أرجوزة البناء – مقالات – عبدالرزاق عبد الواحد

ذكرياتي 53

أرجوزة البناء – مقالات – عبدالرزاق عبد الواحد

تورطتُ ببناء  بيتٍ في محلة السيدية ، وكنت أشتغل في وزارة الثقافة والاعلام رئيسا لتحرير مجلة الاقلام . كنت أخرج مبكراً كل يوم ، بين تعليقات هيئة التحرير ، لأذهب الى شارع الموصل على موعد مع سيارة طابوق غالباً ما يأتي طابوقها أحمر يتفتت كالتراب.

ومن تعليقات سكرتير تحرير المجلة ، منذر الجبوري رحمه الله  أنني في يوم من الايام قلت له : أنا ذاهب لأنني على موعد بالحصول على وبل طابوق .. ونزلت.

في منتصف السلّم لأمتني  ابنة الوزير ، الاستاذ شفيق الكمالي رحمه الله ، وصديقتها ابنة أعز أصدقائه عبد الجبار نسيت أسم ابيه .( كَال بنت الوزير استاذ بابا و وانه جينه عليك .. عدنه شغلة لازم يصعدويانه) ..

رجعت معها فضحك منذر الجبوري حين رآني .( كَال أستاذ انته كَلت راح أجيب وبل طابوكَ شو جبت وبلين ؟).

فضحكت الفتاتان بنت الوزير وكانت تعمل رسامة لكتب الاطفال قالت :

(عمو .. بابا ينتظرك جوّه بالباب .. نزلت فرأيت الاستاذ شفيق  يضحك . كَلتله موه اي بنتك ؟ وكنا أنا وشفيق ويوسف الصائغ رحمهما الله أصدقاء جدا)ً

مقدمة

ممَا روى آباؤنا قديما       مُجرّبا سَلْ لا تسلْ حكيما

وقد بلوَتُ قصة فريده       وخضتُ في تجربةٍ عنيدَه

خرجتُ منها عامرَ القريحة     مُمتلئا بهذه النصّيحة

من غضِبَ الله عليه جدا      وكل مخرجٍ أتاهُ نسَدا

فلم يجد من البنا بُدا

فلا يخَفْ من شِحةِ الطابوقِ    أو ما يُقالُ عن فراغ السّوقِ

وليتأكد وبِعونِ الله              بأنه سوف يكون راهي

ان سَار مُنذُ الآن في ثيابِ     على الطريقِ المستقيم الآتي :

خطة عمل :

