أسامة عبد الصبور يؤكد لـ (الزمان) : الشعراء يفتقدون التواصل مع جمهورهم

أسامة عبد الصبور يؤكد لـ (الزمان) : الشعراء يفتقدون التواصل مع جمهورهم

أحترم قلمي كثيراً وأقدر دوره في حياة الأخرين

غادة قدري

بدأ كفنان تشكيلي، ثم ما لبث أن جرفه الشعر نحو محرابه، عرفه قطاع عريض من جمهور الشباب كواحد من أهم شعراء العامية الشباب في مصر في السنوات الأخيرة، ما أن تستمع إليه وهو يلقي بشعره حتى تنتفض وتتهيئ للثورة وتمتلئ روحك بالحماسة والعنفوان، وبرغم أنه غزير الكتابة والانتاج إلا أنه مقل في طباعة دواوينه، انتشر بسرعة النار في الهشيم في السنوات الأخيرة بعد أن ظل يكتب في أشهر صحيفتين تتم طباعتهم في مصر وهما “التحرير” و”روزاليوسف”  أنه شاعر العامية أسامة عبد الصبور الذي التزم مبادئه ولم يغير لونه التقته “الزمان” فتحدث إليها بكل أريحية وصدق، وهذا نص الحوار:

{ بداية من هو الشاعر أسامة عبد الصبور نريد تعريفا شاملا عنك لقراء صحيفة (الزمان)؟

– أسامة عبد الصبور عبد القادر –  شاعر عامية مصري،  ورغم كوني جيزاوي المولد والنشأة إلا إنني صعيدي وأفتخر فأنا أنتمي لعائلة الهوارة وأصول عائلتي نبتت في صعيد مصر بقرية العسيرات مركز فرشوط –  نجع حمادي –  أنتمي لأسرة فنية بحتة تخصص أغلب أفرادها في مجال الفن التشكيلي وأنا أيضا فنان تشكيلي ضل طريقه إلى عالم الشعر ولكني مؤمن أن مجالات الفن تربطها صلة وخيط واحد كالأواني المستطرقة يصب كل منها في الأخر ، أحترم قلمي كثيراً وأقدر دوره في حياتي وحياة الأخرين وأتعامل مع موهبتي في الكتابة بقدر كبير من الوفاء .

{كيف ترى دور المثقفين والشعراء في تثقيف الجمهور وتوعيتهم ؟

– للمثقفين دور الطليعة في أي مجتمع وحالهم وحال إبداعاتهم هو إنعكاس لحال المجتمع الذي ينتمون إليه هم من يضعون ذلك المجتمع أمام المرايا الكاشفة لعيوبه ومحاسنه ، وللشعراء دور كبير في تايخ الأمم فهم من يحملون على كاهلهم مهمام ثقيلة في التعبير عن مجتمعاتهم وقضاياها فهم من يلعبون دور المحرض لرفض الظلم والطغيان والمحلل لنفسية المجتمع ومشاعره والمحمس والمشجع كما أن قدرة الشعراء على إطلاق خيالهم بلا حدود تجعل من بعض قصائدهم نوع من إستشراف المستقبل ويمثل إبداع الشعراء العرب جانب كبير من تاريخ هذه الأمة حيث لعب بعض الشعراء الكبار دور المؤرخ لمراحل تاريخية وحوادث لم نكن نعلمها بتفاصيلها دون ما تركوه لنا من تراث شعري عريق .

{لماذا أنت مقل في اصدار دواوينك برغم انتشارك ونجاحك ؟

– هذا السؤال المتكرر يثير الكثير من شجوني الشخصية ودعيني هاهنا أعترف بتقصيري في ذلك الجانب ، فقد أكون غزير الإنتاج وعندي من القصائد ما يكفي لإصدار عدد من الدواوين ولكني شغلت عن النشر بالكتابة ولم أهتم بذلك الجانب منذ بدأت رحلة الكتابة بالصحافة ، حيث أنني بدأت تلك الرحلة بإنضمامي لفريق كتاب مجلة “روزاليوسف” العريقة وقمت بنشر قصائدي على صفحاتها بشكل إسبوعي لأكثر من ثلاث أعوام من 2010 إلى 2013 ، كما أنني إنضممت لفريق كتاب جريدة التحرير منذ صدورها وإلى منتصف 2013 ، تلك المساحة الصحفية التي ساعدتني على توصيل الكثير من أشعاري لطيف واسع من الجمهور في مصر والدول العربية وأعطتني ذلك الإنتشار والنجاح الذي تتحدثين عنه ، ولكنها وفي نفس الوقت جعلتني في قمة الإنشغال وفرضت عليا نوع من الإنطوائية حيث أنني أصبحت دائم الإنشغال بما سوف أكتبه دون النظر إلى محاولة جمع تلك القصائد وتنظيمها ونشرها في دواوين شخصية ، ولكني عاقد العزم على تدارك ذلك التقصير بإذن الله في المرحلة القادمة .

