أسباب تكسرات الربيع العراقي ـ د. عماد الدين الجبوري

أسباب تكسرات الربيع العراقي ـ د. عماد الدين الجبوري
منذ انطلاقة ثورة 25 شباط»فبراير 2011 وتقديم 26 شهيداً وعشرات الجرحى وأعداد أخرى من المعتقلين، لكن الثورة لم تواكب أخواتها من الثورات الشعبية التي تُعرف بالربيع العربي. ورغم الوعي الجمعي بين عموم الشباب والشابات تجاه حكومات الاحتلال والعملية السياسية برمتها، الا أن الأسباب التي عاقت الثورة من تحقيق نجاحها تكاد تكون هي نفسها مستمرة بوجود تكسرات تمنع فيها الربيع العراقي من وحدة قيامه.
فالأسباب الرئيسة في تكسرات الربيع العراقي منها الداخلي والخارجي. فالطرف الأول يخص المراجع الدينية، وقمع الحكومة الوحشي، ومتاجرة السياسيين الضحلة. والطرف الآخر يتصل مباشرة بالسطوة الايرانية الفتاكة للداخل. ولتوضيح ذلك بصورة أسهب، نبتدأ بما يلي
أولاً المراجع الدينية. ان لينة الكثير من المراجع الدينية تجاه فساد واستبداد السلطة الحاكمة، كونها مذهبية النزعة. قد ساعد بشكل واضح على تثبيط العزائم لشريحة كبيرة من المجتمع العراقي حيال تأجيج الحراك الشعبي ضد الظلم والجور. اذ بعد عشر سنوات من التأخر العلمي والمعرفي والثقافي وزيادة نسبة التخلف والأمية والجهل لتصل الى ثلث الشعب. فان هؤلاء الثلث، وبالضرورة، يخضعون لأوامر العمامة أكثر من انقيادهم خلف الثوريين.
وهذا الموقف للمرجعية الدينية في النجف الأشرف يعود جذره الى بداية الاحتلال الأمريكي للعراق. حيث قدمت الجهاد السلمي وأخرت الجهاد المسلح ضد المحتل الصليبي الغازي لبلد اسلامي. ورغم جرائم الجيش الأمريكي الكثيرة والشنيعة ومنها في سجن أبو غريب أو الفسفور الأبيض في الفلوجة أو غيرها، فإن ردود أفعال مرجعية النجف أما تكون باهتة ضعيفة أو لا حضور لها البتة. مما ساعد على تمادي المحتل الأمريكي وحكوماته المتعاقبة على حقوق الشعب العراقي من جهة. وفرض قناعة ذاتية عند عامة الناس بقبول الأمر الواقع من جهة أخرى.
ومن هنا تجد الطابع العام للتظاهرات التي تنطلق في المحافظات الجنوبية والوسطى، بأنها تطالب الحكومة بتوفير الماء والكهرباء وتحسين الخدمات لا أكثر. رغم ادراك الجميع بالحيف الذي لحق بهم، وبالسرقات لقوتِهم، والتبدبد لثروات بلدهم؛ وان الذين يحكمونهم قد خدعوهم بالمظلومية، وما زالوا
ثانياً وحشية القمع الحكومي. في مطلع آذار»مارس 2008 عندما زار الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد بغداد، وبقى ليلتان في أحضان وحماية المحتل الأمريكي بالمنطقة الخضراء. فانه جاء ليرسخ قبضة الكتلة المصنوعة في ايران بالسيطرة على مقاليد الدولة في العراق. اذ أن الفترة ما بين 2005ــ2006 تعتبر الأساس الذي شيد فيه أذيال ايران وأمريكا هيكلهم العسكري والأمني. حيث عمل وزير الداخلية باقر صولاغ باقصاء الضباط والمراتب في عهد سلفه فلاح حسن النقيب، وزج عناصر ميليشية بدلاً عنهم. ومن تلك المليشيات أنشأ هادي العامري جهاز الأمن الخاص الذي طارد وقتل كل وطني عراقي رفض النفوذ الايراني وقتذاك. ناهيك بتأسيس دائرة نزع السلاح ودمج المليشيات بقطعات الجيش والشرطة وأجهزة الأمن في عهد دورة المالكي الأولى.
وبالوقت الذي كانت فيه فصائل المقاومة العراقية البطلة تقارع قوات المحتل الأمريكي، وألحقت فيه هزيمة ميدانية تجلت بالانسحاب الرسمي له قبل نهاية 2011. ففي غضون تلك الفترة كانت الكتلة الطائفية الممسكة بمقاليد الحُكم تمارس، وما زالت تمارس، شتى أنواع التعذيب الوحشي؛ وخصوصاً مع أهل السّنة، لا لأنهم سّنة فقط، بل لكي يزرعوا ويؤججوا فتنة طائفية، غايتها تهشيم التماسك الاجتماعي العراقي. وما تفجير المرقدين المقدسين في سامراء في 22 شباط 2007 الا دالة واضحة لاشعال الفتنة الطائفية بين أبناء الدين الواحد والبلد الواحد. وان كشف جورج كيسي، بمؤتمر في باريس بتاريخ 24ــ حزيران»يونيو 2013، بأن ايران هي وراء ذلك التفجير، لهو اعتراف واضح وادانة جلية للنظام الصفوي الايراني المسخ. اذ أن كيسي كان قائد القوات البرية الأمريكية في العراق.
