تمثل المادية الديالكتيكية
في الأغنية العربية الحديثة
أرجوك إوعة إتغير إنموذجاً
منهل الهاشمي
بغداد
من المعروف ان احدى اشهر اغاني المطربة التونسية (لطيفة) هي رائعتها الغنائية (ارجوك اوعة اتغير…انا حوالية كتير)!! التي عرضت بكثافة في القنوات التلفازية مطلع التسعينات.
ومؤلف الاغنية هو الشاعر الغنائي المصري المخضرم والمعروف (عبدالوهاب محمد) الذي سبق وان كتب عدة اغاني لكوكب الشرق (ام كلثوم).كما وكتب معظم اغاني (لطيفة) التي دائما ماكانت تجيب في لقاءاتها التلفازية عند سؤالها عن سبب تعاملها الدائم معه فتصفه قائلة بالنص:(لانني اشعر بان عبدالوهاب محمد هو المرآة الصادقة لاحاسيسي).
ولكنني في الحقيقة اجهل ان كانت كلمات هذه الاغنية قد اقتبسها او استوحاها او(تناص) بها ـ بحسب النقاد الحداثويين ـ مع فلسفة (المادية الديالكتيكية) لواضعها الفيلسوف الالماني الشهير (كارل ماركس) كاحدى ركائز الفلسفة التي سميت باسمه (الفلسفة الماركسية)، والذي استند هو الاخر بدوره في جذوره الفلسفية للمادية الديالكتيكية على وفق فلسفة (الديالكتيك) القائم على جدلية التناقض مابين الشيء ونقيضه، لسلفه ومواطنه الفيلسوف المعروف (هيغل)!!.
ام ان الشاعر (عبدالوهاب محمد) كانت قد وصلته كلمات هذه الاغنية الفلسفية الديالكتيكية عن طريق احد الوسطاء في بيع المزادات العالمية الشهيرة في لندن او باريس او نيويورك وسواها، بعد ان عثر عليها (الاغنية) في منزل (ماركس) عند البحث في اوراق مذكراته الخاصة ومخطوطاته الفلسفية والفكرية غير المكتملة بسبب موته، وقد اكمل اهمها من بعده بما فيها سفره الشهير (راس المال) صديقه الحميم ورفيق دربه (فردريك انجلز)؟!!.
ولكن يبدو ان كلمات هذه الاغنية قد (عبرت) على صاحبنا (انجلز) ولم يهتم او ينتبه لقيمتها الفلسفية العظيمة!!.فكان ان وصلت الى يد ذلك الوسيط التجاري المولع بجمع المقتنيات التاريخية والاثرية (الانتيكات)، فاوصلها بطريقة ما الى الشاعر (عبدالوهاب محمد) الذي سرقها من (ماركس) ونسبها لنفسه زورا وبهتانا!!.
وفي الحقيقة فان (نظريتي) الفلسفية لم تات من فراغ او اعتباطا!!.ولكني توصلت لها بعد طول تفكير وتمحيص في كلمات هذه الاغنية الاعجوبة، وانا اتقلب في سريري ليلا ونهارا…ذات اليمين….وذات الشمال…ظهرا وبطنا!!.ونتيجة لذلك التفكير والتمحيص الطويلين فقد (تمخضت) ـ ارجو قراءة الكلمة الاخيرة بشكلها الصحيح لان الخطأ فيها يعطي معنى مقرف!! ـ اقول نتيجة له تبلورت عندي هذه النظرية الفلسفية!!.
وارجو من القاريء اللبيب ـ واللبيب بالاشارة يفهم ـ ان يقرا معي ايضا بتركيز وتمحيص مطلعها (بالمناسبة فاني ساطبق نظريتي على مطلعها فقط اي “الكوبليه” الاول، لان باقي الاغنية تحتاج الى اطروحة دكتوراه في الفلسفة كانموذج تطبيقي لتحليل العينة!!).حيث يقول:(ارجوك اوعة اتغير، انا حوالية كتير…انما قلبي معاك، مخلصلك واسير…ده انا انا حوالية كتير، مالهم ولا تاثير…اصلي بدوب في هواك، وبعيشلك بضمير…ده انا…ده انا…حوالية كتير….كتير)!!!.
فلاحظ عزيزي القاريء وتامل جيدا بمعانيها الباطنة المضمرة، لا الظاهرة المعلنة !!.فكلماتها مكتوبة بطريقة تحتمل قراءتها وفق بلاغة (التورية) التي تحمل معنيين ظاهر، وباطن او مضمر.ونحن هنا نقراها وفق المعنى الثاني!!.وعلى هذا الاساس لو جسدنا هذه (الصورة الشعرية) صوريا في (فديو كليب) كما هو السائد حاليا فسيكون السيناريو كالاتي:
مشهد (1)
ليل ـ داخلي
غرفة نوم البطلة
غرفة نوم واسعة فاخرة، مضاءة باضاءة حمراء.
