ذكرى 8 شباط 1963
أقوال وآراء بشأن إعدام الزعيم عبد الكريم قاسم ومن معه في دار الإذاعة – سيف الدين الدوري
الفريق الركن نعمة فارس يتحدث لصحيفة القدس العربي الصادرة في لندن عن الايام الاولى لقيام حركة 8 شباط فيقول” وفي الحال خرج علي صالح السعدي من غرفة القيادة واصطحبني معه وقال لي أريد أن يقابل عبد الكريم قاسم عند وصوله الى دار الاذاعة بكل أحترام وان يشعر بذلك ولا أريد أي مظهر فوضوي أو يدل على عدم التزام الجميع بما أقوله . وأرجو أن تتولى هذه المسؤولية فورا. فأجبته بالايجاب وناديت جميع العسكريين الموجودين في الساحة الامامية للاذاعة وفي الشارع الرئيس بصوت واضح طالبا انتباههم لي بالقول أن الزعيم عبد الكريم قاسم يصل بعد قليل الى هنا، وأن قيادة الثورة تطلب منكم جميعا أن توجهوا فوهات أسلحتكم الى الارض وأن يقابل بكل احترام وأن لا يمسه أحد أو يهتف ضده أحد وأن تتراجعوا الى الخلف بحيث يكون الطريق مفتوحا من الشارع حتى مدخل دار الاذاعة لكي يسلكه عبد الكريم قاسم ومجموعته بكل حرية بدون أية مضايقات، ويمنع الرمي نهائيا الا دفاعا عن الموقع ومن قبل القوة المكلفة بذلك وهي سرية الدبابات الاولى فقط، وأن أية مخالفة لكل ذلك سيكون حسابها عسيرا من قبل القيادة”
وعن وصول قاسم الى مبنى الاذاعة يقول الفريق الركن نعمة فارس” وصل عبد الكريم قاسم الى مبنى الاذاعة والتلفزيون وكانت تبدو على وجهه ملامح ابتسامة خفيفة ولا ادري أن كانت حقيقة ام مصطنعة . وبعد أن اكمل تسلق سلم الاذاعة الخارجي التقى به علي صالح السعدي الذي كنت اقف الى جانبه، وصافح ببرود كل منهما الاخر، وأستمر بالمسير الى داخل الاذاعة متوجهين الى غرفة كبيرة تدعى – صالات الاخوة- التي كانت قد افتتحت قبل فترة وجيزة من قبل عبد الكريم قاسم، وكان بداخلها معظم أعضاء القيادة الجديدة ومجموعة من الضباط وهم كل من حازم جواد وطالب شبيب وأحمد حسن البكر وهاني الفكيكي ومحسن الشيخ راضي وعبد الستار عبد اللطيف وصالح مهدي عماش وعبد السلام عارف وطاهر يحيى وعبد الغني الراوي ورشيد مصلح وخالد مكي الهاشمي وحردان عبد الغفار والرائد المظلي عبد المنعم حميد، ولم أشاهد أحدهم قد صافح عبد الكريم قاسم واثناء المناقشات مع عبد الكريم قاسم خاطبه علي صالح السعدي : لماذا أعدمت ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري؟ وهل ذلك ضمن مخطط محاربة القومية العربية؟ فأجاب قاسم لقد تأمروا على الثورة وعليّ أيضا وحكمت محكمة الشعب عليهما بالاعدام وصادقت على الحكم.وهنا التفت علي صالح السعدي الى فاضل عباس المهداوي سائلا اياه : كيف أعدمتهما؟ فاجاب المهداوي بأنني تبلغت أمرا من الزعيم قاسم ، وقد أشار عليه بيده باعدامهما وحكمت بذلك. وأستدار علي صالح السعدي الى قاسم في أشارة لطلب الاجابة على ما قاله المهداوي ، فالقى قاسم بابتسامة ونظرة أستخفاف بالمهداوي وبأجاباته ولم ينطق بكلمة.وقال علي صالح السعدي موجها كلامه الى عبد الكريم قاسم : لقد تعرض حزب البعث العربي مؤخرا الى حملة شرسة من قبل أجهزتك الأمنية شملت على مداهمة أوكاره وأعتقال العديد من كوادره وأعضائه مع أنه ليس حزبا ممنوعا في العراق، وقد علمنا أن أحد الضباط قد أبلغك بنشاط الحزب وبأسماء كوادره فمن هو هذا الشخص؟ ولم يجب قاسم على السؤال ، وبعد الحاح علي صالح السعدي بضرورة الاجابة قال قاسم صدقوني لا أعرف ذلك”
