أقلام تخلّد مكانة بهرز التاريخية والثقافية
بغداد – أحمد رباح السامرائي
تُعَدُّ بهرز، واحدة من أهم مدن العراق التاريخيّة، وهي التي ظهرت على أرضها مملكة اشنونا القديمة، وتتبع إداريًّا قضاء بعقوبة – مركز محافظة ديالى، حيث تبعد عن مركز القضاء حوالي 5 كم تقريبًا. وإضافةً إلى عُمقها التاريخي، تعتبر بهرز ذات عُمق ثقافي عريق، يمتد هذا العمق الثقافي إلى حقب زمنيّة متعاقبة، فمن الأسباب التي مَهَّدَتْ لذلك، قربها من بغداد، واعتبارها معبرًا تمُر منه البضائع التجاريّة والثقافات البشريّة المتنوّعة.
يُشير الباحث والكاتب قاسم صالح البيك، إلى أنَّ تأسيس بهرز يعود إلى النصف الأول من القرن السادس الميلادي، فيذكر في كتابه: (فتأسيس بهرز كما أرجع الرجيبي تاريخ نشأتها أنه تم بتاريخ إنشاء المدائن، وكان ذلك قبل ولادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بخمسين عام، أي في 521).
وللمكانة التاريخيّة والثقافيّة التي تشغلها هذه المدينة، حدث أن تصدَّت أقلام مجموعة من الباحثين والكُتّاب لتناول جوانب معرفيّة مختلفة تشتمل عليها مدينة بهرز، فمن البحوث والرسائل الجامعيّة، إلى المقالات الصحفيّة والأوراق البحثيّة والنشر الالكترونيّ الرصين، إلى الكتب التي بحثت في جوانبها المعرفيّة وتراثها وموروثها الثقافي، ومن تلك؛ كتاب «بهرز في التاريخ» للباحث والكاتب قاسم البيك، و كتاب «صفحات من تاريخ بلدة بهرز _ الجزء الأوّل» للباحث و المؤرِّخْ المرحوم «محمد جاسم البهرزي»، وكتاب «بهرز في ذاكرة المرحوم الحاج نوري حبيب النجار».
ويُعَد كتاب «بهرز في التاريخ» للأستاذ قاسم البيك، الصادر عن المطبعة المركزيّة بجامعة ديالى، سنة 2018، أوّل كتاب مطبوع حول بهرز. والكتاب عبارة عن دراسة تاريخيّة، جغرافيّة، اقتصاديّة، اجتماعيّة وثقافيّة، أورد في فصله الأوّل: شيء من تاريخ سهل ديالى الأسفل، وفي الثاني: بهرز عبر العصور، وفي الثالث: الناحية الجغرافيّة والاقتصاديّة والاداريّة، وفي الرابع: الناحية الاجتماعيّة، وفي الخامس: التربية والتعليم والكوادر العلميّة والاداريّة في بهرز، وفي الفصل السادس والأخير: الثقافة والفن في بهرز في القرن العشرين. وقد احتوى كل فصل من فصوله على موضوعات رئيسيّة وفرعيّة تخدم عنوان الفصل، فيما بلغت عدد صفحات الكتاب (222) صفحة.
وذكر البيك في مقدمة كتابه: «أنَّ المجتمع البهرزاوي كان ولا يزال منفتحًا متنوّعًا ومستقرًا تتوافر فيه كثير من أسباب المعيشة، فكان لا يغادره الوافدون إليه».
أما المطبوع الثاني، فهو الكتاب الذي يحمل عنوان «صفحات من تاريخ بلدة بهرز _الجزء الأول» للباحث والمؤرِّخْ الأستاذ المرحوم «محمد جاسم البهرزي»، الصادر عن دار آراء، ببغداد، سنة 2024. (والكتاب عبارة عن رصد دقيق ومراقبة واعية لتيار الأحداث الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي شهدتها بهرز بين سنة 1945 – 1985)؛ هكذا يذكر المؤلِّف في مقدمة كتابه، ويتابع قائلاً: «حيث كنت أُسَجِّل الوقائع المُهِمَّة على شكل يوميّات في مُفَكِّرتي». وقد وضع عنوان الفصل الأوّل من كتابه: بهرز.. آراء في تسميتها، وفي الثاني: خطط بهرز ومعالمها المعماريّة، وفي الثالث: جوامع بهرز ومساجدها ومعابدها وتكاياها القائمة اليوم – والتي خربت قبل عدَّة سنين -،
الوفي الرابع: الأماكن والتلول الأثريّة في مختلف أرجاء ناحية بهرز، وفي الخامس: تاريخ التنمية الزراعيّة في بهرز، وفي السادس: الحبور في تاريخ النخل والتمور في بهرز، وفي السابع: تاريخ الفئات الحرفيّة البهرزية وما يتصل من صُنّاع ومهن وباعة، وفي الفصل الثامن والأخير: النقود والموازين والمكاييل والمقاييس في العهود الأخيرة من تاريخ بهرز. وقد احتوى كل فصل من فصوله على موضوعات رئيسيّة وفرعيّة تخدم عنوان الفصل، فيما بلغت عدد صفحات الكتاب (362) صفحة، كانت قد تكفَّلَتْ بطباعته عائلة الباحث والمؤرِّخْ.
وتجدر الإشارة، إلى كوننا قد وقفنا على أربعة أجزاء من الكتاب، طُبِعَ الجزء الأوّل منها فقط، وبقيّة الأجزاء ما زالت لم تُطْبَع، وهي مخطوطة بيد المؤلِّفْ، وفيها من المعلومات التاريخيّة حول المدينة ما يصعب العثور عليها في أيِّ مصدر آخر، فلقد بذل المؤلِّفْ جهدًا كبيرًا في جمع وإخراج تلك الدفائن، التي تشتمل عليها أخبار مدينة بهرز العريقة. ليس هذا فقط، بل كتب المؤرِّخْ البهرزي مزيدًا من التآليف المُتَنَوّعة، التي ما زالت هي – أيضًا – لم تُحَقَّقْ ولم تُطْبَعْ.
والمطبوع الثالث، هو الكتاب الذي يحمل عنوان «بهرز في ذاكرة المرحوم الحاج نوري حبيب النجّار» للباحث والكاتب المرحوم الأستاذ نوري حبيب النجّار، الصادر عن المطبعة المركزيّة بجامعة ديالى، سنة 2025. والكتاب عبارة عن مجموعة من المرويّات المأخوذة من الجلسات مع عدد من مُعَمِّري البلدة، في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، والتي وثَّقتها يد المؤلِّف، وقد أشار المؤلِّف – رحمه الله تعالى – في كتابه، إلى فقدان عدَّة نسخ مما تمَّ تدوينه من أحداث. وكانت قد تكفَّلَتْ عائلة المؤلِّفْ بجمع وترتيب موضوعات الكتاب، وطباعته وتوزيعه، لتبلغ عدد صفحاته (362) صفحة.
إنَّ تلك الجهود التي بُذِلَتْ في سبيل حفظ تراث وموروث المدينة التاريخي والثقافي، إنّما هي نابعة من الحرص الشديد على حفظ حقب تاريخها، فضلاً عن تذكيرنا – نحن أبناء المدينة – بضرورة التعرُّف على ماضي وأحداث ومواقف المدينة، وقراءة حاضرها، ومحاولة الربط بين ماضيها وحاضرها، لفهمٍ أعمق لسياقاتها التطوّريّة المستقبليّة.