زمان جديد
عبد الحق بن رحمون
كل شخص مصاب بـ ألزهايمر حتى تثبت إدانته، أو يقوم بتشخيص سنوي لذاكرته، فحفظ الذاكرة صعب للغاية إن لم تعترضها ثقوب وعوارض، ستبقى سليمة، عبر مراحل العمر، أما إذا أهملناها سيكون مصيرها الجفاف كالتربة التي لايتم تقليبها وحرثها سنوياً. ومرضى الزهايمر، مزاجهم متقلب وحاد، ويتصفون بسرعة العصبية والغضب. ويشتكي منهم المحيطين بهم لأنه لا مصداقية لهم وينسىوا كل ما يقومون به من عدوانية اتجاه الآخرين ساعة تحولهم إلى وحش.
وكم من طالب وحافظ للعلم، فقد ذاكرته، ونسي كل ما كان يدرسه أيام التحصيل، وهناك وظائف لاتحتاج لتكون حفاظة وعلامة، وصاحب نباهة وحدقة، كل ما ينبغي حفظه فقط كلمة خفيفة لا تنسى (نعم آسي) وهي الرائجة في جميع الدوائر المخزنية.
مع وسائل الاتصال الحديثة، صارت ذاكرة الشعوب العربية المشرقية والمغربية، معرضة بسرعة للإصابة بـ ألزهايمر، التي يتعرض لها كل فرد منذ الشباب الباكر. على عكس ما كان يتداول أن هذا المرض يصيب الانسان عند بلوغه سن الشيخوخة. فالعالم العربي وما يقع اليوم من خسارات تلو خسارات فادحة في الأرواح، فقد صوابه ودخل في معمعان التقتيل، والترهيب، والترغيب. وستأتي سنوات قادمة بسبب كل ما يقع الآن، سيؤثر على ذاكرتنا الجماعية، ونريد أن نتخلص من الرهاب والخوف، وصور الفواجع، والدمار. ونريد محوها ولا نستطيع، من هول فظاعة ما يقع ويحدث، والسبب هي بعض القنوات المزيفة التي تشعل فتيل الحروب بين الدول التي لاطائل منها.
الكثير منا بلا ذاكرة محفظة، مجمل ما يصلنا من فيديوهات وصور ورسائل رقمية، تتم قراءتها ومشاهدتها، ثم مسحها ببرودة دم، حتى لو كانت تلك المتعلقة بحياتنا الشخصية والحميمية.
وأمام تضخم المشاكل، واستهلاك وسائل التواصل الحديثة، بشكل حد الإدمان، الناس فقدوا ذاكرتهم، وصاروا يضيعون أغراضهم بعد أن تكالب عليهم الكسل والخمول، وصار كل ما يحتاجونه يستنجدون بمحرك البحث العالمي، في مواقع الانترنت لإيجاد ضالتهم من المعرفة التي تكون في أحيان كثيرة غير صادقة.
ومع الاستهلاك اليومي، لكل الأفلام التركية المدبلجة بطريقة رديئة، التي تَمتدُ سلسلتها لسنوات، لم نعد نتذكر من حياتنا الماضية أي شيء، أو الاحتفاظ ببعضها مقيدا في المذكرات الشخصية، للعودة إليه عند الحاجة والضرورة. وأيضا فالفضائيات والقنوات المنتشرة في كل مكان بالعالم ضيعت علينا فرصة أن نختار أشياءً جميلة تليق بنا، ونُكون منها ذوقا يليق بمستوانا النفسي والعقلي.
من أسباب ألزهايمر وبداية الخرف، ليس فقط تناول أدوية ومخدرات زيادة عن اللزوم، بل أيضا العامل النفسي والصراع اليومي مع الآخرين في دواليب الحياة من غير سبب، في العمل، أو البيت أو داخل المحيط الأسري، لو افترضنا أن شخصنا، سألناه عن تفاصيل دقيقة في حياته، سنجده أن نسيها بسرعة، وهذا الفقدان الطفيف في الذاكرة، سببه الثقة الزائدة عن حدها في كل ما هو إلكتروني؛ وننسى أنها هي الأخرى معرضة لعطب سريع في ذاكرتها مهما كانت جودتها وقيمتها المادية.
ألم نلاحظ أن يوميا تظهر حالات غير عادية، لأشخاص يفقدون ذاكرتهم بسرعة غريبة وغير منطقية، فهناك من ينسى سيارته بعد أن يكون قد ركنها في مكان معين، ويعتقد أنها سرقت منه، ويذهب إلى قسم الشرطة للتبليغ. ومن أعراض ألزهايمر أيضا أنك تجد شخصا يعيد نفس الكلام في كل وقت، ويستخدم تضخيم الأناة، ويحكي لك أشياءً غير منطقية، يكون فيها دائما هو البطل «السبدرمان» ومحور الدائرة. وعلى ذكر «السبدرمان» هناك زوج عاد إلى بيته في وقت متأخر من الليل، وانتبهت إليه زوجته التي ظلت تنتظره أنه يلبس ثبانا فوق سرواله، وما كان منها إلا أن علقت عليه قائلة (تْبَارْك الله على السبدرمان) لأن المسكين كان يقضي وقته في بيت عشيقته، ولما أراد العودة إلى بيته ارتدى ملابسه بسرعة. وكان ماكان.
ويبقى ألزهايمر وأعراضه، هناك من ينسى في أوقات مختلفة محفظته وأغراضه في أماكن لايتذكرها، أو يضع كتبه وملابسه في الثلاجة أو ينسى قن بطاقته البنكية ويضطر استرداده أكثر من مرة من المؤسسة البنكية التي يتعامل معها .