ويضيف فارس قائلا” وأستمر علي صالح السعدي بتوجيه الاسئلة الى قاسم قائلا: لقد أتسم نظامك بالابتعاد كليا عن التوجه القومي الوحدوي بل محاربته كما عملت شخصيا على محاربة بعض الانظمة العربية مثل نظام جمال عبد الناصر المعروف بعدائه للاستعمار وبالتآمر عليه ، وحاولت عزل العراق كليا عن الامة العربية فلماذا؟ أجاب قاسم : انني عراقي وعملت لمصلحة العراق والشعب العراقي ونفذت رغبات الشعب ، كما قلت سابقا. ولم أحاول عزل العراق بل العكس كنت أعمل على انشاء العديد من الطرق التي تربط العراق بجيرانه ، وتعمل على أدامة الصلة بالعالم الخارجي والشواهد على ذلك معروفة لديكم ولم أتآمر على أي نظام عربي فهذه ليست من صفاتي. لقد حاولت جهدي أن أخدم الفقراء في العراق ولهذا وزعت عليهم الاراضي السكنية وساعدتهم بدعم مالي لبناء دور عليها. وفعلا تم بناء 30 الف دار ومدينة الثورة خير شاهد على ذلك. كما قمت ببناء دور سكنية للضباط والعسكريين في بغداد وبمنطقة اليرموك وزيونة وهي معروفة لديكم وللجميع وهؤلاء كانوا بحاجة لرعاية الثورة لهم ولعوائلهم وكنت خططت للمزيد من أعمال البناء والاعمار لشرائح من المجتمع العراقي في بغداد والمحافظات.، الا أن القدر شاء الا أكمل هذه المشروعات، وآمل أن تعملوا على الاستمرار بها خدمة للشعب العراقي ولمساعدة الفقراء من ابناء الشعب، وأتمنى لكم التوفيق ان كنتم لا ترغبون بأن أعاونكم في تحقيق ذلك . فقال علي صالح السعدي ان حال مدينة الثورة لا يدعو الى الفخر بهذا المشروع، كما لا يمكن وصفه بأنه حقق فائدة للشعب لانك ساعدت على الهجرة من الريف الى المدينة وأثقلت بغداد بأعباء كبيرة تتطلب الكثير من الخدمات . فقال قاسم هذه مسؤولية من يأتي بعدي ليعمل على اكمال نواقصها وخدماتها وآمل أن تنجحوا بذلك. وهنا طلب خالد مكي الهاشمي من علي صالح السعدي ان يسمح له بالحديث مع عبد الكريم قاسم ، وبعد الاذن قال خالد لقاسم : من أخبرك بأنني كنت أتآمر عليك بكتيبة الدبابات الرابعة؟ لقد أستدعيتني الى مقرك بوزارة الدفاع وأسمعتني كلاما غير لائق لماذا؟ قال قاسم توفرت لدينا معلومات عن قيامك وضباط كتيبتك بالتخطيط لتنفيذ انقلاب بالتعاون مع جهات أخرى ، ولكنني لا أذكر أن شخصا قد أخبرني عنك”.
طالب شبيب في مذكراته يتحدث عن أستسلام عبد الكريم قاسم بشكل مغاير لما ذكره نعمة فارس فيقول” استجاب قاسم لطلب الاستسلام أعلنا تعيين الرائد محمد علوان الذي كانت هناك نية لتعيينه معاونا لرئيس الاستخبارات العسكرية ليذهب ويشرف على عملية الاستسلام وأبلغنا عبد الكريم قاسم تلفونيا بأن الضابط المذكور سيتقدم نحوه غير مسلح ويحمل علما أبيض وطلبنا منه التهيؤ لاستقباله خلال خمس دقائق . وفعلا دخل الرائد علوان المبني وتوجه نحو البناء الداخلي وحينما صار على بعد أقل من عشرة أمتار عن المدخل أطلقت عليه عدة رصاصات من أحد الموجودين في الداخل فسقط قتيلا ،أثرت تلك الحادثة على نفوسنا فأصدرنا أمرا فوريا الى القوات وهي كثيرة لتقتحم المكان وتجلب قاسم بالقوة لانه خان العهد الذي قطعه بالاستسلام دون مقاومة وقتل ضابطا غير مسلح ، ولم نستطع حتى بعد استسلام قاسم أن نعرف من هو قاتل الضابط المغدور، وأغلب الظن كان كنعان حداد بسبب تورطه بقتل ثمانية من جنود وضباط هو الرائد ابراهيم التكريتي، وهو في طريقه للالتحاق بوزارة الدفاع كما أعتقد أن كنعان كان أرعن .( طالب شبيب ، المصدر نفسه، ص 100) .