تبدأ مَشروعا لعشرينَ سنَة

لاحظ هُنا أنّ قياسَ الأزمنة

ليسَ اعتباطا أنما بالمِسطره

فشغلَةُ التخطيط ليستْ عفتَرَه

في السنة الأولى بكل صورَه

لا بُد أن تبدأ .. تبني كُوره

حينئذٍ على المدى البعيدِ            يمكنُ لا البناءُ من جديدِ

لكن بما نبيعُ في الجوارِ           يمكنُ أن تُسدّدَ العِقاري

وربما تغدو من التُّجارِ

في عامكَ التالي بلا انتظار      أجرْ مُناديا من الشُّطار

يطوفُ في الدّروبِ والأزقة     وهكذا وبدونَما مشقّه

تجمعُ ما شِئتَ من الحديدِ         بثمن مُناسب زَهيدِ

ولا تبُور حاجةً .. جرباياتْ     صفائح فارغة بوريّات

فهي لدى المُهندسِ الصّحيح         ان لم تَفدْ شيئاً فللتسليح

وقد رأيتُ خلقة ملاكا               طلعَ من قريولهٍ شُباكا

في السنةِ الثالثةِ المُباركه           تدعو بلادَ اللهِ للمُشاركه

تذهبُ في الصيّفِ الى بُراغِ        تعودُ منها مُثقلا براغي

في عامِكَ التالي تزورُ زِغربا     تجمع منها ادَواتِ الكَهربا

وهكذا في كلّ عامٍ تشتري         شيئاً وهذا من مَزايا الفر

هذا ودَعْ في جملةِ المُصادَفة    أن تشتري كميّة مُضاعفة

تبيعُ نصفا بِ ( ثِقوا ) و(حاشا )     يُصبحُ ما اشتريتهُ بلاشا

هنا إذا كنتَ فتى ذكيا             إعمل بحزمٍ عملاَ خيرياً

فمثلاَ قُلْ أبتني مستشفى        قدّم فقط خرَائطا وكشفا

تحْصل على أجازةِ استيرادِ       وأنتَ والخير على ميعادِ

مُشكلةُ الاسمنتِ تبقى مُشكله      حلُولها أكثرُ منها مُعضِله

وقد وجدتُ قبلَ عامٍ حَلا        ولم ازلْ بينَ بَلى وكَلاَ

قلتُ بني أجدادنا في بابل      وما يزالُ ما بذوهُ ماثلْ

وأهلنا بعضّ روى عن بعضِ     بأنهم دافُوا صَفارَ البيضِ

في الطين ثم استخدموهُ في البنا      فكان أقوى أُسُسنا وأمتنا

هُنا أقرُّ أنني قصّرتُ            ذاكَ لأني قطُّ ما استشرتُ

فلو مُبكرّا بنيتُ مَزرعه           وجبتُ أفراخَ دجاج أربعَه

لكَانَ لي من بعدِ عشرينَ سنه       كميّة من بيضها محسّنه

تجعلُ كل اُمنياتي مُمكنه  !

وهكذا وبعدَ عشرينَ سنَه       إذا تحليتَّ بروحٍ مؤمنَه

ثمّ تصرفتَ بدونِ خَربطه      وِفقاً لما جاءَ بهذي المَضبَطه

تمُتْ قَريرَ العينِ والفؤادِ        من بعدِ ما خلّفتَ للأولادِ

كلّ الذي يَلزَمُ للبناءِ             وهكذا تضحيّةُ الآباء . !

 نصيحة متأخرة :

إذا استطعتَ في السنين الأولى      فلتتزَوّجْ عَدداً معقولا

قلْ أربعاَ ولا تكُنْ كسولا         أنجِبْ ثلاثينَ فتى فحولا

حينئذٍ يَزولُ كلُّ الاشكال         فأنتَ قد هَيّأتَ حتى العُمّال وهكذا كما تَرَونَ المسألة   ليستْ كما يُقالُ عنها مُعضله  !

ارجوزة العتَاوي

في فجر يوم من أيام السنة الأولى للقادسية ، رنّ جهاز الهاتف في بيوت جميع المدراء العامين لوزارة الثقافة والاعلام.

كان المتحدث السيد عدنان الجبوري ، مدير مكتب الوزير .. وكان قد تلقى توجيها بدعوة المدراء العامين للحضور الى الوزارة مبكرين في ذلك اليوم ، وبكامل قيافتهم العسكرية .. ويذكر ان المدراء العامين طاروا فرحا بالتجهيزات العسكرية الكاملة التي وزعت عليهم في بدء الحرب .

كان الجيش العراقي قد دخل المحمرة قبل يومين ، وكان التوجيه يقضي بارسالهم الى الخطوط الأمامية في الجبهة ليطلعوا على سير العمليات القتالية هناك .

من بين المدعوين كان الفنان الكبير منير بشير .. والفنان التشكيلي المعروف نوري الراوي والمؤرخ سالم الألوسي ، وأبو معتز مدير عام دار الحرية للنشر ، والاستاذ بدر مدير عام قصر المؤتمرات والسيد سامي الموصلي ، والشاعر عبد الامير معله وكيل الوزارة وصاحب هذه الأرجوزة الشاعر عبد لرزاق عبد الواحد وآخرون …

الجميع تلقوا الدعوة بصمت الا نوري الراوي الذي جرت المخابرة معه كما رواه عدنان الجبوري على الوجه التالي :

ألو .. الاستاذ مدير عام قصر الفنون ؟

_ تفضلوا .. يتكلم

_ استاذ تتفضل اليوم للوزارة الساعة الثامنة وبملابسك العسكرية رجاء.

_ ليش شكو ؟؟

_ اليوم كل المدراء العامين يسافرون للجبهة .

_ انتو لازم متوهمين .. آني الفنان نوري الراوي .

_ أعرف استاذ .. حضرتك الفنان نوري الراوي مدير عام قصر الفنون

_ لا أخي انت متوهم .. آني مدير مو مدير عام .

_ استاذ أني عدنان الجبوري مدير مكتب السيد الوزير . .

_ اهلا استاذ عدنان .. بس اني مو مدير عام لويشدا أجي ؟؟

_ أبو احمد .. إسمك مع المدراء العامين بالقائمة تفضل قبل الساعة ثمانية رجاء .

وبقي الهاتف معلقاً بيد نوري الراوي بلا جواب .