البطلة شابة بالغة الجمال والانوثة والاثارة.
موسيقى ( Love story) رومانسية هادئة
ترقد بقميص النوم على سرير واسع، وسط عدة
….ضحكات….همسات….تنهدات….
رجال بملابسهم الداخلية، وهي تلاطفهم بحركات
موحية مثيرة مع همس وضحك.باقي الغرفة
ممتلئة تماما برجال اخرين ينتظرون دورهم!!.
يدخل حبيبها البطل الغرفة فيصعق ويذهل للمنظر.
تلاحظ البطلة على وجهه ارتسام علامات الذهول
والغضب والغيرة.تخاطبه ببراءة منقطعة النظير.
البطلة:ارجوك اوعة اتغير، انا حوالية كتير..
..انما قلبي معاك، مخلصلك واسير..
ده انا حوالية كتير، مالهم ولا تاثير..
اصلي بدوب في هواك، وبعيشلك
بضمير….ده انا…ده انا…حوالية
(Cut)
كتير…….كتير!!!.
وكما يبدو من السيناريو لمن هو قارئ او مطلع على الفلسفة الماركسية التي تقوم على ركيزتين علميتين اساسيتين هما (المادية الديالكتيكية)، و(المادية التاريخية) فالاولى تشمل من ضمن قوانينها، قانون (نقض النقيض)، وقانون (التراكمات الكمية تؤدي الى تغييرات نوعية)، وقانون (وحدة الاضداد).وهنا يتجلى القانون الاول (نقض النقيض) باجلى صوره، فمن خلال النقيض الاول الكامن في صدري البيتين الاول والثاني: (ارجوك اوعة اتغير، انا حوالية كتير)…و(ده انا حوالية كتير، مالهم ولا تاثير) نجد النقيض الثاني المضاد له تماما، والذي ينقضه مباشرة في العجزين: (انما قلبي معاك، مخلصلك واسير)…و(اصلي بدوب في هواك، وبعيشلك بضمير)!!.
اي وكأن لسان حال البطلة تقول لحبيبها: ياحبيبي… ياعزيزي…يا(تاج راسي) رغم اني محاطة بكل هؤلاء الرجال (داير مادايري) الا انه لا تاثير لهم علي مطلقا، فقلبي مخلص واسير لك وحدك….لا سواك!!.ثم تختم مؤكدة…جازمة لاقناعه:(ده انا …ده انا…حوالية كتير ….كتير)!!!.
وبذلك نستطيع القول على ضوء (المادية الديالكتيكية) انه من خلال نقض النقيض الاول، (صدري البيتين) بالنقيض الثاني، (العجزين) قد ولدت لنا صيرورة الحب والغرام والاخلاص بين الحبيبين!!.وان استمرار نقض النقيض وفق الجدلية الديالكتيكية الذي سيتبع بثان، وثالث، ورابع……الخ.سيدفع بالتالي بهذه الصيرورة قدما نحو النمو والتطور…النشوء والارتقاء!!!.
كما ان القانون الثاني (التراكمات الكمية تؤدي الى تغييرات نوعية) يتجلى ايضا باجلى صوره في نفس المطلع حيث ان كثرة التراكمات الكمية المتمثلة هنا باعداد الرجال المحيطين بالبطلة، ستؤدي الى تغييرات نوعية تكمن بوعدها القاطع لحبيبها بان ذلك بالذات هو ماسيزيدها حبا على حب…اخلاصا على اخلاص…وفاءا على وفاء…..فتاملوا!!!.
وكذلك نجد الحال نفسه يتكرر مع القانون الثالث (وحدة الاضداد) فقد تجسد هنا كذلك خير تجسيد حيث ان توحد الاضداد (صدر وعجز البيتين) هو مايدفع بالبطلة للتمسك بحبيبها اكثر، وان تذوب في هواه، وتحيا له بضمير كبير!!.
وبذلك فاعتقد باني قد استطعت ان اثبت وابرهن على صحة (نظريتي) الفلسفية والفرضية التي قامت عليها، من خلال طرح المقدمات المنطقية والنتائج التي ترتبت عليها، بعد ان قمت بتطبيقها علميا، وعمليا على (العينة) التحليلية، مطلع اغنية: (ارجوك اوعة اتغير) انموذجا……وعلى (الوحدة ونص)!!!!.