{ ما هي الرسالة الثقافية الغائبة في نظر أسامة عبد الصبور؟

– أرى أننا نفتقد التواصل مع الجمهور الذي نكتب له ، رغم المستوى الراقي الذي يقدمه عدد لا يستهان به من المبدعين في المجالات الأدبية والفنية ، تلك المشكلة الأزلية التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية منذ أجيال وأجيال ، ورغم ثورة الإتصالات والتقدم المذهل في وسائل الإعلام والإنتشار الإنفجاري لشاشات الفضائيات ومواقع التواصل الإجتماعي على الإنترنت إلا أننا لم نحرز نجاح ملموس في تخطي تلك العقبة ، قد يكون الوضع الإقتصادي وطبيعة وسرعة الحياة اليومية لا تسمح للكثير من المواطنين العرب والمصريين على نحو الخصوص بأن تكون لهم أجينداتهم الثقافيه القيمة التي تسمح لهم بمتابعة إبداعات راقية تقدم في مجالات الفن والأدب المختلفة على مستوى الكتابات والغناء والشعر والمسرح ، بل فرضت نوع من ثقافة الإستهلاك السريعة عديمة القيمة على الشارع تنعكس على ذوق وأخلاق أفراد المجتمع وتترك الكثير من التشوهات في التركيبة الشخصية للشعوب العربية .

{ ما الذي يمكن ان يلعبه الشعر في عالم يموج بالظلم ؟

– قد تكون إجابتي عن سؤالك السابق عن دور المثقفين والشعراء في تثقيف الجمهور وتوعيتهم أجابت عن جانب من هذا السؤال عندما تحدثت سابقاً عن دور الشعراء  كمحرضين لرفض الظلم والطغيان فالظلم لا يقهر إلا تلك النفوس الضعيفة التي لا تستطيع مواجهته أما النفوس المتشبعة بالأحلام والإيمان بحقها في الحياة لا يكسرها الظلم ولا يقدر على إخضاعها مهما كان جبروته وقوته .. الشعر كغيرة من صنوف الإبداع الحقيقي يزرع في قلب الإنسان مبادئ تدور في أغلبها حول محور الإصرار وتجعل الإنسان قادر على تلقي الصدمات بلا إنكسار وهو مؤمن أن حقه عائد لا محالة مهما طال الزمن .

{ هل توافقني الرأي بأن شاعر العامية أقرب للقلوب ونبض الجماهير من شاعر الفصحى؟

– تجنبت طوال حياتي الخوض في معارك الوسط الأدبي الفارغة ومن تلك المعارك كانت معركة الفصحى والعامية ، حيث ينكر بعض شعراء الفصحى وجود ما يسمى بشعر العامية من الأصل ويفضل أن يسميه “زجل” في محاولة للحط من قيمة شعر العامية متجاهلاً العديد من الأسماء والتجارب التي حفرت إسمها في الذهن الثقافي المصري بإبداعاتها الشعرية  الرصينة ، وعلى الجانب الأخر يتهم بعض شعراء العامية شعر الفصحى بالتقعر والتقوقع والغياب عن الهم العام بل والطبقية في الكثير من الأحيان ، وجهة نظري أن الإبداع إبداع ، يكتسب قيمته من مدى صدقه وتعبيره هموم المجتمع الذي يخاطبه بغض النظر عن القالب الأدبي الذي يقدم من خلاله للجمهور فلكل قالب مذاق منفرد وجماليات تميزه عن غيره ولا تصح المقارنة من الأصل ، وكما قال الشاعر الكبير نجيب سرور ” الشعر مش بس شعر لو كان مُقفى وفصيح  الشعر لو هز قلبك و قلبي شعر بصحيح “

{ بمن تأثرت من شعراء العامية ؟

– تأثرت بكل كلمة قرأتها وسمعتها لشاعر حقيقي سواء كان من أساتذتنا الكبار ام من شعراء جيلي أو  حتى من أصدقائي الذين يصغرونني سناً ، منذ طرقت ذلك الباب وأنا أتعلم كل يوم وأتأثر كل يوم فالشعر الحقيقي يجتذبني كالمغناطيس من أول شطر أسمعه أو أقرأه يؤثر في ويظهر لي وجه لم أكن رأيته من قبل .

