رجل يقيم في منطقة الحرية ببغداد ويؤلف رواية
أضواء على الإستعراب الياباني – اضواء – محمود عبد الواحد محمود القيسي
أتسومو أوكادا أو وفقا الى اسمه الروائي شيغيرو أويمورا ، مستعرب ياباني ولد في اليابان في 23 تموز 1945 ، وتخرج من قسم الآداب الشرقية في جامعة أوساكا في عام 1970، حيث تضم جامعة أوساكا واحدا من أقدم أقسام اللغة العربية وآدابها الذي تخرج منه منذ ستينات القرن العشرين العديد من المستعربين اليابانيين. عاش في العراق في الثمانينات والتسعينات عندما كان يعمل مترجما مع الشركات اليابانية التي كانت ناشطة في الحياة الاقتصادية العراقية ،وأتقن اللهجة العامية العراقية وعشقها. قضى عدة سنوات من حياته في الثمانينات في منطقة الحرية في بغداد ، واهتم باللهجة العامية ، ولحبه للتراث الشعبي العراقي ، ألف كتابا عن الأمثال الشعبية العراقية ،وهو أشبه بقاموس للأمثال العراقية وترجمتها الى اللغة اليابانية. الى جانب ذلك،انعكست مدة إقامته في الحرية الثانية في بغداد على عمله الروائي ،فألف رواية بعنوان “الحرية الثانية”، نشرها في طوكيو عام 1989 . شارك في عام 1993 في تأسيس “جمعية بابل” للتبادل الثقافي العراقي – الياباني ،يشغل حاليا منصب (مدير إداري للجمعية)، وتكررت زياراته للعراق في الأعوام 2000 و 2012 ، للمشاركة في النشاطات الثقافية العراقية . وشارك أيضا مع مجموعة من المستعربين اليابانيين المتخصصين باللغة العربية وآدابها في تأسيس “المنتدى الياباني” ، الذي يهتم بالثقافة العربية ويعقد حلقات نقاشية شهرية لمواضيع تخص العالم العربي ، ويستضيفون العديد من المثقفين العرب الزائرين أو المقيمين في اليابان.
إلى جانب “الحرية الثانية “،نشر أوكادا العديد من الكتب والمقالات باللغة اليابانية عن الثقافة العربية عموما والعراقية على نحو خاص. ففي عام 2003 ،ترجم رواية أمين معلوف “صخرة طانيوس ” الى اللغة العربية ، التي لم تنشر الى الوقت الحاضر. وفي عام 2008 ، نشر روايته “على أرض الله” ، وكتب مقالة معمقة عن حادثة “جسر الأئمة” في بغداد والتعاون بين السنة والشيعة لإنقاذ الضحايا. وهنا يلاحظ القارئ رؤية أوكادا المغايرة من عمق المجتمع العراقي ، فهو يؤمن بتعايش هذا المجتمع من واقع حياته بين أفراده ورؤيته الموضوعية لهذا المجتمع على عكس ما تروج له الأدبيات الغربية. وفي عام 2010 ، نشر رواية محمد طعان” السيد في بغداد” الى اللغة العربية. نشر في عام 2012 كتاب “بغداد في الماضي والحاضر” (دليل للشؤون التراثية) ، وقد حاول في هذا الكتاب المقاربة بين ماضي بغداد وحاضرها لتقديم رؤية عن الواقع الثقافي للعراق من باحث يعتمد على مصادره الأصلية. وترجم في عام 2013 كتاب فخري قدوري “طفولة في بغداد على ضفاف دجلة” ، والكتاب محاولة لفهم الأوضاع الاجتماعية في بغداد في العهد الملكي. وفي عام 2013 ، نشر مقالة عن ” الوضع العام في العراق” ، وفي عام 2014 ، نشر روايته عن “وادي الرافدين”. وبذلك ،فان أوكادا قد خصص الجانب الأكبر من اهتمامه للثقافة العراقية.
