أرقام صادمة أم وقائع قادمة ؟ – منقذ داغر

تغيّر القيم

أرقام صادمة أم وقائع قادمة ؟ – منقذ داغر

3: لعراقي ودولته

في مزيد من مؤشرات العلاقة بين العراقي ودولته سألت الفرق البحثية العراقيين عن مدى مقبولية ركوب وسيلة نقل عام والتهرب من دفع الأجرة كأحد الأمثلة على كيفية نظر المواطن لاملاك الدولة.

جاءت النتائج لتؤكد صحة الاستنتاج العام بأن العراقيين لديهم نظرة سلبية تجاه دولتهم وكل ما يمكن ان تمتلكه تلك الدولة. والاخطر من ذلك ان هذه النظرة آخذة في التزايد بشدتها. ففي الوقت الذي أيد فيه 11% فقط من العراقيين سلوك التهرب من دفع أجرة وسائل النقل العام،فأن النسبة قفزت الى 25% عام 2020! في المقابل فقد أنخفضت نسبة الرافضين لهذا السلوك غير الشرعي من 86% الى 75% خلال نفس الفترة.

هذا يعني ان هذه السلوكيات غير المشروعة في التعامل مع أملاك الدولة باتت تكسب أنصاراً جدد مع مضي السنين وهو ما يؤشر ناقوساً للخطر يدق دون ان نعيه أو حتى نسمعه! مرة ثانية أشدد على ان هذه الاسئلة هي من طراز أسئلة المقبولية الاجتماعية التي عادةً ما يعكس الناس(في العلن) أتجاهات أيجابية غير حقيقية نحوها لأن تعبيرهم عن أتجاهات سلبية،أي القول بأن التهرب من دفع الأجرة هو عمل مقبول، يؤدي بالآخرين أن ينظروا لهم نظرة سلبية لا يودونها. أو أنها قد تعرضهم لمسائلة قانونية (كما يعتقدون) وبالتالي يُظهرون أتجاهات رافضة للسلوك غير المشروع في حين انهم قد يفعونه أو على الأقل لا يمانعون من القيام به عندما تتاح لهم الفرصة لذلك!

قبل أن أنهي هذا الجزء بخصوص القيم الفردية التي تعكس علاقة العراقي بدولته، أود الاشارة أن هذه النظرة السلبية للدولة والتي باتت تتعمق يوماً بعد يوم في العراق قد باتت متجسدةً في أتجاهات المواطنين نحو المؤسسات الرئيسة التي تمثل تلك الدولة(التشريعية والتنفيذية والقضائية).  وأذا كان لأرث لتاريخي الذي أشرت له في الحلقتين الماضيتين أثراً في تشكل الاتجاهات والنظرة السلبية للدولة العراقية وما يمثلها،فأنه بلاشك يصح القول ان الاتجاه الآخر للعلاقة كان مؤثراً أيضاً. بمعنى أن مخرجات الحكومات والبرلمانات وأجهزة القضــــــاء التي تعاقبت على العراق خلال العشرين سنة الماضية (باعتـــــبار أني لم أكن قادراً على قياس أتجــــاهات الرأي العام قبل ذلك) أثرت ســـواء سلباً أو أيجاباً في تشكيل أتجاهات وسلوكيـــات المواطـــــنين نحو دولتهم.

هوة كبيرة

لقد ظلت ثقة المواطن العراقي بمؤسسات الدولة ونظرته لها تعاني من هوة كبيرة آخذة في التزايد للاسف يوماً بعد الآخر.

وبرغم ان أتجاهات المواطنين نحو مؤسسات الدولة كانت تتأثر دوماً بالخلفية الطائفية والأثنية والمناطقية للمواطنين الا ان من الصحيح القول ان الأتجاه الغالب عليها كان سلبياً طوال العقدين الأخيرين. فعلى الرغم من ان ثقة العراقيين (عموماً) بكل حكومة كانت مرتفعة (أكثر من 50% يثقون بالحكومة) في بداية تشكيلها للدورات الستة السابقة عدا حكومة عبد المهدي ،فأنها كانت تتجه بسرعة للانخفاض بعد ذلك لتتراوح بين 20-30% دوماً. أما المؤسسة القضائية التي كانت تتمتع بدرجة ثقة عالية تتجاوز 65% حتى عام 2010 فقد عانت من أنخفاض كبير في منسوب الثقة بها بين العراقيين لتصل الى ما يقارب 35% فقط في نهاية عام 2021.

وقد تكون المؤسسة التشريعية هي الاستثناء الوحيد من حالة المد والجزر في علاقتها بالمواطن. فبعد أشهر قليلة من تشكيل أول برلمان منتخب بدأ منسوب الثقة بالانخساف(وليس الانخفاض). ومنذ 2006 حتى اليوم كانت ثقة العراقيين ببرلمانهم تتراوح بين 15- 25% فقط.

مشاركة