أقراص كبة

أقراص كبة

 لم تمتلك شيئاً لتأكله اغرورقت عيناها بالدموع تطلعت الى ابنتها نور ذات الوجه البريء كصفاء السماء الخالية من الغيوم يتناقض مع ما يعتمل في اعماقها من ضخب واحتياج.

اخذت اصابعها تعبث بتوتر بالخاتم الذي في اصبعها شحن جسدها بالتوتر وهي تحس بحرارة الحاجة اخفت وجهها ولم تجرؤ على النظر الى نور فتفضحها دموعها غرزت اظافرها في راحتيها لاول مرة تشعر بالعجز فعقب موت زوجها لم تشهد ابتسامة بلعت ريقها محاولة منها لتمالك نفسها فهي تذكرت احداث ذلك اليوم المشؤوم كانت في طريقها للعودة الى المنزل بعدما كنت عند طبيبتها لتفحص صحة الجنين قُتل زوجها اثر رصاصة مجهولة م حدث دون ان تشعر تم اجهاض الجنين في عمر4  اشهر دائماً تسأل نفسها كيف بأمكانها ان تحبس آلامها .

كانت تقلب صفحات الجريدة اتجهت الى والدتها مسرعة

مام انظري الى اقراص الكبة هي نفسها التي تعمليها لي هل بأمكانكِ عملها اليوم؟

لم تستطع ان تتمالك اعصابها فحضنت ابنتها سريعاً وقالت لها سوف اعمل لكِ الكثير منها

اخذت نور واوصت بها جيرانها (ام نبيل ) اخبرتها انها لن تتأخر ساعة وترجع لتأخذها عقلها الباطن بدأ يحدثها كانت متلهفة لايجاد حل لوضعها كان من المستحيل ان تخطر في بالها هذه الفكرة لولا نور واقراص الكبه في الجريدة لكن اللحظة شاءت وتفجرت كل خلية في جسدها بالفكرة ذهبت الى صاحب المحل القريب واخبرته عن فكرتها وهي انها جيدة في عمل اقراص الكبه وتستطيع تجهيز المحل كل يوم صباح واخبرته بامكانه وضعها تحت التجربة صمت قليلا استطاعت ام نور ان تقرأ استسلام صاحب المحل للفكرة

اخبرها بلطف ; عليكِ ان تعملي كمية جيدة وان تهتمي بنظافة عملكِ وان تغلفيها جيدا ولن ادفع لكِ الا بعد يومين ..

كانت ناضجة فيما فيه الكفاية لتحتوي كلام صاحب المحل ,

لاعليكَ غدا صباحاً سوف اكون هنا ومعي اقراص الكبة.

خرجت مسرعة وذهبت الى الصائغ ومع بعض الارتباك استطاعت ان تعرض حلقة زواجها للبيع لم يغمرها شعور السعادة انذاك بقدر شعورها بأنها سوف تحقق حلا لمشكلتها ليس بأستطاعتها ان تغمض عين ذاكرتها وان تتناسى المشهد كاملاً عندما اقترب وليد منها والبسها خاتم الخطوبة والحفلة التي اقيمت في منزلهما تنفست بعمق علها تستطيع اخفاء مشاعرها المضطربة بدأت تُساير نفسها على ما فعلت وانها سوف تشتري اجمل من خاتمها وفاء لذكرى زوجها ..

رجعت الى البيت محملة بأكياس الرز والبهارات وكل ما يستلزم لعمل مشروعها البسيط مهما يكن ربحها فأن عملها سوف يعطيها المناعة الكافية لكي تتدبر امر خلاصها ومن وضعها الصعب وان لا تسقط في حفرة العازة والاحتياج

في سرعة مدهشة اكملت اقراص الكبة وقامت بترتيبها في الصحون السفري التي اشترتها وقامت بتغليفها على الرغم من مشاعر التعب والتعابير الممزوجة بين الياس والحزن الا انها استطاعت ان ترسم على شفتيها ابتسامة هي لا تستطيع الحكم على اهمية ما قامت بفعله لكنها مغمورة بشعور الرضا وبفضل الله وفضل يديها الناعمتين استطاعت ان تتناول ثمن اول وجبة لها من اقراص الكبة

اصبح لها شهر وعلى ما يبدو ان الناس بدأوا يحبون كبتها وان صاحب المحل اثنى عليها وعلى عملها بالرغم من استغلالها في الثمن اول عمل قامت به وهو تسديد مبلغ الايجار عليها ان تذهب اليه لكي ترد اليه الجميل قولاً وفعلا.