مدخل الاذاعة
كنت أقف في مدخل الاذاعة ومعي عدد من الاشخاص بينهم صبحي عبد الحميد ( أصبح وزيرا للخارجية وللداخلية) عندما وقفت المدرعة الاولى أمام الباب الخارجي فترجل منها راكبوها وكان أول من تبرع بالضرب والشتم على عبد الكريم قاسم ومن معه هم الجنود وضباط الصف وبعض الضباط فتدخلنا لحمايتهم ،وتحملنا انا وصبحي ضربات كثيرة وبصاق من أشخاص عديدين وتمادى بعضهم محاولا الحاق الاذى الشديد بهم.( طالب شبيب، المصدر نفسه ، ص 101).
ويضيف شبيب قائلا ” تصرف علي صالح السعدي مع عبد الكريم قاسم والاخرين بحدة وساق له الاهانات وشتمه وسأله عن اسم الشخص الذي ابلغه بسر ثورة رمضان ، فرفض قاسم الاجابة ، فكرر السعدي متسائلا فيما اذا كان الواشي مودا الان بيننا في هذه القاعة ؟ فرد قاسم بالنفي.اقتيد عبد الكريم ورفاقه الى احدى غرف الاذاعة واظنها غرفة الموسيقى الشرقية حيث وقف قاسم والى جانبه كنعان وطه الشيخ احمد وفاضل عباس المهداوي كانوا اربعة ووقفنا نحن بمواجهتهم علي السعدي وحازم جواد وانا – طالب شبيب- وعبد الستار عبد اللطيف واحمد حسن البكر وعبد السلام عارف وعبد الستار الدوري وصالح مهدي عماش ولا اتذكر وجود محسن الشيخ راضي وهاني الفكيكي وكريم شنتاف. (طالب شبيب، المصدر نفسه، 102).
أما هاني الفكيكي فيتحدث عن لحظات وصول عبد الكريم قاسم الى دار الاذاعة في الصالحية مستسلما فيقول” دخل قاسم وصحبه منزوعي الرتب والنياشين ومن دون سلاح الى دار الاذاعة وسط ممرها الطويل بين صفين من العسكر يتقدمهم العقيد عبد الكريم مصطفى نصرت ولم يحصل أي اعتداء أو أهانة غير أن أحد الضباط الموصليين حاول الاعتداء على المهداوي بالضرب لكن علي صالح السعدي منعه ونهره. ودخل قاسم وصحبه الى قاعة من قاعات التسجيل الموسيقي وبادر حازم وحردان باخراج المقدم قاسم الجنابي ووضعه في غرفة أخرى لحمايته نظرا لما كان يقدمه للحزب من خدمات ومعلومات”(.هاني الفكيكي، المصدر نفسه، ص 249).
