاتها ادخلت البلد في متاهات لم تكن متوقعة.
اليوم وعلى خلفية اغتيال الشهيد ايهاب جواد الوزني احد ابرز قادة الحراك التشريني في كربلاء اتسعت دائرة التشرينيين الداعين للمقاطعة وانضمت لهم قوى اخرى منها الحزب الشيوعي وحزب الامة العراقية والحزب الليبرالي وحركة احرار العراق وحزب الشعب والجبهة المدنية وقائمة من الاحزاب والحركات والتيارات التي تتزايد بين ساعة واخرى وهذه القوى اصبح من المؤكد لديها بانه لا يمكن اجراء الانتخابات ولو بنسبة معينة من النزاهة ما لم تطبق الشروط التي طرحتها الساحات ايام ثورة تشرين واستعرضناها سابقا في عملية تبدو تكرار للحظة العاطفية التي شهدناها عام 2018 وانتجت مقاطعة اعتباطية انتهت بمخرجات غير محسوبة العواقب.
وكون الدعوات لمقاطعة الانتخابات ليست اختراع عراقي وانما هي ممارسة معتمدة دوليا الهدف منها سحب الشرعية من النظام القائم وتنبيه المجتمع الدولي عدم الاعتراف به وكون الانتخابات هي الحجة الاقوى في منح شرعية للانظمة اذا ما قارناها بالشرعية الثورية او الشرعية (الدستورية-الملكية) ولدحض هذه الشرعية فلابد من مقاطعة الانتخابات على ان تكون مقاطعة واسعة ومنظمة وليست اعتباطية التي لا يمكن التنبوء بنتائجها ، وعلى سبيل الاستعراض التاريخي فقد اجرى الناشط التشريني علي البياتي بحثا عن اشهر المقاطعات التي حدثت للانتخابات على مستوى العالم واكتشف انه من عام 1992 ولغاية 2004 شهدت 11 دولة مقاطعة للانتخابات دعت لها المعارضة في دول مثل الكاميرون وزامبيا واذربيجان وكينيا وصربيا وغيرها انتهت بخسارة المعارضة واعترف العالم بنتائجها وعادة القوى المتهمة بالفساد الى السلطة كما تضمن هذا البحث مقاطعة المكون السني للانتخابات العراقية عام 2005 وخسروا اهم تمثيل لهم الذي كان يجب ان يشارك في كتابة الدستور لتثبيت الحقوق الدستورية لمكون اساسي من مكونات المجتمع العراقي.
ولتحقيق الهدف المرسوم لمقاطعة الانتخابات وسحب الشرعية من النظام وارغام الشعب والمجتمع الدولي على اعادة صياغته وفق مفاهيم وطنية بعيدة عن المحاصصة واللامبالاة بالدستور والقانون فلابد ان تكون المقاطعة واسعة اشبه بالشاملة وهذا بتحقق من خلال مقاطعة منظمة مدروسة وفاعلة تتطلب تجمع سياسي واسع للاحزاب صاحبة الحملة والتنسيق اسخ فيما بينها ومع جماهيرها اضافة الى استهداف اهم الشرائح الملتزمة بالمشاركة الدائمة بالانتخابات واقناعهم من خلال تقديم الحجج القانونية التي تدعم مقاطعتهم للتصويت وعرض المبررات والاسباب التي توجب المقاطعة وتوحيد الخطاب الاعلامي وتصعيده وتنظيم نجمعات جماهيرية وتظاهرات لتدعيم هذه الحملة وضـــــــــمان تاثـــــــيرها بمختلف شرائح المصوتين وبما ان المعايير الدولية لم تســــــــمي النسبة المسموح بها لتحديد شرعية الانتخابات فان الامر بحاجة الى جهد مضني تستخدم به شـــــــتى الوسائل باستثناء ارغام الناس او منعهم عنــــــــوة على المقاطعة او الذهاب الى الخيار المعاكس او (الخطة باء) وهــــــــو التحشيد المليوني للمشاركة وتحديد القوى التي تشكل المعادل النوعي للتصويت لها وتكبيد قوى الفساد والمحاصصة خسارة فادحة كفيلة باعادة صياغة المشهد السياسي من جديد..
{ كاتب واعلامي عراقي

