قاومت رعشة اعترتها وهي تفكر بما يخبئه المستقبل لها اذا كان صاحب المنزل جاداً فيما يقول امهلها سبعة ايام لتفرغ البيت وتجد مكاناً اخر .

شعرت بعصبية بالغة وخيبات امل كثيرة ليس لها احد تطلب منه المساعدة سوى (ابو احمد ) صاحب المحل ,

_انت تعلم انني اعمل باخلاص تعرضت لظروف صعبة اتمنى ان تساعدني لانني بحاجة الى المال اكثر كي اجد منزلا استأجره عندما فقدت الامل في مساعدته خرجت مزعوجة من المحل اصطدمت برجل يبدو انه رجل وقور يبلغ من العمر 40 استدار الرجل نحوها بسرعة ونظر اليها بحدة وفي لحظة الصمت وجدت في عينيه حنان لا يمكن المساومة عليه

_اسفة لم لكن ارى امامي

لا عليكِ انا اتيت لكي اسأل صاحب المحل عن اليد التي تعمل الكبة على ما يبدو انه لا يريدني ان اعرف وهذه للمرة الثانية انا هنا ؟!

رفعت حاجبها متعجبة !!

ملاحظته في معرفة من هو الذي يقوم بعمل الكبة جعلت قلبها يطير خوفاً ..

سألته بفضول ؟ لماذا هل انها غير مناسبة لمقياس الجودة

_قهقه بشكل مفاجئ ورد بقوة

لا على العكس انا املك معملاً لعمل الكبة اجهز بها المحلات والمطاعم واود ان استقطب اليد التي تعمل لابو احمد..

بدون اية مقدمات قالت له : انا هي من تعمل الكبة.

حقاً يجب ان اهننئكِ على عملكِ المميز من اين تعلمتي صنعها ؟

جدتي ربتني منذ كان عمري عشر سنوات وكانت تملك بيتاً كبيراً ودائما تسالني وتطلب مساعدتي لها في المطبخ وعلمتني.

_انتِ محظوظة لانكِ لديكِ جدة استطاعت ان تقدم لكِ شيئا رائعاً تستطيعي ان تستفيدي من خلاله .

ها انتِ قد وجدتِ طريقاً اخر لتسويق عمل يدكِ.

لم تصدق انها منذ ساعات كانت تنتظر مساعدة ابو احمد لها بفارغ الصبر.

بدا ذهنها يعمل جاهداً لكي تخبره بانها بحاجة الى مساعدة لكن هناك شيئا من الحذر منعها من اخباره

نبرة صوتها والاحمرار على وجهها دفعه ليسألها ؟

_بالحقيقية انني بحاجة الى منزل خلال سبعة ايام فقط هل تساعدني ؟

بدأت تراقب التعبير الذي بدأت واضحة على ملامحه جاء صوته هادئاً.

لا عليكِ املك بيت صغيراً بالقرب من بيتي تستطيعين الانتقال اليه وان تباشري في عملكِ لدى معملي.

كانت فطنة استطاعت ان تدرك ان مصيرها بين يديها وان تتحدى المصاعب التي واجهتها مهما غرقنا بدموع احزاننا لا بد ان يبعث الله لنا القارب الصغير لنصل الى ضفة الراحة .

 ابتدأت خيوط الشمس تسلل الى عتمتها ..

وسلاماً لكل امرأة ايقظت وجدانها وواجهت معركة الحياة بكل رضا وقناعة وابقت قدماها ثابتة عن الطريق الصحيح ..

ازهار الانصاري – بغداد

مشاركة