قصة الدقائق
نقلا عن المقدم الركن قاسم الجنابي مرافق عبد الكريم قاسم يتحدث اسماعيل العارف وزير المعارف في حكومة قاسم اللذين التقيا في لندن يوم 30/5/1984 وروى له قصة الدقائق الاخيرة لعبد الكريم قاسم لدى دخوله مبنى الاذاعة بعد ظهر يوم 9 شباط/فبراير 1963 فيقول ” عند الساعة الثانية عشرة والنصف من بعد ظهر يوم السبت المصادف 9 شباط سلم عبد الركيم قاسم نفسه وكذلك فعل الضباط الذين اختاروا البقاء معه الى آخر لحظة. وكان خارج وزارة الدفاع العقيد الركن محمد مجيد والمقدم هادي خماس ( كان أحد آمري أفواج لواء عبد الكريم قاسم وقد كان يثق به فأناط به حراسة بناية الاذاعة والتلفزيون) فصعد الزعيم عبد الكريم قاسم وطه الشيخ احمد الى دبابة لوحدهما وصعد قاسم الجنابي وفاضل المهداوي وكنعان خليل حداد الى مدرعة. وأتجهوا جميعا الى بناية الاذاعة والتلفزيون . وعندما وصلنا الى الاذاعة ساد الحاضرين من الجنود والضباط المحيطين بالبناية وجوم خيم على الجو صمت الاموات؟، فكنت اذا رميت أبرة على الارض سمعت رنينها، فانزل عبد الكريم قاسم من الدبابة وأستلمه بعض الضباط يتقدمهم المقدم عبد الستار عبد اللطيف وحاولوا درء الاعتداء والاهانة عنه. أما المهداوي وطه الشيخ فقد انهالت عليهما الضربات من كل حدب وصوب فجرح المهداوي براسه، واقتادونا الى داخل البناية التي كان يقف في داخلها عبد السلام عارف وأحمد حسن البكر وخالد مكي الهاشمي وعلي صالح السعدي ، ويقف الى جانب منهم المقدم عرفان عبد القادر وجدي وعبد الغني الراوي وبعض الضباط القوميين ممن لا تحضرني أسماؤهم، فوقفنا في وسطهم وهم يحيطون بنا أنا والزعيم عبد الكريم قاسم وطه الشيخ أحمد وفاضل عباس المهداوي والملازم كنعان خليل حداد، وجه علي السعدي سؤالا الى الزعيم عبد الكريم وقال ” كانت عندنا حركة قبل أسبوعين وأخبرك بها أحد الاشخاص فمن هو هذا الشخص؟ وهل هو موجود الان بيننا نحن الحاضرين؟ فأجابه الزعيم عبد الكريم ” لا يوجد هذا الشخص الذي أخبرني بينكم بشرفي” فرد عليه علي السعدي” من أين لك أن تفهم الشرف” فاجابه عبد الكريم قاسم ” ان لي شرفا أعتز به” والح علي السعدي في السؤال ثانية وثالثة، وقال أخيرا ” ماذا كان يعمل عندك المقدم خالد مكي الهاشمي عندما قابلك في وزارة الدفاع قبل اسبوعين؟” فأجابه ” أرسلت بطلبه لاستفسر عن صحة والدته” ثم أخذ يتحدث قائلا ” انني خدمت الشعب ونفذنا ثورة أنقذته من الاستعمار وهيأنا له العيش الكريم، وجئنا بهذا السلاح الذي تستعملونه ضدي لكي يشهر في وجوه الاعداء” وكان المقدم أحمد حسن البكر قلقا وقال لي” لماذا جلبتم هذا الشخص مشيرا الى عبد الكريم قاسم ؟ فقلت له ” أنا لم أعمل سوى خدمة بلدي” فقال ” اذن قف مع جماعتك حتى نرميك معهم” ثم توجه عبد السلام عارف يناقش عبد الكريم قاسم محاولا أن ينتزع منه أعترافا في ذلك الظرف الحرج في أنه هو الذي كتب البيان الاول لثورة 14 تموز وسأله من الذي كتب البيان الاول لثورة 14 تموز؟ فأجابه عبد الكريم قاسم اجابه غامضة لم تنل رضى عبد السلام عارف الذي راح يعاتبه لتركه أياه وأهماله وحبسه. ثم دخل المقدم عرفان وجدي وحردان التكريتي وسحباني من بين الجماعة وانقذاني من الاعدام . ثم أدخلاني غرفة السيطرة على التسجيل وجاءني حازم جواد ليبلغني قرار المجلس الوطني لقيادة الثورة باعفائي من الاعدام فشكرته والحزب على ذلك، وقلت له هذا فضل منكم انقذتم حياتي. ثم جاءني علي السعدي وعبد الستار عبد اللطيف وجلبا لي فطورا وسألني عبد الستار عبد اللطيف مستفسرا عن الشخص الذي أخبر عبد الكريم قاسم عن الحركة ؟ وهل هو الملحق العسكري في لندن عبد القادر فايق ؟ فقلت له ليس لدي علم مؤكد بذلك. والحقيقة ان الملحق العسكري بعث بتقرير خاص الى الزعيم عبد الكريم قاسم من انكلترا يخبره بتفاصيل الحركة وأسماء الضباط المشتركين فيها، وقد حصل على تلك المعلومات من أحد الضباط القادمين الى انكلترا في دورة قصيرة ولم أكن أعرف أسمه. ثم سألني علي السعدي ما اذا كنت احتاج الى شيء . وقدم لي احد الموظفين سجائر . وجاءني حردان التكريتي وقال لي” ابو سمير من الممكن أن تذهب الى بيتك ولكن أخاف عليك، فالافضل ان تذهب الى سجن سرية الخيالة لبضعة ايام”. (اسماعيل العارف، ، اسرار ثورة 14 تموز ، ص 417 – 418).