{ لماذا تراجع الشعر بوجهة نظرك، وهل الشعر المسموع يجد طريقا أفضل من المكتوب؟

– للإجابة عن هذا السؤال يجب في البداية أن تفسري لي معنى “تراجع الشعر” من وجهة نظرك .. هل تقصدين على مستوى جودة وقوة ما يقدمه الشعراء ؟!! أم على مستوى إقبال الجمهور على متابعته وسماعه وإقتناء الدواوين ؟!! بشكل عام أنا لا أرى أن الشعر قد تراجع ومن الظلم أن نحكم على مدى تقدم الشعر أو تراجعه بمقاييس حاكمة لسوق النشر في مصر تلك السوق التي يسيطر عليها قواعد وحسابات غير عادلة في مجملها لا مجال للخوض فيها هاهنا ،  وتحـــــــولت- إلا من رحم ربي – إلى مــــــــشاريع للتجارية بحته .

وجهة نظري الصادقة والتي أمتلك ألاف الأدلة على صحتها أنه في عالمنا العربي يبقى الشعر هو أكثر ألوان الأدب شعبية ويبقى الشعراء الحقيقيين هم أشهر نجوم الوسط الأدبي، فالشعر هو اللون الأدبي الوحيد الذي يستطيع مبدعه أن يلقيه ويسمعه للعوام في أي مكان ولو في الشارع ووسائل المواصلات والمقاهي العامة .

أما قضية أن الشعر المسموع يجد طريقاً أفضل من المكتوب فأنا أراها أمر طبيعي لأن صوت الشاعر وإلقائه لإبداعه يحمل للمستمع إحساسه الكامل وموسيقاه الصحيحة بالإضافة إلى ما ذكرت من قبل عن ظروف المجتمع الذي يصعب على الشخص فيه أن يوفر ثمن ديوان للشعر أو يوفر وقت لقرائته في ظل حـــــربه الضروس التي يخوضـــــــها يومياً لتوفير أبسط متطلبات حياته وقـــوت أسرته .

{حدثنا أكثر عن دورك وإسهاماتك التي قدمتها خلال عامين ونصف من عمر الثورة المصرية وكيف كان وقع ذلك على الشباب ومعروف عنك قربك من جيل الشباب؟

– لا أدعي أنني قد قمت بدور محوري في مسيرة الثورة المصرية ، وأتهمني دائماً بالتقصير في حقها فأنا وإلى الأن أعتقد أنني لم أكتب عن ثورة يناير شعراً يليق بعظمتها وعظمة شهدائها ، ومازلت أنتظر تلك القصيدة وأتمناها ، قد أكون كتبت عشرات القصائد في الصحافة واكبت أغلب الأحداث التي خاضتها الثورة منذ قيامها ، وكان باب “عروستي” وباب “قُصر الكلام ” في جرنال التحرير و”باب هم يضحك ” وعشرات القصائد نشرت في مجلة روزاليوسف تمثل نوافذي الإسبوعية التي أعبر فيها عن وجهات نظري ومواقفي من الأحداث المتلاحقة وقد تكون بعض تلك القصائد كتب لها الإنتشار وحققت قدر لا بأس به من الشعبية ولكني على المستوى الشخصي أجدني لم أكتب بعد عن الثور ما يرضيني ويشعرني أنني قد قمت بدور وإسهام كبير .

ودعيني هاهنا أتقدم بكل الشكر والعرفان لصديقي ورفيق الدرب الفنان الرسام “عمرو طلعت” والذي رافقني بإبداعه الفني طوال تلك الرحلة حيث أن أبواب ( هم يضحك وعروستي وقُصر الكلام ) كانت تخرج على الجمهور برسومه وتصميماته المبدعه والتي كان لها الدور الأهم في شعبية وإنتشار هذه التجارب .

{المثقف والسلطة والمنطقة الآمنة بين سلطة المثقف وثقافة السلطة هل انت مع ام ضد لتلك المنطقة الآمنة ؟

– المثقف المبدع هو إنسان متمرد بطبيعته يرصد سلبيات مجتمعه وينتقدها بإبداعه ، ولا يهتم بالقيود والخطوط الحمراء ، وهي التركيبة التي تجعل منه شخصية دائمة النفور والتصادم مع دوائر السلطة التي يحمّلها المسئولية عن تلك السلبيات من وجهة نظره ، وعلى الجانب الأخر تجتهد السلطة من جانبها في محاولة تقيده أو تهميشه ، وتبقى حالة الشد والجذب اللامتناهية ، وهناك بالطبع بعض الحالات التي يتفق فيها المبدع مع السلطة الحاكمة في ظل المشاريع القومية والوطنية الكبرى ولكني هنا أضع شرطين أولهما عدم تشخيص المبادئ والمشاريع فيتحول الوطن إلى شخص إذا إنهار إنهار معه كل شيء ، وثانيهما هو الإبقاء على المسافة الفاصلة بين المبدع والسلطة حتى لا يتحول إلى موظف لدى السلطة يكتب ويرى بأعينها مما يفقده قيمة إبداعه وإحترامه لقلمه من الأصل .

