ازهر العبيدي
عرف الموصليون منذ القدم بحملهم ألقاباً لأسرهم ، وحرصوا على نقلها من الأجداد إلى الأحفاد . غايتهم من ذلك تمييز أسرهم وسط المجتمع ، والتباهي بأصالتها وكثرة عدد نفوسها ، ومكانتها المرموقة بين الأسر الأخرى ، وعدّوا هذا اللقب عنوان الأسرة.
ومن هذه الألقاب ما أطلقه الآخرون على الأسرة من نبز معيب أو ألقاب رسمية، واعتاد المجتمع الموصلي على سماع هذه الألقاب وتداولها، وأصبح من الصعب أن يُعـرّف شخص ما نفسه إلى مجموعة من الناس … دون أن يذكر لقب الأسرة التي ينتمي إليها .
ولهذا فان مجموعة من الأسر ظلّت محافظة على لقبها مدة طويلة من الزمن ، امتدت حتى يومنا الحاضر . وعدّ الموصليّون اللقب بمثابة ملك لهم لا يمكن التفريط به أو التنازل عنه ، فاللقب عزيز عليهم كالمال والأبناء والزوجة . يصعب تركه بعد أن تعـوّدوا عليه ، وعرفهم المجتمع من خلاله .
تنوعت الألقاب الموصليّة لأسباب بيئية ودينية وثقافية واجتماعية واقتصادية، وارتبط قسم منها بحادثة تاريخية قديمة أو قصة ظريفة. ومن الملاحظ أن معظمها قد جرى اختياره ، أو بالأحرى إطلاقه على الأسرة على نحو عفوي .
كما حمل كثير منهم أسماء مهن أجدادهم أو آبائهم ، في الوقت الذي لم يمارسوا فيه هذه المهنة، وكان لقب المهنة بمثابة علامة تجارية ودعاية للبضاعة التي ينتجها الأجداد مثل السكاير والحلويات والصناعات اليدوية. فنجد الطبيب الذي تحمل قطعة عيادته لقب الدبّاغ أو الوتّار. أو المحامي الذي تحمل قطعة مكتبه لقب الأطرقجي أو الصابونجي . أو المقاول الذي تحمل قطعة مكتبه لقب الشكرجي . ولما كانت الموصل كغيرها من مــدن العراق ، قد مرّت بفترات هـيمنة أجنبية فارسية وتركية . فقد انعكست لغة هؤلاء الأقوام على عدد من الألقاب القديمة الموصلية ، وذلك بسبب استخدام تلك اللغات بمثابة لغة رسمية . فحملت مجموعة من الأسر العربية الأصيلة ألقاباً أجنبية ، وقد يتصور السامع أن هذه الأسرة تنتمي إلى قومية اللقب الذي تحمله ، في الوقت الذي هي أسرة عربية أصيلة أو ذات ماض عريق .
وهناك حادثة حاول فيها نوري السعيد رئيس وزراء العهد الملكي، استثارة النائب الموصلي القدير عبد الجبار الجومرد بالغمز إلى لقبه التركي التسمية . عندما قال في سياق حديثه عن الجومرد : «والجومرد كلمة تركية معناها السخي»، فانبرى له الجومرد وهو الخطيب المفوّه والوطني العربي الغيور قائلاً :
«…أنا حملتها على محمل حسن ، وشعرت بأنها دعابة بريئة عندما ذكر اسم عائلتي .. ليس من العيب أن يقال أني من عائلة الجومرد، وفخامة رئيس الوزراء اعتقد انه يعرف هذه ، وكلمة جومرد لقب للجد التاسع … أن قصده إلقاء اسم هذه العائلة وراء حدود العراق … إن هذه العائلة لها في مدينة الموصل أربعمائة وخمسون سنة في المدينة فقط . وهذا الزمن الطويل يكفي أن يعطي الحقّ لها أن ترسل أحد أولادها ليكون خادماً للأمة تحت هذه القبة …»
وفي التسعينيات انتشرت ظاهرة استعمال الألقاب العشائرية ، فالمجتمع الحضري لابد أن يكون قد نشأ من أصول عشائرية أصيلة . وان رجوع كل أسرة إلى عشيرتها الأصلية تنظيم سليم للألقاب في المجتمع بعيداً عن العادات القبلية القديمة كالغزو والإجارة والديّة والعصبيّة . وان استخدام الألقاب العشائرية هو اسلم الطرائق لتوحيد ألقاب الأسر في المجتمع والمحافظة على هويته وقوميته .