نقلا عن قاسم الجنابي مرافق قاسم يقول اسماعيل العارف” عندما اقتيد الزعيم عبد الكريم قاسم كان في كامل قيافته جذابا انيقا وقد حلق ذقنه قبل ذلك في صباح يوم 9 شباط وقد وعدوه قبل أن يستسلم بان يسمحوا له بترك العراق ولكنهم قرروا اعدامه بعدئذ. ولم يفقد رباطة جأشه وشجاعته. وعند الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم السبت 9 شباط اقتيد الزعيم عبد الكريم قاسم وطه الشيخ احمد وفاضل عباس المهداوي وكنعان خليل حداد الى استوديو التلفزيون وبلغوا بقرار المجلس الوطني لقيادة الثورة وباعدامهم رميا بالرصاص واعتبرت المناقشة التي جرت محاكمة سريعة له وللضباط الاخرين. فرفضوا وضع عصابة على أعينهم”. (اسماعيل العارف ، المصدر نفسه، ص 418). حازم جواد هنا يرد على ما جاء تحدث به نعمة فارس لصحيفة ” القدس العربي” موضحا ومفندا الكثير مما جاء به فارس فيقول حازم لصحيفة القدس العربي “كان عبد الكريم قاسم قد استدعى آمر الكتيبة المدرعة الرابعة خالد مكي الهاشمي وواجهه بالمعلومات التي عنده وحسب رواية العقيد الهاشمي كان بعض هذه المعلومات دقيقة وبعضها غثا ولا وجود له أثر هذا الاستدعاء على معنويات العقيد الهاشمي وأثار مخاوفه فأرسل رسالة شفوية الى الحزب بواسطة عضو المكتب العسكري والضباط عبد الستار عبد اللطيف يبلغنا فيها تجميد نشاطاته الحزبية كليا ويرجو التوقف عن الاتصال به وأنه جاهز للتحرك بشرط أبلاغه عند الاطاحة بقاسم قبل ساعة واحدة، فاوكلت مسؤولية الاشراف على تنظيم الكتيبة للاستاذ علي صالح السعدي ، وكان قد عاد مؤخرا من سوريا بعد قضاء عدة اشهر وبحكم مسؤوليته لتنظيم الكتيبة الرابعة وتوليه سابقا مهمة الاشراف على المكتب العسكري قبل ان تنتقل الى حازم جواد، واشترك السعدي ببعض اجتماعات المكتب رغم ان بعض أعضاء المكتب سبق ان قدموا استقالاتهم تذمرا من تصرفات علي صالح السعدي كما يقول حازم جواد، واحتجاجا على سلوكه في نيسان 1962 ومنهم احمد حسن البكر نفسه وعبد الستار عبد اللطيف ،الا ان حازم جواد يقول تدخلت لاقناع المستقيلين على سحب استقالاتهم في حينها وطلب عقد اجتماع للمكتب السياسي وتم الاجتماع في بيت أحمد حسن البكر حضره كل من صالح مهدي عماش وعبد الستار عبد اللطيف وحردان عبد الغفار وخالد مكي الهاشمي والبكر ، وتم الاتفاق على اعادة هيكلة الاتصالات والعلاقات داخل المكتب وبينه وبقية تنظيمات الحزب.
