أسرة بلا جدران – شهد الغانم

أسرة بلا جدران – شهد الغانم

منذ العصور الحجرية وهذا الكون العظيم قائم على اساس اسري كان بسيطا ربما في بداياته فمنذ فجر الخليقة ومع الفطرة التامة انذاك كانت الروابط الاسرية واضحة ، فالاب يذهب للصيد ليجلب قوت اطفاله الذين ينتظرونه في الكهف ، وكان ولازال لكل من افراد الاسرة دوره المعروف لضمان استمرار الاسرة على قيد الحياة وان هذا المفهوم الغريزي  قد تطور عبر القرون ليأخذ اشكالا اكثر تنظيما وترتيبا وحياة .

اذاً الاسرة هي المنشأ والمكون الاول لانطلاق الافراد بالمجتمع فما المجتمع الا عبارة عن اسر متجمعة يفسد بفسادها ويصلح بصلاحها الوجود البشري ، والاسرة اينما تكون وبأي حيثية كانت ، كهوف صخرية ، خيام في الصحاري ، او بيت في المدينة او مثلا كوخ  في غابة .. او حتى عش على الشجرة  فهي المأوى ، والمستقر الذي يصقل الانسان منذ نعومة اظفاره وحتى يشتد عوده ليصبح فردا نافعا او ضارا في المجتمع . بقيت العائلة على مر العصور هي الضماد للجروح ، وملاذ الخائف ، وجدران حنينة تضم القلق بذراعيها فيطمأن من يلجأ اليها . اما اليوم فما نراه من تفكك اسري دفعني لكتابة هذا المقال والعبث بالذكريات اللئيمة.فما ابشع ان تتحول تلك السقوف الآمنة الى مصدر خوف وقلق ؟ وما اصعبني وانا اتذكر دوما ما شاهدته من خناقات ابي وامي المتكررة حيث كنت اتوارى خلف الجدران وابكي بحرقه بسبب صوتهما الذي يعلو في كل مناسبة ، كنت احبهما للغاية ، لكن … لايمكنني ان اخذ صف احدهما واكون ندا للاخر !.لكم أن تتوقعوا بأن هذه الحرب هي اسوء من الحرب نفسها ،  فقد مرت سنين طوال وانا اترقب بخوف مصير تلك الاسرة ، ومتى ستحين ساعة الصفر ،،، لاضطر مجبرة على اقتلاع احدى عيناي وابقاء الاخرى!!! وهذا ماحدث بالفعل ، حين سألني القاضي بصوت حزين : أين تفضلين البقاء ؟ عند والدك ام والدتك؟ هنا تحطمت آمالي في ابقاء كلتا عيناي بأمان ،فسيُكتب لي ان اعيش بعين واحدة ، وان ابصر الحياة وتفاصيلها بعين منقوصة دائما .قمت بهذا الخيار اللعين ، وودعت ابي الوداع الاخير ،

وعدت الى المنزل الغريب وكل شيء اختلف منذ ذلك الوقت ، فاقفال الابواب لم تعد كافية لنشعر بالامان ، واصبح البيت بلا جدران ، والتعري صارت لامفر منه . نحن الذين نشأنا دون اب نشبه كثيرا الاوراق التي ليس لها جذور ، كطائرة ورقية بدون حبال ، لا احد يمسك بايدينا ، صرنا نرى آبائنا في كل رجل يمر ، ونعيش عقدة الاب حتى مماتنا .ذلك النقص الابوي لاشيء حرفيا قادر على اكماله ، صرنا نتخبط  كورقة هشة تقذفها الرياح يمينا ويسارا ، وحتى القويات مننا او اللواتي يتظاهرن بالقوة ؛ ان فتحت لكم قلبها سترى هشاشة لم تعهدها من قبل . الآن ومع ازدياد حالات الطلاق ارى مؤشرا عظيما بفداحة الخطر ، فما اصعب ان تنشأ مجتمع هش وركيك لايستند على اراض صلبة ، مع وجود كم هائل من التخبطات والعقد النفسية . فهي نفسها تلك البيوت التي بلاجدران ونفسها كفيلة بتحطيم اللبنة الاساسية للمجتمع من خلال الركيزة الكبرى المتجسدة بالعائلة !.

مشاركة