أخبار الشرطة والجريمة في صحف ولاية بغداد بالعهد العثماني – أكرم عبد الرزاق المشهداني
اهتمت صحف ولاية بغداد العثمانية اواخر القرن التاسع عشر، باخبار وحوادث الشرطة وخصصت جزءا من محلياتها لهذال الشان، عن نشاطات الشرطة في ملاحقة المجرمين، من اللصوص والاشقياء، كما كانت تكشف عن الفساد الذي يدب في مخافر الشرطة بولاية بغداد ومن المعلوم تاريخيا ان الوالي مدحت باشا هو اول من اسس مطبعة آلية في مدينة السلام، جلبها معه من القسطنطينية، كما جلب معه مطبعة حجرية متقنة هي «المطبعة العسكرية» التي سُميت ? «مطبعة الفيلق»? لتقوم بطبع ما يحتاج إليه الجيش، والمنشورات والأوامر والكتب الفنية والعسكرية، وكانت مطبوعاتها سرِّية لا يطَّلع عليها إلا كبار الضباط؛ خشية تسرُّب الأسرار العسكرية إلى الخارج. وهكذا أصدر مدحت باشا جريدة «زوراء» أول جريدة رسمية في العراق باللغتين العربية والتركية. كما كانت هناك صحيفة اسبوعية اخرى تصدر في بغداد هي «صدى بابل». وقد تنافست الصحيفتان في الاهتمام بالشان المحلي، وبخاصة اخبار الجريمة والمجرمين مستقية مصادرها من مخافر الشرطة في ولاية بغداد.
شقي متهور
وقد نشرت الصحف البغدادية في تلك المدة أخبار عن بعض أنشطة الشرطة في هذا المجال، فقد نشرت جريدة صدى بابل في عددها المرقم (87) الصادر في 30 نيسان 1911م تحت عنوان “أخبار الشرطة” ما نصه: «إذ قبض الشرطي عبد القادر أفندي من مخفر الحيدرخانة على عزاوي بن سلمان من أهالي سامراء قاتل (جاويش الجندرمة)، كما قبض محمود بك مأمور الشرطة على عباس عوفية الفار الشقي المشهور المحكوم خمس سنوات أشغال شاقة (بالكورك)، وسلم إلى الحبس فنشكر همّة الشرطيين الموما إليهما لا سيما همة محمود بك
وعلى مستوى مكافحة الجريمة زخرت الصحافة البغدادية بأخبار عديدة عن ذلك فقد نشرت جريدة “زوراء” بتاريخ 23 أيلول 1914 خبراً جاء فيه: «لما مرت دورية الشرطة للشورجة خلال الساعة التاسعة من الليل في زقاق المسيحيين صادفوا ثلاثة أشخاص ولما استفسر منهم أجابوهم باستعمال السلاح على مأمور الشرطة، فأخذوا بمتابعتهم، فعرف أن المذكورين هم حمدان بن علي من محلة راس الساقية، وحسين بن محمد من محلة العوينة، ومعهم رفيق آخر حتى الآن لم تعرف هويته، وهم إن كانوا فروا في الليل لكنه قد قبض على حمدان وحسين، ولم يزل التحري والتحقيق جار على الشخص الثالث»
ونشرت جريدة زوراء في عددها الصادر في 29 مايس 1914خبراً عن «القبض على مجيد بن عزيز البالغ من العمر 15 عاماً من محلة بنات الحسن في رأس القرية، وهو يسرق بعض الأشياء من دكان الحلاق الواقع في سوق القزازين، وذلك لإنسداد السوق من نهار السبت، وقد شد شصاً بالحبل الذي معه، وفي نتيجة التحقيقات معه تبين أنه سرق سجادة وأربع بسط من (الفيلي ملا علي) الواقع (خانه) في سوق الكبير، ومن البصرة سرق ثلاث مسدسات، وذلك باعترافه وهذه الأشياء المسروقة قد جمعها عند شريكه في الجرم حسين، والمدعو عبود، فاودعوا مع أوراقهم إلى جهة العدلية»
كما نشرت جريدة زوراء في 10 تموز 1914 «إن عبد الحسين بن محمد الذي كان قد صدر بحقه مذكرة قبض والأخذ عليه المظنون بدخوله قبل هذا بقصد السرقة إلى قصر (ساسون أفندي الموسوي) وجرحه مع صهره (شاؤول) قد قبض عليه مأمور الشرطة وسلمه إلى دار الحبس».