وحينما تم انتخاب السيد علي صالح السعدي للاشراف على نشاطات التنظيم العسكري داخل الكتيبة لم يغير من حالة الخلخل هذه ، ولسد هذه الثغرة واعادة تهيئة الكتيبة للتحرك واداء دورها المحدد ولرفع معنويات اعضاء في الكتيبة وتعريفهم بشكل غير مباشر الى ان الحزب يمتلك رصيدا لا ينضب من القيادات العسكرية ، وأقترحت على الرفيق علي صالح السعدي كما يقول حازم جواد أن يبلغ ضباط الكتيبة بأن الحزب قرر تعيين آمر لهم بمستوى رفيع لقيادتهم عند التحرك لتجاوز صدمة تراجع العقيد الهاشمي، وهذا القائد المقترح هو العقيد عبد السلام عارف الذي كان لاسمه اعتبارا مدويا لما عرف من جرأة واقدام تثير الاعجاب.
ويقول حازم جواد” ابلغني بعد ذلك علي صالح السعدي كيف أن هذا النبأ أحدث ما يشبه الرجة الكهربائية بما أثاره من بهجة وفرحة وحماس كانت دليلا على ارتفاع المعنويات وانتفاص الهمم وكيف دبّت بضباط الكتيبة روح الحمية والحماس والهممة وهم لا يكادون الا يصدقون أن أسد ومنفذ ثورة 14 تموز المحاصر في منزله سيكون القائد العسكري الذي سيشرف عليهم ويقود حركتهم العسكرية لخطة الحزم والحسم”
ويضيف حازم جواد” وبعد التبليغ الذي نقله علي صالح السعدي لضباط الكتيبة وتبليغي لعبد السلام بهذه المهمة تمت مناقشة كل التفاصيل المتعلقة بالمهمة حتى اعداد البدلة العسكرية المطلوب ان يرتديها عند البدء بالحركة”.
ويرد حازم جواد على نعمة فارس مفندا الكثير مما جاء في حديثه عن حركة 8 شباط/فبراير 1963 وكيفية اختيار عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية فيقول في رده الذي نشرته صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن على حلقات قاربت العشرين ” لقد جاء تعيين عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية منسجما مع الاهداف المعلنة للحركة ، وما أعلنته في بيانها الاول من أنها ليست الا حركة تصحيحية تهدف الى اعادة ثورة 14 تموز /يوليو لمسارها الصحيح ، اذ كان عبد السلام عارف هو القائد الحقيقي لثورة تموز وعلى رأس القطعات العسكرية التي نفذت الثورة وعودته للواجهة تعبيرا لعودة الثورة لاهدافها الاساسية”.
ومن الوثائق المدونة التي اطلعت عليها وجدت أنه في 15 شباط/فبراير 1963 منح المجلس الوطني لقيادة الثورة عبد السلام عارف رتبة مشير . وذلك كما جاء في البيان بناءا على الخدمة الجليلة التي قدمها عارف للبلاد وللامة العربية في ثورة 14 تموز. كما تضمن البيان:
اولا- الغاء المرسوم الصادر في 11 ايلول 1958 الذي أصدره عبد الكريم قاسم بأعفاء العقيد الركن عبد السلام عارف من منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة .
ثانيا- منحه رتبة مشير ركن اعتبارا من 8 شباط 1963.
ثالثا – اعتبار الفترة الواقعة بين 11 ايلول 1958 و8 شباط 1963 خدمة له لاغراض قانون خدمة الضباط وقانون التقاعد العسكري .
