أحوال الرعية في دولة الخلافة الإسلامية

أحوال الرعية في دولة الخلافة الإسلامية عصام فاهم العامري تغيرات متسارعة ومتناقضة وفيها الكثير من العجائب شهدتها الموصل التي مضى على الاستيلاء عليها من قبل مسلحي داعش أكثر من شهر .. والناس في الموصل كما في المدن والبلدات الاخرى التي سيطر عليها مقاتلو داعش حائرون بين ماض غير مريح كان سائدا في ظل سيطرة القوات الحكومية وبين حاضر مرعب ومستقبل غامض ومجهول بيد هؤلاء المقاتلين . ورغم ان الراية الوحيدة المنتشرة في الموصل وسواها من المدن هي راية الدولة الاسلامية فقط ؛ ومع إن المقاتلين يحملون عنوانا عاما هو ( مجاهدو الدولة الاسلامية) ،، غير ان بعض المسلحين حين يتم سؤالهم يقولون انهم ليسوا تابعين لداعش .. ولكن هؤلاء قلة كما ان حضور المقاتلين الاجانب طاغي سواءا كانوا من جنسيات عربية ام غربية ام اسيوية ام شيشانية ام سواها ، هذا كان في بادئ الامر . اما فيما بعد قل عدد المقاتلين الاجانب وحل محلهم شباب من سكان الموصل بعضهم فتيان تقل اعمارهم عن 16 سنة ،، بل ان بعضهم تطوع حديثا وتكاد البندقية التي يحملها تقترب من طوله . لان مقاتلي داعش الاساسيين انتقلوا الى بؤر المواجهات والقتال مع القوات الحكومية . الكثير من الشباب في الموصل ومثيلاتها من المدن والذين كانوا حتى وقت قريب يعارضون نهج داعش القائم على القتل والتفجير في ظل وجود القوات الامنية العراقية هم اليوم باتوا جنوداً لداعش أو مؤيدين لها ، ويرغبون في التطوع للقتال الى جانبها . وفي مراكز التطوع يتلقّى المتطوعون دروساً دينية وفق العقيدة السلفية وتدريبات حول استخدام الأسلحة واللياقة البدنية، وأحيانا يستقبل الامراء ” أمراء مراكز التطوع ” أرباب أسر المتطوعين الذين يطلبون منهم رفض تطوع ابنائهم ، وغالباً ما يتم الاستجابة لهذه الطلبات اذا كانت الاسباب مقنعة ، ويعبر بعض السكان عن الخشية من لجوء الدولة الاسلامية مستقبلاً إلى نظام التجنيد الإلزامي الذي كان معمولاً به في عهد نظام صدام حسين . على اي حال ، الكثير من هذه المدن والبلدات بدا بعضها وقد اخليت من السكان ؛ فقد نزحت اعداد كبيرة من سكان هذه المدن الى مناطق مجاورة وفي مقدمتها المناطق الخاضعة لاقليم كردستان او لسيطرة البيشمركة الكردية ،، أما من بقي منهم فقد لزموا مساكنهم وهجروا اعمالهم . وبالتدريج نجح المقاتلون أن يحصلوا على جانب من ثقة الناس ، وكانت البداية قيام المقاتلين برفع الحواجز الكونكريتية التي كانت منصوبة سابقاً من قبل الجيش وتسهيل أمر حياة الناس اليومية ، كما ان المقاتلين حرصوا في البداية على تقديم صورة مختلفة تماماً عن نفسها مقارنة بما نعرفها عن داعش في سورية ، وقد أدى ذلك ببعض الناس الى الرجوع الى أعمالهم في الدوائر الحكومية ومحلاتهم ومكاتبهم الخاصة ، غير ان عددا لا يستهان به من الموظفين والعاملين في المؤسسات الحكومية قد تم الاستغناء عنهم مثل العاملين في البنوك والمحاكم والجيش والشرطة وشرطة المرور وغيرها .. وذلك بعد الغاء المحاكم