وكان من رجال الشرطة المعروفين في بغداد صالح أفندي الذي اشتغل قبل ذلك مفتشاً في دائرة بلدية بغداد ولما شوهدت فيه الجدارة التي تؤهله أن يكون شرطياً نقل من دائرة البلدية إلى دائرة الشرطة برتبة مفوض ثم رفع إلى رتبة مفوض أول وقد أشتهر صالح أفندي بقوة بأسه وهمته في تعقب الجناة ومطاردة الأشقياء، وتوفي عام(1917) بعد احتلال بغداد من قبل البريطانيين، ويأتي بعد صالح أفندي، رفعت أفندي المشهور( برفعت الشرطي) وهو برتبة مفوض أول ومن صفات هذا الرجل أنه كان ضخم الجثة بطيئاً، والذي يشاهده لأول مرة يعتقد أنه لا يتمكن من السعي على قدميه إلا بتكلف وإنما هو خلاف ذلك فإذا ما تعقب الجناة والأشقياء تابعهم بخفة الغزال وقد لعب دوراً كبيراً ما لعبه أحد من قبله، وتوفي عام 1919.
وكانت الصحف تقدم الشكر لرجال الشرطة إذ شكرت جريدة صدى بابل همة مدير الشرطة أمين أفندي بسبب أمانته وصدقه وحرصه على الأمن والنظام في الولاية، كما شكرت جريدة صدى بابل في 16 تموز 1911 ما يلي: «همّة مدير الشرطة محمد توفيق أفندي لما بذله من اعرض الأمر على الوالي جمال بك وطلبه إلقاء الحجر على المحتكرين ومنعهم من مسواق الحبوب والسمن وغيرها».
ونلاحظ من جانب آخر أن بعض رجال الشرطة على النقيض من ذلك ومنهم أحد ضباط الشرطة في بغداد الذي جعل من نفسه زعيماً لكل اللصوص وقطاع الطرق في الولاية، وكان عادة يحصل على حصة من كل السرقات.
وكان من ضمن مهام الشرطة إسداء النصح للمواطنين بعدم استخدام الأسلحة النارية في المناسبات، فقد نشرت جريدة زوراء في 15 مايس 1914إعلاناً عن مديرية الشرطة جاء فيه: «تمنع الأهالي في المناسبات من إطلاق العيارات النارية من سطوح المنازل ومن البساتين أثناء الأحتفالات وذلك لما يسلب الراحة العمومية ودوام ذلك لا يجوز وصار هذا الحال تحت الممنوعية القطعية، فمن يتحرك خلاف ذلك فإنه يُقبض عليه وتجري في حقه المعاملة القانونية وتصادر منهم الأسلحة ويسلمون إلى جهة العدلية».
ومن ضمن مهام الشرطة أيضاً مساهمتهم في صد الفيضانات فقد ورد في جريدة زوراء في 3 كانون الأول 1914 خبراً جاء فيه تقديم الثناء على « مأموري الشرطة أثناء فيضان نهر دجلة في شهر تشرين الثاني (1914)? والمساهمة مع الأهالي في منع غرق مدينة بغداد ولا سيما في منطقة الرصافة على ما أبدوه من الهمة والغيرة ويستحقون لهم الشكر والتقدير على ذلك».
كما كانت شرطة بغداد تقوم بأعادة المفقودات إلى أصحابها بعد العثور عليها، فقد نشرت جريدة زوراء في 17 آذار1914 إعلاناً عن دائرة الشرطة في بغداد،«أن لديها حجل فضة وذهب غازي، فمن كان صاحب ذلك فليراجع دائرة الشرطة لأجل الأثبات».