الأرجوزة

والآن أين يهربُ الخُميني ؟

جئنا بكلّ مُشرَعٍ رُدَيني    مُشلّهِ الأرجُلِ واليدَينِ

يجري كما يجري أبو الحُصَينِ

سَريّة من أرهبَ السّرايا          تُمطرُ بالحتوفِ والرّزايا

كأنها من جُشَمِ بقايا

وجدتُهم في مَدخلِ الوزاره     وهُم مُكربَسونَ في النّظارَه

واحِدُهُم يضحكُ من بَلائِه     ضِحكتُهُ أدنى الى بُكائهِ

وكلّما رأوا موظّفا دَخَل          قامَ إليه بعضُهم على عَجَلْ

يُوقِفهُ .. يسألُ عن صِحتِهِ     ويُكثٍرُ السؤالَ عن راحتِه

ثمَّ يَلوفُ بالسؤالِ في حذرْ    فمثلا يسألُ عن آخرْ خبرْ

الوضعُ في الجبهةِ وضعٌ راقي

طبعاً .. وما ظنكَ بالعراقِ ؟

الحمدَ لله .. رَبعنَه راهينْ ليشْ هيّ هذي بحَاجه للبراهينْ؟

قصدي وضِعنَه على الجبهه بالذاتْ

تعتقِدْ يحتاجون أي تعزيزاتْ ؟

وهكذا .. دَقيقَه    يقتنعُ السَّائِلُ بالحقيقَه

حتى إذا تأكدوا من الخبرْ    وأيقنوا بأنهُ ما من مقرْ

صارَ السؤالُ عن طريقةِ السّفرْ

قال فتى َ : ما هذِه اللجاجَه ؟   وهل يرَونَ للسؤالِ حاجة؟

أكيدْ في سيّارةٍ مُريحَة       مفروشةٍ .. مُعدلَه .. فسيِحه

إذا وصلنا اليوم بالسّلامه    تُرى سنحتاجُ الى بَجامَه ؟

والتفَتَ الأخرُ نحوض السّائل    مُستنكراً مُو كلنَه أنتَ عاقلْ

ما أدري شتطلعلنَه من حجاياتْ

يكَله بجامه .. شنو ليشْ راح نباتْ ؟

وبينما هم بينَ ردّ وبدل   صيح بهم : إخوان .. يلله بالعَجلْ فَسادَ صمتٌ مثلُ صمتِ المَوتى

ولم تعُد تسمعُ مؤنهم صوتاً

وفجأة نادى مُنادٍ منهم     يا هله بأخوتنه النّشامه حيهُم

فاندفعوا في هَرج وفي مرج

يدفع بعضنا بعض على الدّرج

قال فتى مُخاطباً صديقه    بالله فلان انتظروا دَقيقه

نسيتُ أن أذهبَ للتواليت   وقال ثانِ .. سأخابر البيتْ

وبعد ساعة بحِث في الدّاربين

جيء بهم ثانية مخفورينْ

ثمّ استعَدوا حاسِرا ودارعْ   واحدهم كانه مُصارعْ

وفجأة بينا هُمو في الشارعْ

طك تايرْ يصف شرِكات التأمين    اذا بهم جميعهم منبطحينْ

اليوم يومُ الضّرب في الرؤوسِ   جئناهمو بأيّما كردوسِ

الوَيب ثمّ الويل للمَجوسِ   من جمةٍ لسالم الآلوسي

تلقي عليهم أفجَعَ الدروسِ

رأيته بمنتهى الأناقه   شدّ فويقَ طيزِهِ نطاقًه

مُكسّمَ  القامَةِ أبهى ما يُرى     أمامهُ نِصفٌ ونصف ليِورا

ثمّ مَضى من زَهوهِ يتمطّه      مُنتفخاً يسيرُ مثلَ البَطه

من خَلفهِ يَحجٍلُ نوري الرّاوي     تتبعُهُ بقية العتاوي

أمّا الفتى نوري فوجْهُ نوري    يُنذِرُ بالويّل وبالثبورِ

يصفرّ يحمرّ جميع ألألوان    تنتابُه ،يقول يفطُس الآن

ويعم على سبعينَ منّ الجيرانْ

يُفلتُ من هنا ويزبكْ منَاك    يجلبْ بهذا ثمّ يركض لذاكْ

يهمسُ في تلفت ويحتاطْ   خُلاصةُ الهَمسِ وبيتُ الرّبَاطْ

إنتَ مُنحنّ ؟ .. أجل جايبْ شخَاطْ ؟

وفجأة يصرخُ صوتٌ ثاكِل    إخوان أرجوكم بلا مَشاكلْ

أعصابي آني .. أني كُليّ أعصابْ

موسيقى آني .. عبقري مُو كَصّابْ

عندي ضغطْ ، كبدْ مَرارَه قولونْ

سُكّرْ .. وحساسيّه بالبريتونْ

كُل هذي وجمالَه جكايرْ شلونْ ؟

ومن خِرجْ علقُه في الرّقبةْ     يخرجْ مُنير عُلبة مُذَهبّه

يُخرجُ منها كيكه معسولَه   يبلعُ قبلَ أكلها كبسولَه

ثمّ وفي لمّح البصر يسرطها    يُخرجُ حامضْ حلوَة يكرطها عندي ضغطْ ، قولون آني تعبانْ     حَمال أني أشتغلْ مو فنانْ

