أديبة مغربية تكتب عن المنجز الشعري العراقي ــ حسين سرمك حسن
عمارية كريم قصائد تستمد جذوتها من اللهيب المفجع
من الشعر العراقي المعاصر العالم الشعري لمثنى محمد نوري هو عنوان الكتاب الذي صدر للأديبة المغربية عمارية كريم عن المنجز الشعري للشاعر العراقي مثنى محمد نوري .
ومثنى محمد نوري المولود ببغداد في عام 1938 صاحب تجربة شعرية طويلة زمنيا حيث أصدر ديوانه الشعري الأول مصرع النسر في عام 1967، في حين أصدر آخر دواوينه رسائل النسيم في عام 2011. وبين هذين التاريخين أنجز تسعة دواوين شعرية هي
عينان من الغيب ــ 1999، أطياف ــ 2001، اشواق ــ 2005، أعشاش الحب ــ 2006، من عطر الأحباب ــ ، حكاية عمر، هينمات الرؤى ــ 2006، ثمالة العمر، ولهب الوجدان . ومن يتأمل هذه المسيرة الشعرية الثرة يلاحظ فجوة في الإنجاز أو الإصدار تمتد من عام إصدار الديوان الأول 1967 إلى عام إنجاز أو إصدار الديوان الثاني وهو عام 1999، أي بمقدار ثلاثين عاما يبررها الشاعر بعهد قطعه على نفسه بأن لا يقرض شعرا بعد استشهاد أخيه النقيب الطيار خالد محمد نوري في عام 1966.
وقد انبرت الأديبة المغاربية عمارية كريم لدراسة المنجز الشعري للشاعر العراقي مثنى محمد نوري في رحلة استشرفت في منطلقها عوالمه الشعرية منذ الطفولة الغضة ، غائصة في العوامل التي أسهمت في تشكيل شاعريته وتحديد مضامينها ورسم مساراتها، وممسكة بالإتجاهات الأساسية التي سيطرت على اهتماماته الشعرية المبكرة والتي تنامت مع تصاعد عوامل نضج أدواته وإحساسه بالطبيعة الثورية لدور الشعر والشاعر.
لقد انطلقت الناقدة من عش البداية وعصافير التجربة المرهفة التي مرت منها، وخطّت على صفحات عوالمه الشعرية البيض أول خطواتها الهشة الفصل الأول . ثم التفتت إلى ذلك الإنشغال المبكر بلهيب الزمن العراقي الفاجع سُجن مثنى ووضع تحت الرقابة وعمره أربعة عشر عاما وبلهيب الزمن العربي الذي كان جامحا عزوما آنذاك ، وكيف اشعلت متغيراتهما الصاعقة لهيب وجدانه الشعري الفصل الثاني .
ولأن للحب مساحة هائلة في تجربة مثنى محمد نوري الشعرية والحياتية، إنعكست على حجم الإنشغال به في الغالبية المطلقة من دواوينه وقصائده، فقد جاءت وقفة الناقدة مستفيضة أيضا لتحليل دوافع هذا الحب المتمظهر غزلا، وفعل تجاربه الشقية وانعكاساتها على معجم معالجاته لموضوعة المرأة والطبيعة والزمان والمكان ودلالاتها الفصل الثالث .
ويبقى العمل النقدي الفعلي والأساسي مرتهنا في جانب كبير منه في القراءات النقدية التطبيقية التي اشتغلت فيها الناقدة على استكشاف مفاتيح شاعرية الشاعر التي حددتها في الحب، الجمال، القيم الإنسانية ، اللذات الحسّية، وقيم المجتمع . مثلما عرضت لأنماط التعبير التي استعان بها مثنى كالسيرة الشعرية والسرد الشعري القصة الشعرية والأوبريت والمحاورة وغيرها الفصل الرابع .
وتختم الناقدة دراستها هذه بالقول
ويبقى الشاعر مثنى محمد نوري إضافة وثراء للشعر العراقي المعاصر، وعالم شعري يجسد لنا رؤى خاصة ووقائع وحالات ممتعة، خلال باقات من الوفاءات للغة الفصحى وبيانها، وللأذن الموسيقية التي سما بها الوزن وبحور الشعر العربي، ووفاءات أخرى لمضامينه وقضاياه الخاصة والوطنية والقومية والإنسانية. وقد تختزل كل هذه الوفاءات في كلمة صغيرة في حجمها، معدودة بمفرداتها، ثقيلة بمعانيها في ميزان الإنسانية، هي عنوان كل لقاء سامي، ومفتاح التعايش .. الحب إلخ ــ ص 186 و187 .
هناك أولا سمة الإنبهار التي تحولت إلى ظاهرة وسمت الجهد النقدي للباحثة بأكمله ومن بدايته حتى نهايته. من المعقول أن يبدي الباحث إعجابه مادام قارئا بصورة أساسية بموضوعه المنقود أي الشاعر لكن أن لا يتحوّل إلى ما يشبه موضوع الحب القرائي الذي يستنزف طاقة الناقد التحليلية واللغوية في توصيفه وتحديد سماته . في الصفحة الأولى نقرأ إهداء شكرا لك يا شاعري البهي مثنى محمد نوري إذ منحتني حياة أخرى في أمكنة وأزمنة .. إلخ وبعد صفحتين نقرأ في روح الإبداع لا منهج نقدي سيحيط بجمالياتك أيها الشاعر الخلاق البهي، فابتهج بكل من يحفظون أشعارك عن ظهر حب.. إلخ ص 6 . ثم نسير على هذا المنوال أو قريبا منه على امتداد صفحات الدراسة. خذ مثلا وقبل أن أغلق هذه الصفحة، لا أرى الشاعر حفظه الله ، إلا طاقة فوق الظروف ص 28 أو ندرك أننا أمام فارس خاص، خاص باسمه الـ مثنى الذي شكل حياته وتحكم في أقانيم وجوده بصيغة المثنى العاشق للإمتلاء بسحر حواء سعادة لن يتوقف من التماسها مهما اكتوى بغدرها . وهو فارس خاص أيضا لأنه من سلالة قوافل الشعر العربي الوجداني من امرىء القيس وعنترة .. إنه أبو الليث كما يكنى بين أترابه سابقا .. إلخ ص 74 .
هناك ثانيا اللغة التقليدية المتخمة بالوصف وبما يشبه الروح المدرسية التي رفضتها الناقدة ابتداء عندما شجبت طريقة الثعالبي وسخرت منها . تقول عمارية على سبيل المثال لا الحصر وهل شاعرنا مثنى إلا بلبل في أعشاش حب يتضايق من فراغها حد الجنون، فيطير في حقول الجمال ، بحثا عن عصفورة تأسر نحلات النفس لتسكن عش أحلامه الزاخر بمفاجآت العشق، كيفما كان لون وشكل العصفورة ، فهو كريم معها إذ يظل ملهما بسحرها وجمالها زمنا .. إلخ ص 74
وهناك أيضا ظاهرة التكرار في المعلومات المتعلقة بسيرة الشاعر كيتمه المبكر وعلاقاته العاطفية بزوجته خصوصا ــ ومواقفه الحياتية أو في التحليلات والطرق على الثيمات المركزية ، وبشكل خاص ما يتعلق منها بموضوعة الحب.
ــ ذكرت الناقدة تعبير الرواية البودليرية ص 11 مقلرنة بالرواية البلزاكية . ولم استطع فهم المقصود لأن ما أعرفه هو ان بودلير شاعر وليس روائيا.
AZP09