وفي 20 تموز 1913 نشرت زوراء خبراً جاء فيه: «وجد بيد شخص يدعى مراد علي حسين، الكثير من المصوغات الذهبية والفضية، إذ قدرت وزنها (36) مثقال من الذهب و(16) مثقال من الفضة، فمن كان صاحبها، فليراجع دائرة الشرطة».
كما نشرت جريدة زوراء في 19 تشرين الأول1913 إعلاناً صادر من دائرة الشرطة جاء فيه: «إن الشخص الذي يزعم أنه من أهالي العربان، ومن عشيرة البو فهد من صنف البقالين، ويتسمى باسم محمد بن ذياب لما جرى التحقيق عنه، وجد أنه كتم هويته وقد بقي مجهول المحل، وقد قبض عليه مأمور الشرطة في الكاظمية وبيده ثلاث ظفائر من الذهب الخاصة بحلي النساء وهي الآن محفوظة لدى دائرة الشرطة، فمن كانت مسروقة منه أو مفقودة من عنده فليراجع دائرة الشرطة».
دراهم وخاتم
كما اشادت جريدة زوراء في 11 أيلول 1914 «بهمة مأموري الشرطة وهم رشيد أفندي وصالح أفندي من مخفر رأس القرية الذين استجابوا لنداء المرأة المسيحية (ليلو) إذ دخل عليها بعض الأشقياء وسرقوا بعض النقود وبعض الأشياء من بيتها واثنت بذلك جريدة زوراء على عملهم البطولي وطالبت بلزوم المكافأة لهم». كما نشرت جريدة زوراء في 20 تشرين الأول 1915 خبراً جاء فيه: «تم التقاط كيس من النقود في يوم 29 من شهر ايلول وقد حفظ في دائرة الشرطة فمن كان صاحبه فليرجع دائرة الشرطة في بغداد».
وكذلك خبراً آخر عن عثور الشرطة في بغداد في سوق الشورجة على «حجل من الفضة مكسور ملفوف بمنديل أحمر يخص العربان، وقد سلم إلى مخفر شرطة الشورجة، وأخيراً أرسل إلى المركز فمن كان صاحبه فليراجع دائرة الشرطة».
كما نشرت جريدة زوراء في 3 كانون الأول 1914 إعلان عن دائرة الشرطة جاء فيه: «وجد كيس فيه خاتم ومقدار من الدراهم، فمن كان صاحبه فليراجع دائرة الشرطة».
وكان من ضمن مهام الشرطة إلقاء القبض على الفارين من الخدمة العسكرية فعلى سبيل المثال نشرت جريدة زوراء في عددها الصادر في 8 آيار 1914 الخبر التالي: «حين رأى مأمور الشرطة في الفضل جاسم أفندي، جنديا فاراً من الخدمة العسكرية من أفراد (النظامية) إسماعيل بن عبدالله أطلق على المؤما إليه رصاصة من مسدسه وفي المقابلة فر ولكن التحريات الجدية اعقبته حتى قبض عليه وسلم إلى قائد المخفر والأوراق التي نظمت بحقه في هذا الباب اودعت إلى العدلية».
إعلانات مديرية الشرطة في بغداد.
نشرت جريدة زوراء في 30 تشرين الأول 1913 إعلاناً صادر من مديرية الشرطة في بغداد «لما اقتضى وضع التلفون في خمسة مواقع في المملكة ولزم تمديد سلكها وشراء ماكنة أيضاً، ولمقابل هذا المصرف جمع مبلغ مقداره اثنان وعشرون الفاً وأربعمائة وثلاث وتسعون قرشاً، بأجراء مسامرة والهمة التي صرفها عبد القادر باشا أل خضيري من أشراف المملكة ومتحيزيها في بذله الحمية والعناية والغيرة لا زالت مساعيه مصروفة في الأمور الخيرية»
ونشرت جريدة زوراء في 15 أيلول 1913 إعلاناً من مديرية الشرطة «سيتعين بهذه الدفعة مأمور للحساب براتب (600) قرش ذو كفيل لمرتبات الشرطة في ولاية بغداد، فالذين لهم علم ومعرفة بالحساب والكتابة فليراجعوا دائرة الشرطة».
