كلام صريح
حسن النواب
كثير من الأدباء لا يجيدون سوى مهنة الكتابة في حياتهم، وأذكر في لقاء مع الروائي الكبير نجيب محفوظ أنه ذات ليلة تعرّض مصباح غرفته إلى التلف ولم يعرف كيف يستبدله فأمضى ليلته بظلام دامس، بينما هناك أدباء مارسوا عشرات المهن في حياتهم بحثاً عن لقمة العيش، تذكرت ذلك عندما وجدت سيارتي القديمة لا تعمل، ومن خلال خبرتي كسائق دبابة لعشرات السنوات في الحرب، عرفت أن بطارية السيارة قد نفد شحنها، فأستعنت بسيارة زوجتي لشحن البطارية من خلال رابط توصيل، غير أن محاولتي باءت في الفشل، كنت أعرف أن الاتصال بكهربائي سيارات لتصليح البطارية سيكلفني أكثر من مئة وخمسين دولارا بمجرد تشخيص الخلل، ولكن لم يبق أمامي سوى هذا السبيل، ولما حضر الكهربائي بعد نصف ساعة، نجح بسهولة من تشغيل السيارة بنفس الطريقة التي حاولت فيها، ويبدو أن الخلل كان يكمن برابط التوصيل الذي استخدمته إذ كان عاطلاً ولم أكن أعرف ذلك، هنا في بلاد المهجر كثيرا ما يكون تصليح عطل لسلعة ما أكثر كلفة من شرائها جديدة؟! مثلا عندما تعرّض حاسوبي إلى هجمة فايروسية شرسة وتعطّل تماما، وبعد أن عجزت من إصلاحه بمفردي، حملته مضطرا إلى مصلّح حواسيب، وفوجئت أنه طلب سعراً يقترب من شراء حاسوب جديد من المتجر، فرفضت عرضه وعدت محاولا إصلاحه على مدى سبعة أيام متتالية دون جدوى، حتى رميت به إلى المزبلة وذهبت منكسراً لشراء حاسوب بالتقسيط، وحتى أعوّض شيئاً من تكلفة الحاسوب الجديد، قررت استبدال زيت محرك السيارة بنفسي، حيث أن استبدال الزيت لدى ميكانيكي السيارات يكلف أكثر من مئتين دولار، وهكذا اشتريت عبوة زيت جديدة مع فلتر وتوكلت على الله وانبطحت بعد الظهيرة تحت سيارتي لفتح صامولة صندوق الزيت، بينما كانت زوجتي تساعدتي في مهمتي العسيرة من خلال إعطائي المفاتيح لغرض إيجاد مفتاحا مناسبا لفتح الصامولة، كنت أهتف عليها من تحت السيارة « سبانة 14، سبانة 16،سبانة 20، والمسكينة لن تتأخر طويلا حتى تضعها في يدي، لكني واجهت صعوبة بفتح الصامولة لأن موضعها كان بنقرة شبه مقعرة، وباءت كل محاولاتي بالفشل والشمس أوشكت على الغروب، وشعرت أن زوجتي جزعت من عملها حتى إنها قالت: الله يساعد الذي يعمل معك؟! خرجت من تحت السيارة والعرق يتصبب من وجهي، ومن المؤكد أن لطخات زيت أسود قد توزعت على وجهي، عرفت ذلك من إبتسامة زوجتى الشامتة، دخّنت سيجارة على عجلٍ وعدت أزحف تحت السيارة وأنا أصرخ بزوجتي سبانة 18، ثم طلبت منها أن تحضر المصباح اليدوي وتضيئه حتى أستدل على مكان الصامولة، بعد شتم حظي العاثر ولعنات لا تعد ولاتحصى على صامولة صندوق الزيت اللعينة تمكنتُ من فتحها ولما عرفت زوجتي بهذا الخبر السار هتفت اللهم صل على محمد وآل محمد، حتى كادت تزغرد لولا خجلها من الجيران، أفرغت الزيت القديم، كان لونه كالزفت من شدة تلفه وإحتراقه، وسكبت الزيت الجديد بعد أن أحكمت غلق الصامولة مرة أخرى ونجحت من استبدال فلتر الزيت أيضا، عندما إنتهيت كان الظلام قد انتشر في سماء مدينة بيرث، ورأيت السبانات والدرنفيسات والبراغي منتشرة حول السيارة بمشهد مقزز، تركت كل شيء على حاله ودخلت إلى المنزل منهكاً، غسلت يدي على عجل ورميت جسدي على السرير لأغط بنوم عميق من التعب، عندما استيقظت عند الضحى أخبرتني زوجتي أن ساق شجرة الخوخ ينز صمغاً؟؟ وهذا يعني أن مهمة جديدة تنتظرني لمكافحة مرض خطير أصاب شجرة الخوخ قبل أن يفتك بها، خرجت من المنزل قانطاً لأشتري مبيداً مناسباً لذلك المرض، وثمة فكرة بدأت تلح على خاطري أن أهجر مهنة الكتابة إلى الأبد وأتفرغ لأعمالي المنزلية.