ثالثاً المتاجرة السياسية. من أبذل ما يفعله سياسيوا المنطقة الخضراء هو المتاجرة بدماء الشهداء والأبرياء والسجناء والمحتاجين والمعوزين. حيث أن مواقفهم عرضة للاهتزاز ساعة الهزّ. ويكفي أن نذكر مواقف بعض الوزراء بعد مجزرة الحويجة في 23ــ4ــ2013. فقد سارع وزير التربية محمد علي تميم، وكذلك وزير العلوم والتكنلولوجيا عبد الكريم السامرائي الى تقديم استقالتهما، وتشدقوا بكلمات أثقل من وزنهم. وبعد شهرين، بدلاً من تفعيل الحق لشهداء المجزرة وذويهم، عاد الوزيران أدراجهم حيث كراسيهم ومناصبهم وما يدر عليهما من ثراء وجاه. بل حتى انطلاقة الاعتصامات في مطلع هذا العام بمدينة الرمادي، قد استغلها بعض السياسيين، لا سيما الذين جرى سيف نوري المالكي خلف رقابهم. أمثال وزير المالية رافع العيساوي وغيره. ان العملية السياسية البائسة والفاشلة التي أوجدها المحتل الأمريكي، لا يشارك ويستمر فيها الا الامعات الذين يتاجرون بالسحت من أجل منافعهم ومصالحهم الشخصية والفئوية الضيقة. ومع استمرار الوقت فان هذه الطبقة السياسية الفاسدة أصبحت مرضاً اجتماعياً يؤثر على ضعاف النفوس، أو المحتاجين، أو الذين لا يفقهون أن النصر صبر ساعة؛ فتفعل فعلها السلبي تجاه الوطن والمواطنين. رابعاً السطوة الايرانية بالداخل. بعد ثمانية شهور من دخول القوات الأمريكية الى بغداد في 9ــ4ــ2003، قال محمد أبطحي مستشار الرئيس الايراني محمد خاتمي، بمؤتمر في الامارات لولا ايران ما سقطت كابل وبغداد . مما يعني عمق التعاون الايراني الخفي مع الولايات المتحدة الأمريكية. وأن شعارات الشيطان الأكبر و دول الأستكبار العالمي و اليوم ايران وغداً فلسطين وغيرها في عهد الخميني لم تكن غير شعارات مرحلية تكشفت حقيقتها في عهد خامنئي. والأخير كشف عن حقيقة نظامه بشكل أكثر، عندما قال في 4ــ2ــ2011 بأن الربيع العربي يستلهم من الثورة الاسلامية في ايران. ومع انطلاقة الربيع السوري في 15ــ3ــ2011، ولمدة ستة شهور لم يطلق الشعب رصاصة واحدة ضد دموية جلاديه؛ فان خامنئي أصطف علناً مع النظام القاتل ضد الشعب الأعزل لدوافع مشروعه الطائفي المقيت والبغيض. واذا كان هذا الأمر مع سوريا، فما بالك حيال الوضع في العراق على مدى عشر سنوات. فان النفوذ الايراني الذي تحول الى احتلال عبر الكتلة التي أوصلها لمقاليد السلطة، والتي هي بمثابة حكومة ظل ايرانية. فان عمليات القتل والتصفيات والتهجير السكاني على أُسس طائفية، قد أحدثت شرخاً مؤلماً وموجعاً في الجسد العراقي. ومع ذلك يحاول بعض السياسيين، الذين أقصاهم المالكي من مناصبهم، أن يستغلوا هذا الشرخ بالدعوى لاقامة الأقليم الخاص بأهل السّنة. دون اكتراث الى تقسيم وحدة العراق أرضاً وشعباً.
استنتاج
ان الأسباب الآنفة الذكر، وغيرها التي لم نتطرق اليها كونها أقل شأناً، منها الوضع في الشمال العراقي وتركيا، أو الدور العربي، سيما مع قطر والسعودية. وكذلك دور المال والاعلام بشكل عام. الا أن الأسباب الكبيرة التي عرضناها هي التي تجعل من الربيع العراقي متضعضع الأطراف، هزيل البنية، لا يقوى على تحشيد وتأدية الحراك المطلوب منه شعبياً وجماهيرياً. وبما أن هنالك حضوراً ايجابياً جارياً على أرض الواقع، سواء في المظاهرات المتكررة في المحافظات الجنوبية والوسطى، أو الاعتصامات المتواصلة منذ سبع شهور في محافظات الشمال والغرب. ويضاف اليها ضربات المقاومة لميليشيات حكومة المالكي المتمثلة في قوات سوات ، أو المدمجة في قطعات الجيش والشرطة الاتحادية؛ فان قراءة المستقبل وفقاً لحقائق التاريخ ومنطقه، تكون أبداً لصالح الارادة الوطنية الصادقة. اذ شتان بين مَنْ جاء متشبثاً في بصطال المحتل الأمريكي، لا يملك مشروعاً وطنياً، بل القتل والنهب والاستبداد؛ وبين مَنْ يضحي بحياته فداءً للشعب وللوطن وللمشروع الذي يعيد للعراق دوره وهيبته أقليمياً ودولياً.
ورغم ذلك، فإن العمل على تعديل تلك التكسرات التي تعترض طريق الربيع العراقي، يوجب على جميع الوطنيين العراقيين أن يبدأوا من حواضنهم الاجتماعية ومناطقهم السكانية متظافرين مع أية نقطة حراك شعبي ضد ما لحق بالعراقيين من جبروت السلطة الحاكمة وطغيانها. فالحرية ثمنها اللون الأحمر الذي يصطبغ في خلوده الشهداء، ويسيل شرفه على أجساد الجرحى. وتاريخ العراقيين الأبي حافل بشهاداته الوفيرة تجاه المعتدين والمستبدين. وان الحاق الهزيمة الميدانية بقوات الاحتلال الأمريكي لهي شهادة حية ماثلة أمام العالم أجمع.
AZP07