أداة بناء الأمة لا تصنع الرجال

أداة بناء الأمة لا تصنع الرجال
اتخاذ السجون في الحالة الطبيعية يكون لغايات إصلاحية واحترازية، فهي تهدف لإصلاح المتجاوزين على القانون، وردع العابثين بالأمن والنظام العام، وليست غاياتها انتقامية ثأرية مزاجية.
والسجون هي أداة من أدوات البناء والإصلاح والتأهيل في المجتمع، وذلك حينما تكون الأحكام الصادرة بحق المتجاوزين على القانون هي أحكام عادلة، منضبطة بالعدل والإنصاف، وبعيدة عن الأهواء الإنسانية، الشاذة والمتناحرة مع القانون، وكذلك ينبغي أن لا تكون تلك الأحكام القضائية متأثرة بالسياسية، وإلا فان تلك السجون ستكون معولاً للتخريب والتدمير في المجتمع.
والسجون، أو المعتقلات في العراق بعد عام 2003، مليئة بالقصص التي تصلح لأن تكوّن منها أورع الأفلام والروايات التراجيدية المؤلمة. ولطالما كتب الكُتاب، وصرخ الأخيار بخصوص الانتهاكات القاسية لحقوق الإنسان في المعتقلات الحكومية العلنية والسرية، إلا أن المشكلة هي في كون بعض المراقبين يعتقدون أن هذه الأطراف تكتب، وتصرخ من أجل تشويه صورة الحكومة فقط، وأن هنالك مبالغة في تصوير المشهد العراقي، والأوضاع العامة في المعتقلات الحكومية.
والواقع أن المهازل الجارية في داخل وخارج الدهاليز ” المعتقلات” الحكومية، وصور الابتزاز لأهالي المعتقلين وصلت لمديات لا يمكن تصورها، ومشكلتنا إننا في الغالب نتقبل شهادة الأجانب من غير العراقيين، أكثر من شهادة أهل المصيبة، وطبعاً هذا خلل في مفهوم الشهادة، وإلا فان أهل مكة أدرى بشعابها.
وعلى العموم ومن باب مجاراة الآخرين، ومن أجل إيصال الحقيقة المؤلمة المستمرة في المعتقلات الحكومية، وكذلك لتصوير الابتزاز الذي يتعرض له أهاليهم، أنقل بعض ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 16 /1 /2012، في تحقيق تناول قضية انتشار الفساد في العراق، حيث أكدت الصحيفة أن عوائل المعتقلين العراقيين تتعرض للابتزاز من جانب المسؤولين الحكوميين الذين يطالبونها بدفع فدية مقابل الإفراج عن أبنائها، وأن الضباط الحكوميين يعتقلون المواطنين بشكل منهجي باتهامات ودعاوى ملفقة، ثم يعذبونهم بأساليب وحشية، قبل أن يَبتزوا ذويهم لدفع الرشا مقابل إطلاق سراحهم.
وسردت الصحيفة مأساة أم عراقية تدعى (أم حسين)، التي اختطف ثلاثة من أبنائها من قبل إحدى الميليشيات المنتشرة في عموم البلاد، ولم ترهم حتى اليوم، وأن أحدهم اختطف عام 2007، ولم تسمع عنه أية أخبار حتى ظنت أنه في عداد الأموات، لكنها تلقت – مؤخراً- اتصالاً من أحد الضباط، الذي أخبرها أنها تستطيع أن تقابل ابنها إذا دفعت رشوة، فاستدانت من إحدى جاراتها، وذهبت لتراه في السجن، لكنها لم تتعرف عليه؛ بسبب آثار التعذيب، وبيّنت أنه لم يكن ابنها، وان من التقت به هو شخص آخرفهل سيشكك المنحازون للحكومة بهذه الحقائق، ويطبلون، كما تطبل وزارة حقوق الإنسان الحكومية التي تدعي أن العراق خال من السجون السرية، وانه لا توجد انتهاكات لحقوق الإنسان في داخل تلك السجون!
هذا هو حال المعتقلات في بلاد الرافدين: ظلم، وانتهاكات لحقوق الإنسان وكرامته، ومعتقلات سرية تابعة لرئاسة الوزراء، وابتزاز للمعتقلين وعوائلهم، والنتيجة مزيداً من الضحايا في قافلة الظلم الذي لم ينته بعد في العراق المظلوم، وعذابات قاتلة في داخل المعتقلات وخارجها، وآهات مستمرة في وطن اغتيلت فيه العدالة، وغيب منه القانون!
وهل من عدالة في دولة القانون!
امنية السامرائي – بغداد
AZPPPL

مشاركة