أزمة نقد
وليد الصراف
لماذا لم تعد تظهر في الاجيال الجديدة مع استثناءات نادرة اسماء نقدية من طراز محمود محمد شاكر والعقاد وطه حسين ومحمد مندور وانور المعداوي وعلي جواد الطاهر وصلاح فضل و….ايكمن العطب في الذائقة ام في المناهج النقدية ام في ضعف الاطلاع ام في الاخلاق التي تجعل من الناقد يكتب ابتغاء وليمة او دعوة ادبية او مال او اي منفعة رخيصة من اي معدن كانت؟ الناقد يحتاج الى الذائقة العالية والاطلاع الواسع فلايحق لي ان اقول هذه القصيدة جميلة حتى امر على أغلب القصائد الجميلة في التراث والعصر الحديث والاكنت كالبدوي الذي يتصور منتهى فن العمارة في اول بناية يراها في المدينة فيضحك به من رأى ناطحات السحاب.. ولاتكفي الذائقة المتفوقة والاحاطة بشروط الفن والذاكرة التي تعي النصوص الكبيرة على مر العصور ولاتكفي الاحاطة بالمناهج النقدية بل سنحتاج مع ذلك كله الى الاخلاق العالية ونحتاج ان تمتزج هذه العناصر كلها لتتمخض عن اسلوب ناقد لايقل جمالا عن اسلوب المنقود
لاتمر ساعة في الزمن العربي الا وتلد المطابع ديوانا او مجموعة قصصية او رواية او مسرحية او مقالات ومامن احد يستقبل ويطرد ويرتّب حسب الاهمية ويرفع الى الرف العالي ويلقي في سلة المهملات و مامن احد يقول لنا نحن الذين يضيق وقتنا وصدرنا اقرا ولاتقرا على وزن قل ولاتقل التي ينبه عليها اللغويون او كل ولاتاكل التي ينبه عليها الاطباء فاذا نحن في بيئة تعاني من التسمم الادبي والتلوث الفني الذي دب الى النقد نفسه فاصبحت المطابع تلد كتابا نقديا في كل دقيقة من الزمن العربي .
هل وصل الينا يوسف ادريس بهذه السرعة لولا مقدمة طه حسين لاولى مجاميعه ارخص ليالي ؟وهل عرفنا يوسف الصائغ واخذنا نبحث عنه لولا مقالة علي جواد الطاهر في ماوراء الافق الادبي وهل طالت حياة الفقّاعة الفلانية التي اراد لها الاعلام الفاسد ان تطول اكثر من سنوات اكثر من ثوان لو لم تنفثّأ بقلم الناقد الفلاني دون ان يريق قطرة واحدة حتى من الحبر؟
اين الناقد التي تقيم كلمة واحدة منه الدنيا ولاتقعدها؟اين الناقد الذي يقول لمبتدىء هذه حدودك ليفيد من قوله المبتدىء اولا ويسعى لتجاوزها… نرى مئات النصوص دون ان نرى جملة ادبية حقيقية واحدة ونلتفت الى النقد فنسمعه يقول ذهب زمن الشاعر الاوحد والقاص الاوحد فنقول بل ذهب زمن الناقد الاحد واتى زمنكم ايها العشرات والمئات من النقاد دون ذائقة ودون نحو ودون صرف ودون عروض ودون تراث ودون حداثة ودون ثقافة ودون مناهج ودون اخلاق..
لااشك ان هذه العقود التي مرت وتمر ستصنف ضمن الفترة المظلمة وكما ان النور والظلام في كر وفر على الارض فهمافي كر وفر على الادب والفرق ان زمن كل منهما محسوب وموزع بالتساوي تقريبا على الارض اما في الادب فلا..واسال الكثيرين ممن اطمأنوا أنهم نقاد الا يخطر لكم وانتم تمارسون الدعارة النقدية على مرأى من القرّاء ان الدعارة لايمارسها من تسوّل له نفسه ممارستها الافي الظلام ؟أ بلغ الغباء بكم مبلغا انكم لاتلاحظون ان القارىء يرى بالضبط ماتفعلون ام ان قلة الحياء بلغت منكم مالم يبلغه الغباء؟
/7/2012 24 Issue 4259 – Date Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4259 التاريخ 24»7»2012
AZP09