إن مدينة الموصل تعدّ من أكثر المدن العراقية في استعمال الألقاب منذ أمد بعيد، يمتد إلى بداية القرن السادس عشر للميلاد . لكن قلّ ما كتب عن هذه الألقاب وتفسيرها وربما كان كتابي (أسماء وألقاب موصلية) هو الكتاب الأول الذي يتعرض لها .
ويسمّي الموصليون اللقب باللهجة العامية ( لبق) بتقديم الباء على القاف ، وقد أخذت هذه الألقاب أشكالاً مختلفة سيتم توضيحها مفصلاً في الصفحات القادمة . وهذه الأشكال ربما وجد عدد منها في أسرة واحدة تنتمي لجد واحد، وهي :
استخدام الألقاب الدينية لرجال الدين السادة والمشايخ الذين كانت لهم مكانة عالية في المجتمع الموصلي واحترام كبير.
ألقاب تركية كانت تضاف إلى اسم الجد ، تعكس رتباً ومستويات رسمية أو تجارية ، مثل : أغا ، بك ، باشا، أفندي ، جلبي … الخ ، وسادت هذه الألقاب خلال العهد العثماني .
استخدام الألقاب الخاصة التي انفردت بها أسرة واحدة أو أسرتان ، وهذه الألقاب تعود إلى صفة اشتهر بها جد الأسرة ، أو قصة عرفت بها الأسرة ، أو حادثة مرّت على الأسرة واطلّع عليها المجتمع ، أو نتيجة تحوير اسم جد الأسرة.
استخدام الألقاب الخاصة بأسماء النساء ، عندما تحلّ المرأة بدل الرجل في رعاية الأسرة.
استخدام ألقاب المهن التي امتهنها جد الأسرة وعدد مـن أحفــاده . وتشمل المهن ذات التسميات العربية ، والمهن ذات التسميات التركيـة.
استخدام الألقاب العشائرية الخاصة بالقبيلة والعشيرة والفخذ.
استخدام اسم المكان والمدينة لقباً.
النبز أو اللقب المسيء
ومن الملاحظ أن الألقاب التي أطلقت على الأسر من قبل أناس آخرين من اسر أخرى ، أو الألقاب التي عدت نبزاً يمسّ جد الأسرة أو أحد أفرادها وأطلقها أعداء لهم أو أشخاص سيئون ، لم تستخدمها الأسرة صاحبة اللقب في تعاملها مع الناس وفي معاملاتها الرسمية ، بل استخدمت شفاهاً بين الناس الآخرين ، فيــقولون مثــلا: (فلان الأعوغ) و(فلان الأعغج) و(فلان الأسود) ، أي الأعـــور والأعرج والأسود والمجنون بقصد السخرية والاستهزاء على الأغلب . ومن هذه الألقاب : الأثلم (له ثلمة في الوجه) – الأعضب (له عاهة في اليد) – الأعمي (الأعمى) – الأشغح (الأشرح) – ابن الكفغ (ابن الذي كفر، وهي كنية قارئ المقام سيد احمد عبد القادر الموصلي الذي قال عنه أحدهم عندما غنّى في الزمن القديم: لقد كفر) – أبو غاسين (أبو راسين أي كبير الرأس) – برغوث – برّم – برم – بشنقيني (شدّي العصابة على رأسي) – بطـــل (بطلان أول بطل الشراب) – فاغة (فأرة) – قحّاط الباطي (نهم في أكل باطية اللبن) – القصيغ (القصير) – جلعوط (الرجل القمي) – صخّنته (أصابتني الحمى) – الطويل – الحلو (الوسيم) – حنبصيص (حمّو الصيص البخيل) – حواوا (يلعب مع البنات) – خرطني – الدب (السمين) – خغا الييبس (القذارة اليابسة) – سقيع (قليل الفهم) – كجّي (صغير الحجم) – شقّاع (ممزّق) – شخّاطة (علبة كبريت) – عبّو الجنّي (نشيط كالجنّ) – عبّو التصلغ (لا يوجد فيه عضو سليم فهو اعور وأعرج ومكسور اليد والرجل … الخ) – عصعوص (ذنب الحيوان) – ماي ولبن (لبنهم مغشوش) – نقّاب الدست (النهم ثاقب قدر الطعام).
الألقاب الدينية
استخدمت الألقاب الدينية على نحو واسع فيما مضى ، وبخاصة قبل انتشار المدارس والثقافة. وقلّما كانت تخلو أيّة أسرة من أحد هذه الألقاب . وكان حاملو هذه الألقاب ذوي مكانة مرموقة في المجتمع الموصلي، ويكنّ لهم الجميع كل الاحترام والتقدير ويقدمونهم على غيرهم في المناسبات كافة ، ويعدّون من وجوه البلد المهمة :
الحاج / الحاجة (الحجّي/ الحجّييي): يطلق هذا اللقب على كل حاج وحاجة إلى بيت الله الحرام، عندما كان عدد الحجاج محدوداً . بل أن منهم من كان يكتب هذا اللقب في أوراقه الشخصية ، ومع أسماء أولاده وأحفاده ، وعلى باب داره ودكانه بكل فخر واحترام ، إذ كان الذهاب للحج في قوافل من الجمال ويستغرق عدّة أشهر .