وعن انقلاب 8 شباط يتحدث الرئيس العراقي الاسبق أحمد حسن البكر لمجلة ( الشباب) في عددها الصادر في شهر شباط/فبراير 1969 فيقول” ان نقاشا دار قبل ما يزيد على الثلاثة اشهر من تنفيذ الثورة يتعلق بعبد السلام عارف ، وقد سألني صالح مهدي عماش عن فردية عبد السلام فأجبته مؤكدا على ذلك ، وبعد ذلك اتفق الجميع على عدم الاتصال بعبد السلام عارف وعدم اخباره بالثورة حيث اصر الجميع على عدم تبليغ عبد السلام ، وفعلا لم يبلغ بساعة الصفر ولم يعلم شيئا عن تنظيماتنا وخططنا، وكان هناك قرار بتعيينه سفيرا في أي مكان يختاره بعد نجاح الثورة)
وفي الاجتماع الخاطف الذي جرى في دار المرحوم عبد اللطيف الحديثي قال حازم جواد انه أعطى كلاما لعبد السلام عارف بتبليغه ، وفعلا لم يبلغ بساعة الصفر ، ولكن أتفق على الاتصال بعبد السلام عارف بعد أعلان قيام الثورة ، وفعلا فقد تجمع الضباط صبيحة 14 رمضان وأنطلقوا لينفذوا واجباتهم بدقة، وكانت أشارة البدء ظهور الطائرة التي يقودها منذر الونداوي. وبعد أن سيطرت قوى الثورة على معسكرات الرشيد والوشاش ومرسلات أبو غريب التقينا بعبد السلام عارف وكان راكبا سيارة يقودها الاخ عدنان القصاب ، وقد ركب معنا عبد السلام في الناقلة حيث اتجهنا الى دار الاذاعة ، وقد اشترك عبد السلام في تنفيذ مراحل الثورة بعد أن أنجزنا جوانبها الاساسية. (أحمد حسن البكر، المصدر السابق)
وفي عصر يوم الثورة جاءني علي صالح السعدي وسألني رأيي في أن يكون عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية ، فقلت له هذا رأيك أم رأي الحزب؟ قال انه رأي القيادة ، فالتزمت بالامر رغم قناعتي بعدم صلاحية عبد السلام لتولي هذه المسؤولية الكبيرة ، وجاءني السعدي ايضا يسال عن رأيي في موضوع تعيين طاهر يحيى رئيسا لاركان الجيش وقد قبلت ذلك انسجاما مع رأي الاكثرية في قيادة الحزب.(احمد حسن البكر، المصدر نفسه)
والغريب أن خلافا كان قد نشب منذ الاسبوع الاول بين علي صالح السعدي وعبد السلام عارف ، وأن خلافا كان قد دب داخل قيادة الحزب وعمل عارف على أستغلال هذا الخلاف كل الاستغلال من أجل تحقيق نزوعه الفردي بعد أن التزم حازم جواد جانب عبد السلام عارف ضد علي صالح السعدي الذي انحاز الى الحرس القومي .(احمد حسن البكر، المصدر نفسه)
في مساء ذلك اليوم التاسع من شباط ذهبنا حازم جواد وعلي صالح السعدي ومحسن الشيخ راضي وأنا- هاني الفكيكي – الى مقر اللواء التاسع عشر في معسكر الرشيد حيث وجدنا بعض الضباط من أركان عهد قاسم يخضعون لللاستجواب كالعقيد حسين خضر الدوري عضو محكمة الشعب والعقيد عبد المجيد عبد الجليل مدير الامن العام واللواء أحمد صالح العبدي رئيس أركان الجيش وكثيرين غيرهم ، كانت القاعة الرئيسة في مقر اللواء مليئة بالضباط الذين لهم علاقة والذين لا علاقة لهمبالثورة ، ومعظمهم يستجوب ويسأل ويحاسب . كانت الفوضى حقيقية وهياجا عصبيا والجو الثأري يخيم على أجواء القاعة الكبيرة وشتائم بعض الضباط الصغار تنهال بدون حساب بما فيها من اهانات واذلال ، حاولنا ضبط الامور، وعلى ما أذكر استدعى حازم جواد بعض الضباط ومنهم أنور الحديثي وطه الشكرجي وحميد السراج وطلب اليهم تهدئة الضباط قائلا : ان لجانا خاصة بالتحقيق ستشكل ، كما طلب جردا بأسماء المعتقلين من كبار الضباط . (هاني الفكــيكي ، المصدر نفسه، ص 252 – 253)
وقبل مغادرتنا جيء بالعميد الركن اسماعيل العارف – وزير المعارف في حكومة قاسم- وأخيه صفاء فطلب علي صالح السعدي بصوت عال الى جميع الضباط احترامهما وعدم التعرض اليهما لانهما ضيفاه الشخصيان فهما أبناء قريته تربطه بهما صلة قربى بعيدة, وطلب لهما الشاي وتحدث بادب وأحترام مع اسماعيل وطلب اليه أن يكتب تجربته مع قاسم وكل ما يعرفه عن مسألة الكويت والنفط ، كما اوصى الضباط المسؤولين به وبأخيه خيرا . (هاني الفكيكي، المصدر نفســــه، ص 254).