وأشار الوالي جمال بك أن في يوم قدومه إلى حدود الولاية رأى في أثناء الطريق جانباً من «العشائر والعُربان مدججين بالأسلحة الممنوعة وغير الممنوعة، ولما كان حمل الأسلحة الأميرية الممنوعة غير جائزة إلينا وأن حاملي بندقية الصيد يقتضي أن يحملوا تذكرة الرخصة، كما هو الأصول، فيوجه العموم يجب التوصيل والإعلان بهذه الأمور وتحذير الأهالي بوسائط مناسبة ويعطى لهم مهلة من تاريخ الآن إلى مدة خمس وعشرين يوم، ولدى نهاية الأجل المذكور فكل من يوجد مسلحاً كالسابق يؤخذ منه سلاحه ولا يعاد إليه».
كما نبه الوالي جمال بك «أوامره إلى جميع الدوائر كافة على ألا تقبل زائراً في الدائرة ما لم يكن له داع وباعث أوجب حضوره إليها، وانفذ أمره إلى الشرطة على أن يعقبوا الدوائر باعتناء ويكفوا الواقفين على أبوابها والمترددين إلى دار الحكومة دون عمل رسمي لهم».
وتلقى بعض رجال الشرطة من المخلصين بعملهم الشكر والثناء من الأهالي والصحف فعلى سبيل المثال أن الهمة والإخلاص بالعمل التي ابداها مدير شرطة بغداد محمد توفيق أفندي خلال ترؤسه مدير شرطة الولاية، قد تركت أثراً كبيراً على أهالي بغداد، ولذلك لاستتباب الأمن فيها، وشكرته “صدى بابل” وهنئته بمنصبه الجديد إذ أصبح مدير مكتب (الجندرمة)، وقد تعين محله محرم أفندي وباشر في عمله، فباركت له صدى بابل بالوظيفة.
الشرطة تكافح الاشاعات
وكان من ضمن مهام الشرطة تتبع مثيري الفتنة والاشاعات في الولاية، فقد نبهت دائرة الشرطة إلى كذب المعلومات المنتشرة في الولاية وأنها سوف تعاقب كل من ينشر هذه الأكاذيب بأن «الحكومة ستشتغل أيام الجمعة، وتعطل الأشغال يوم الأحد وستترك التاريخ الهجري، وتستعمل الميلادي، لا يخفى أن الخلافة الإسلامية والدولة العلية العثمانية دينها الإسلام وأن يوم الجمعة هو عيد المسلمين، وله صراحة مخصوصة في الدين، وقد اتخذته الحكومة العثمانية منذ أمد بعيد يوم تعطيل الجمعة، فعلى هذا لا يمكن استبداله بيوم الأحد».
تثبيت تسجيل إقامة الأجانب في الولاية
كانت سياحة الأجانب في الممالك العثمانية واقامتهم تخضع للقوانين، فقد جاء في المادة الثانية من قانون الولايات العمومية الصادر عام 1913 أن الأجانب مجبرين على الذهاب إلى مركز الشرطة للمحل الذي يتواجدون فيه لتسجيل بياناتهم خلال خمسة عشر يوم اعتباراً من تاريخ وصولهم وتحتوي اسمائهم ومحل ولادتهم وتأريخها وسفنهم وصنعتهم وأسباب تواجدهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم وكل من رافقهم من أولادهم الصغار وأسمائهم وأسماء زوجاتهم وتابعيهم، والمحال التي يريدون أن يسيحوا فيها أو يقيموا بها في الممالك العثمانية، ويأخذون مقابل ذلك تذكرة الإقامة أو السياحة من ذلك المركز، وفي المادة الرابعة من هذا القانون: أن الذي لا يراعي هذه التعليمات يأخذ الجزاء النقدي من الثماني إلى خمس وعشرين ليرة ذهبية عثمانية، فالأجانب في بغداد يجب أن يراجعوا مخافر الشرطة ويعطوا البيانات وفق النموذج ويأخذون في المقابل تذكرة الإقامة أو السياحة».