السيّد / السيديّي : لقب يطلق على السادة الأشراف الذين هم من نسب آل البيت . ويطلق كذلك على من يرقّي (يعزّم) للناس ، وتقول العامة عن بعض من السادة أن لديه (تسلومة) أي استلم الكرامات من الشيخ أو السيد الفلاني في اختصاص معيّن لشفاء نوع معيّن من الأمراض والعاهات ، وكانت لهم امتيازات في العهد العثماني منها الاعفاء من الخدمة الالزامية.
الشيخ / الشيخة : لقب يطلق في المدن على الرجال والنساء الكبار السن ، الذين عرفوا بالتقوى والدين أو الذين يرقّون المرضى والمصابين . ويسمى بعضهم بأنه شيخ الطريقة الفلانية . وفي القرى يطلق على رئيس العشيرة لقب الشيخ ، وعلى زوجته الشيخة.
الملاّ / الملاّيي: تلفــظ في الموصل بفتح الميم ، وفي بغداد بضم الميم ، وهو لقب يطلق على الرجل المتديّن الذي يعلّم الأطفال القراءة والكتابة في الكتاتيب سابقاً.
الإمام / الخطيب : هو رجل الدين الذي يؤم الناس في الصلاة ، ويخطب بهم يوم الجمعة . وكان يطلق على بعضهم تسمية (الواعظ) .
الألقاب العثمانية
أغا : لقب يمنح لرؤساء الانكشارية ملازم وملازم أول ومختاري المحلاّت ورؤساء الأصناف .
بك: الكبير والقدير ، ويطلق على كل أمير أو موظّف ذي منصب عال.
باشا : لقب يطلق على الولاة ، والضباط من رتبة لواء فما فوق.
كهية : أكبر موظف بعد الوالي في الولاية ، وقد يسمى كتخدا .
أفندي : لقب أطلق على موظفي الدولة في القرن الثامن عشر ، وكانت ملابسهم تقليداً للملابس الأوربية ، وتتكون من السترة والبنطلون ، وأضيف إليها الطربوش الأحمر أو الأسود (الفيس) ، واستبدل بالسدارة السوداء والبنية في العهد الملكي . وأطلق هذا اللقب على علماء الدين أيضاً في الدولة العثمانية .
الآي بكي : وتعادل رتبة (مير ألآي) ، وهي رتبة تمنح إلى قائد السباهية ، وكانوا يتمتعون بإقطاعات كبيرة مدى الحياة ، ويتولون قيادة الحملات العسكرية .
تفنكجي باشي : مدير الشرطة وقائد التفنكجية أي حملة البنادق .
سباهي : الفارس المكلف بالخدمة العسكرية لقاء منحه إقطاعات ، وعندما تكون الاقطاعات كبيرة يرسل صاحب الإقطاع أتباعه المسلحين بدلا عنه إلى الحملات العسكرية .
جندرمة : الشرطة العثمانية المحلية .
لاوند : جند شبه نظامي يجنّد محلياً.
الياور : الحرس أو المرافق .
سردار : القائد العام ، الزعيم .
ميرالاي: العقيد .
يوزباشي : الرائد.
قول اغاسي : النقيب .
مهردار : أمين الختم ، الكاتب الخصوصي.
دفتردار : رئيس موظفي المالية .
سلحدار : محافظ أسلحة الأمراء.
علمدار : حامل العلم .
بيرقدار : محافظ العلم ( البيرق ).
طوبجي : مدفعي أو مصلّح المدافع .
جاويش : عريف في الجيش أو الجندرمة .
ورديان : السجّان أو حارس السجناء في السجن .
جلبي : السيد الغني أو التاجر، أطلق العامة هذا اللقب على الأغنياء والتجّار.
يازجي : موظف كاتب في دوائر الدولة العثمانية .
دربكي: مسؤول العشائر ، هذا اللقب لم يستخدم من الأسر في الموصل واستخدم في مسلسل تلفزيوني باسم (حكاية المدن الثلاث) ، ومن الطريف أن عدد من المواقع الالكترونية نقلت هذه الألقاب عني دون الإشارة لكاتبها، وتم التعرف على نقلهم بهذا اللقب (دربكي) الذي لم يذكره أحد من قبل في حديثه عن الألقاب الموصلية العثمانية