أسطرة المكان وإنكسار الأمل

تل حرمل أسطرة المكان وإنكسار الأمل سمير الخليل (تل حرمل) مجموعة قصصية تحتوي ستَّ قصص بعد مقدمة بعنوان (أوراق مبعثرة) يبث حميد الربيعي فيها آهات الغربة ويحاول جمع أوراقه المبعثرة، هذه الأوراق هي السنوات التي أضاعها من عمره، قصد الربيعي من هذه المقدمة الإشارة لحياته وغربته إذ يشبه رحلته في الغربة برحلة ابن بطوطة (تكللت الغربة برحلة بطوطية في بلدان شمال افريقيا) (ص7)، نصوصه واقعية تجر المتلقي صوب عوالم الربيعي نتعرف من خلالها على عوالمه الداخلية والخارجية بلغة اقتربت في أحايين كثيرة من لغة الشعر. فالربيعي في هذه المجموعة يعيد خلق الصورة ثانية بعد تحليل غرائبيتها، الأجواء التي تسيطر على المجموعة هي الأجواء السياسية المشحونة بالترميز تارة والتصريح تارة أخرى، ففي قصة (كان مزهراً مثل شقائقه) التي تقوم على الرمز والأسطورة إذ أن بطلة القصة (عشتار) تحاول أن ترجع (نعمان) للحياة بعد موته وتستذكر نشاطه السياسي وأنه لن يموت وسيبعث من جديد فالتداخل مع أسطورة عشتار وتموز واضح، وفي قصة (قطيع غربان) القصة التي تتخللها الرمزية بدءاً من العنوان تحمل في طياتها السخرية والازدراء من أصحاب السلطة والأماكن الرفيعة وأصحاب الكراسي العتيدة، إذ يسخر منهم بطل القصة في بادئ الأمر يصف نقص علمهم وعدم تحصلهم على الشهادات الجامعية، ويحاول التخلص منهم ويتحقق له ذلك بدءاً بالعجوز ومن ثم مدير المدرسة، وفي قصة (تعال نرقص) يعرض لنا جانباً من الحياة السياسية وما يرافقها من الآم ورصاصات طائشة على المتظاهرين وما يعانونه من حالة نفسية صعبة وحالة جسدية وانكسار لأمل منشود، أما قصة (شيء يشبه الضجيج) فهي قائمة على الاعتراض على الواقع الذي يدمر كل شيء جميل ويغير أحوال الناس ليتحول الشخصية المحورية إلى السير عكس الناس (حسن البستاني كان مقلوباً شاقولياً، يمشي على يديه وساقاه معلقتان عالياً). (ص65) وقصة (تل حرمل) التي عنون مجموعته بها، هي قصة ذات دلالة رمزية ممكن اكتشافها بالتأمل لهذه القصة التي تركز منذ بدايتها على مشهد الضباب والسواد والكلب الملعون إذ أن هذا حال البلد والقصة نوع من الرفض لهذا الظلم المكلوب ((ملعون الكلب الذي يجرح القطيع)). (ص73)، وكما هو معروف أن الكلب رمز للوفاء لكنه في تل حرمل يجرح القطيع أي يرتكب (خيانة) أراد الربيعي أن يوصل فكرة أن الكلب الحامي للقطيع هو ولي الأمر أو صاحب السلطة الذي يستلب أمل الناس في العيش الكريم ويجرح كبرياءهم، فيترك الربيعي شخوصه بلا مسميات إذ يصفها الملعون، العجوز، الفتاة… وهذا بدوره يحملها أكثر من دلالة ويوحي بأكثر من رمز، أما بالنسبة للمكان الذي يوليه أهمية كبيرة في قصته فالمكان اسطوري (تل حرمل) أو كما كان يعرف سابقاً (شادويوم) فقد أضفى هذا المكان بعضاً من رمزيته واسطوريته على القصة إذ يرتبط هذا المكان بالعلم منذ القدم وهذا بدوره اوحى بدلالة أخرى على القصة إذ يدل أن المكان للعلم والمعرفة وأصحاب المكانة العالية يسدلون ستار العلم ويريدون للجهل أن يخيم ويعم، وفي قصة (شيش كباب) يركز الربيعي على المكان بوصفه ركناً مهماً من أركان العمل السردي يركز على مكان (قنبر علي) وما أصابه من تغير بمرور الزمن تغير نحو الأسوأ. وإذا ما نظرنا لقصص هذه المجموعة من ناحية التصنيف فهي أقرب للرواية منهـــــا إلى القصص القصيرة وهذه سمة من سمات ما بعد الحداثة، إذ تشتمل القصص على التجريب، وبقي أن نضيف أن الربيعي في قصصه عرض وكما اشار في مقدمته الأوراق المبعثرة جانباً من حيــــــــاته استغرقت 30 عاماً وما عاناه فيها من اغتراب واستذكار لأيـــــــام السيـــــــاسة التـــــــي لا تفارقه ويستحضرها في كل عمــل يكتبه….

مشاركة