{           كتبت بعض الأغاني التي تغنى بها بعض المطربـــــين هل لك أن تحــدثنا عنها؟

– منذ بدأت رحلتي في عالم الكتابة وأنا مهتم بموسيقى الشعر وأعتبرها من أهم جمالياته ، مما جعل من قصائدي مشاريع أغاني تبحث عن ملحن وصوت جاد يستطيع أن يتبنى ما أطرحه من أفكار بجراءة ، تلك الضالة التي وجدتها منذ قابلت الفنان السكندري مأمون المليجي وبالفعل قدم لي مأمون العديد من الأغاني الغير تقليدية بألحانه وصوته مثل ” المفرمة –  مسلم والرك على النيّه –  بتخاف من إيه –  الطوفان –  الحلم السجين …. وغيرها ” كما قدمنا سوياً مجموعة من الأغاني لعدد من نجوم الأغنية في مصر والعالم العربي مثل مدحت صالح ويحيى حوى وعزة بلبع وإستفدت كثيراً من حالته الفنية المتميزة وجمهوره ، كما قمت بكتابة العديد من الأدعيه الدينيه التي قدمها مجموعه من نجوم الغناء مثل حمادة هلال وخالد سليم وطارق فؤاد وقام بتلحين أغلبها الفنان عزيز الشافعي والفنان ياسر ماجد .

–           يغلب على شعرك الطابع الوطني الذي يشغله دائما قضايا الوطن والثورة ونقد المجتمع.. أين أنت من العاطفة و الحب ولماذا لم يحضر الحب كثيرا في أعمالك؟

–           هنا أيضا يجب أن نعرف ما هو الحب ؟!! في وجهة نظري أنه من التفريط أن نحصر الحب في العلاقة بين الرجل والمرأة ، تلك العلاقة التي أكن لها كل الإحترام وهي سر إستمرار الحياة بالطبع ولكني أرى أن الحب أعم وأشمل بكثير من تلك العلاقة ، ودعيني أخالفك الرأي فأنا في حقيقة الأمر لا أرى أن أشعاري يغلب عليها الجانب الوطني ، بل أراني مهتم أكثر بالجانب الإنساني الذي يحاول الغوص في أعماق المشاعر الإنسانية مثل الخوف والفرح والأمل والحزن والإنكسار والإنتصار والصبر وغيرها فالإنسان دائماً هو محور قصائدي وليس الوطن وأتعامل مع المشاعر الإنسانية كوحدة لا تتجزأ ، أما بخصوص الجانب العاطفي الرومانسي وعلاقة الرجل بالمرأة فكتاباتي محدودة بالفعل ولا أخفيك سراً إن إعترفت بأن تجاربي الحياتيه في هذا المجال لم تكن جيدة ودافعة للكتابة والإبداع ? قد يكون هذا هو السبب لأني لا أكتب سوى ما أصدّقه وأؤمن به .

{كلمة أخيرة موجهة لشباب الشعراء ماذا تقول لهم؟

– أنا لا أؤمن بالأستاذية في مجالات الإبداع عموماً وفي الشعر خصوصاً ، ولا أراني منظراً يستطيع أن يعطي نصائح لشباب الكتاب ، فالإبداع تجربة شخصية لا تحكمها قواعد سوى المصداقيه والأمانة في طرح ما بداخلك ، وإن كان من الضروري أن ألعب هذا الدور الأن فدعيني أهدي أصدقائي من الكتاب إحدى قصائدي راجياً أن تنال إعجابهم ، القصيدة بعنوان “عندك قلم ؟!! “

عندك قلم ؟!!

حافظ عليه .. واهري الورق بيه شخبطة

وإرسم وشوش مابيعشقوش طعم البكى

وإرسم كفوف متشبكة

وإرسم ف برد الليل غطا

وريني شغـل العفرتـه

وإملا فراغ الكون خطوط !!

عندك قلم ؟!!

حافظ عليه .. وإحميه من الخوف والسكوت

وأما الزمان هيفوت عليه

بكرة تلاقيه نبّوت غُنا

وريني شغل الفتونه

وأحرص على باب البيوت

وإحمي الضعيف وإللي إنضنى

وإقطع دراع الأخطبوط

وإزرع في قلبك سوسنه

عندك قلم ؟!!

حافظ عليه .. ولما ضهرك ينحنى

شوف القلم تلقاه صديق

ديماً يصاحب سِكتك

يسند خطاويك إللي شابت ع الطريق

ويكون لسانك لو زمانك سَكِّتك !!