تعرفت عليه في عام 2012 ، عندما زارني في كلية الآداب في جامعة بغداد عندما كان يزور العراق بدعوة من وزارة الثقافة العراقية احتفالا ببغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013. ومن المفارقات الطريفة انه قدم نفسه بأنه ” مواطن من الحرية الثانية” ، وكان يتحدث بلهجة عراقية جميلة ، وعندما حاولت مجاملته باللغتين اليابانية أو الانكليزية ، أصر على التحدث باللهجة الدارجة العراقية ، وقدم لي هدية هي عبارة عن معجمه للأمثال العامية العراقية. كان يعبر من خلال الحوار عن عشقه للعراق وثقافته ،وانه ليس أكاديميا وانما أديب مهتم بالثقافة الشعبية العراقية وانه لا يميل الى الاهتمام بالسياسة قدر اهتمامه بالادب الشعبي واللهجة العراقية لتقديمها للجمهور الياباني. وشاءت الصدف أن ينتقل أحد باحثينا من طلبة الدكتوراه المتخصصين بالدراسات اليابانية ، الباحث طارق جاسم حسين ، الى اليابان جزءا من التعاون الأكاديمي بين كلية الآداب في جامعة بغداد والجامعات اليابانية ، بعد تأسيس برنامج واعد للدراسات اليابانية منذ عام 2007 . وقد أخبرني الباحث طارق حسين إن المستعرب أوكادا زاره في الفندق ورافقه الى جامعة طوكيو للقاء أستاذه الياباني البروفسور هيروشي ميتاني. وكان الباحث العراقي يخبرني عن حميمية أوكادا ولطفه معه ، عندما أصبح يزوره في شقته ويدعوه الى المنتدى العربي للتحدث عن الثقافة العراقية.وكان يحدثه دائما إن ما يقوم به هو جزء بسيط مما قام به العراقيون معه عندما كان يعيش في بغداد.في هذه الأثناء كان أوكادا يعكف وعلى نحو جاد ودؤوب على ترجمة رواية الروائي العراقي الشاب أحمد سعداوي” فرانكشتاين في بغداد” ، التي حصلت على جائزة البوكر العربي عام 2013 . وكان يسأل الباحث طارق حسين عن بعض الكلمات العراقية الدارجة الموجودة في الرواية ويناقشه في بعض مفاصلها. وعندما سافرت الى اليابان في كانون الأول 2014 ، للتواصل مع المؤسسات اليابانية وتطوير عملنا الأكاديمي بوفد ضم رئيس الجامعة المستنصرية وعميدا الآداب nجامعة بغداد والتربية الأساسية في الجامعة المستنصرية ورئيس قسم الآثار في آداب بغداد، كان ضمن برنامجي أن أقابل ألمستعرب أوكادا سان. وقد كان لقاءا مفعما بالثقافتين العربية واليابانية مع أوكادا ومستعربين آخرين مهتمين بالثقافة العربية ، هما المستعربة موتسومي كوسانو والمستعرب شنتشيرو نيموتو. حدثني أوكادا عن بعض مشاريعه ، وفي مقدمتها إكماله لترجمة “فرانكشتاين في بغداد” الى اللغة اليابانية وانه يبحث عن ناشر للرواية في اليابان أو العراق . وقد شجعني حماسه وعشقه للثقافة العراقية على التفكير مثله في البحث عن ناشر عراقي أو ياباني يدعم ويشجع جهودنا المشتركة لتعزيز التعاون الأكاديمي والثقافي بين العراق واليابان ، الدولتين والأمتين والحضارتين البارزتين. سرعان ما تبادر الى ذهني بعض المؤسسات الثقافية العراقية مثل بيت الحكمة ودار المأمون للترجمة والنشر ودار الشؤون الثقافية العامة ، الى جانب بعض دور النشر الخاصة. فنشر الترجمة اليابانية لهذه الرواية سيكون إضافة جديدة لعلاقات البلدين الثقافية ، ولتقديم الثقافة العراقية الى الجمهور الياباني ، لعرض جانب من الإبداع الفكري العراقي في وقت يقدم الإعلام الغربي العراق بصورة مشوهة بالتركيز على عدم الاستقرار السياسي والأمني ، في حين مازال المجتمع العراقي نابضا ومفعما بحياة ثقافية باسقة تحصد العشرات من الجوائز العربية والعالمية.
إن الدم المؤسساتي العراقي لنشر هذه الرواية الى اللغة اليابانية ونشر مؤلفات أوكادا الأخرى الى اللغة اليابانية هو دعم لصورة العراق الأخرى الى العالم وتقديمه بألوان الثقافة والفنون. فما قدمه هذا الأديب والمستعرب الياباني الى الثقافة العربية والعراقية يستحق وقفة تأمل من المؤسسات الثقافية العراقية ليكون ذلك مساهمة عراقية لتغيير الصورة النمطية عن العراق في الإعلام الغربي ، الى جانب أن نشر هذه الرواية سيكون تحية عراقية للمهتمين بالثقافة العراقية.


