وتالي مَتالي رايح لعبَدانْ

أرجوزة الكهرباء

الحمدُ للهِ الحياةُ مُبهِجه    فقد مضَتْ كلُّ الليالي المُزعجه

وكلُّ إشكال وجدَنا مَخرجَه    وهكذا صِرنا .. ودونَ بَهرَجه

أمورُنا جَميعها مُبرمَجَه  !

خيرُ مثالٍ للنظامِ المُجتبى    تنظيمُنا الرّاقي لشأنِ الكهربا

قواَئمٌ مَحسوبةٌ مُجدولَه

مغسولةٌ ، منسولَةٌ مُعدّله

فيها الورى حقوقهُم مُفصّله

يعرف كلُّ واحدٍ ما حلّ له

محكومَةٌ بالكومبيوتراتِ    فلاَ مَجالَ بعدُ للشّكاةِ

فمثلاً في اليوم أنتم تدرونْ    ساعاتُ همٍّ أربعٌ وعشرونْ

نحن جعلناها لكم مَتاعا    وفرصةٌ للأنسِ لو تُراعى

حيثُ قسمناها لكم أرباعا

فستُّ ساعات بدونِ بهذَلَه    نامُوا لأنّ الضّوءَ لا سبيل لَه  !

مادامتْ السيّدةُ المُحوّله     قد حرَنَتْ وقد أثارَتْ مُشكله

وبعدها القُوة كالألغاز

تأتي بشكلٍ مبهمٍ مَجاري

للحظة .. كأيّما انتهازي

بقدرِ ما تحرِقُ كم جِهازِ  !

وتنطفي .. ونحن باعتزازِ    نقدّمُ الأعذارَ والتعّازي  !

ثمّ تغيبُ سِتّ ساعاتِ أخَر   وعندمَا تُسألُ أنتَ : ما الخبرْ ؟

فأنتَ مَعذورٌ فلستَ مُختصّ    ولستَ تدري الأمر كطعاً أو كصّ

أو وايَراص بِوايرَ مُخربصْ  !

أمَا لدّينا فالأمورُ اعوصْ

فقد يَكونُ المُشكل ُ المُؤذي    سببُه خَنفسَةُ المُغذّي !

عندئذٍ، لِست ساعاتِ أُخرْ     عُمّالُنا يشتغلونَ لا مفرّ

هذا إذا رُبعُ النّهارِ يكفي     ويحَ المُغذّي عندمَا يُطفي

كلُّ المَحطاتِ إذن تُغفّي  !

كما ترَونَ الان .. نصفُ اليومِ    مَرّ بِنا ونحنُ دونَ نَومِ

فهَل لَكُم من عَتبٍ أو لَومِ ؟

من منكمو أحصى لنا الشتّا    كم عصفتْ ريحٌ وكمْ غيمٌ عَتا ؟

من أمطَرتْ ؟ وتعلمونَ بالخطرِ   جميعُهُ يأتي لناَ من المَطرْ  !

والماءُ رِزقٌ .. لا تكن ممّن كفَرْ   ولا يُحرّضكَ على الرِزقِ البَطرْ

نقطعُ كلّ الكهربَا ولا المَطرْ  !

سجّلُ لديكَ سِتّ ساعاتْ أخر !

وهكذا .. بعدَ احتِساب ما فاتْ      يبقى من اليومِ لنَا ستْ ساعاتْ

أينَ نؤدّيها ؟؟ .. هُنا سيّاره    طخّت عموداً وهنا عِماره

تكوّمتْ فوق عَمودٍ ثاني     ونخلةٌ عرّتْ من البستانْ

عَمّتْ على سبعِ من الجيرانْ !

هذا عَدا عن هرجةِ المَجاري    وزَحلكاتِ الجارِ فوقَ الجارِ

وأنتَ تدري أنّ هذا إرباك     وكُلّهُ يُوحي بقطعِ الأسلاكْ

ثمّ تَجيئونَ تُطالبونا          أن نفتحَ الآذانَ والعيونـــــا

واللهِ إنّ أنتمُ لظالِمونا

لأننا مُشتعِلٌ أبونا

وتفرَحونَ أن تُشاكِسونا  !