الخاضعة للقضاء العراقي وتأسيس محاكم شرعية يتصدرها شيوخ أغلبهم غير عراقيين ،، كما ان البنوك عُطِلت باعتبارها ” اوكاراً ربوية ” . كما ان كتاباً رسمياً صدر من تنظيم الدولة الاسلامية إلى بعض الدوائر الخدمية منع فيه المسيحيين والايزديين والشبك من العمل فيها ومنها دائرة الماء والمجاري . أما الموظفون العاديون أو العاملون في سلك الجيش والشرطة فعليهم أن يذهبوا الى أحد المقرات التابعة للمقاتلين ويعلنوا توبتهم ويستلموا ورقة براءة بذلك .. بعد اخذ معلومات وافية عن عملهم وعن زملائهم ، ولا يسمح للعاملين في الجيش والشرطة والحاصلين على البراءة من التطوع للعمل مع مقاتلي الدولة الاسلامية قبل مرور سنة كاملة على براءتهم والتأكد من ولائهم ؛ في حين يجري اعدام من لايمنح البراءة او لايسعى اليها او ممن يثبت عمله ضمن المؤسسات الامنية التابعة للحكومة العراقية او العمل ضمن الصحوات او كان شيعيا ؛ وتتنوع أساليب الإعدام من إطلاق الرصاص على الرأس أو قطع الرأس وحزه بالسيف من الأمام او الخلف. ويظهر الناس هلعا كبيرا ، ويقول بعضهم أن أكثر ما يرعبهم ” أن مسلحي التنظيم يطرقون الأبواب ويسألون عن عدد النساء المتزوجات وغير المتزوجات في كل منزل ” ، في خطوة فسرها السكان بنية تزويج البنات غير المتزوجات من مقاتلي التنظيم . وأصدر التنظيم ما أسماه بـ”وثيقة المدينة” في نينوى، دعا فيها إلى هدم المزارات الدينية، ووجوب احتشام النساء، ومهاجمة الجماعات والفصائل المسلحة مهما كانت مسمياتها، وتحريم التدخين والخمر والمخدرات، بالإضافة إلى عدة أمور أخرى بما يمثل إلغاء تام لمظاهر الدولة المدنية والحياة العصرية . كما ان الدولة الاسلامية قننت بعض التعاملات بين الناس ، فعلى سبيل المثال فرضت تسعيرة لايجارات المساكن والمكاتب بحيث تم خفضها على نحو وصل الى 80 او 90 بالمئة عن الاسعار التي كانت سائدة ، وهكذا فعلت بخصوص بعض الخدمات مثل تقليل اجرة الكشف عند الاطباء واطباء الاسنان ، وغيــــرها من الخدمات . خوف السكان من أيام صعبة آتية دفعهم إلى التبضع من مناطق أخرى غير إقليم كردستان التي يواجهون صعوبة في العودة منها مجدداً إلى الموصل عند اندلاع الاشتباكات بين مقاتلي الدولة الاسلامية وقوات البشمركة ؛ ولذلك يفضل الكثيرون التبضع من الحسكة في سوريا لا سيما سكان القرى والنواحي التابعة للموصل ؛ خصوصا وأن الطريق إلى هناك سالكة ويمكنهم إلى جانب ذلك الحصول على الوقود الذي بدأ يشح بشكل كبير في الموصل ؛ وبعض المدن من مثيلاتها . إذ مع مرور الأيام بدأ يتقلص عدد السيارات التي تسير في شوارع المدينة بسبب شحة الوقود والبنزين وصار من المعتاد رؤية طوابير تمتد لبضعة كيلو مترات داخل المدينة وخارجها ، كما يقوم الشباب الواقفين في الطوابير بلعب كرة القدم بعد عمل ملعب صغير في العراء بإنتظار تزويدهم بالبنزين ؛ والبعض يتحدث مازحا ” إنها تصفيات كأس العالم لطوابير البنزين “. وفي الوقت الذي حرمت فيه الدولة الاسلامية بالنسبة للرجال لبس الجينز وتي شيرت ، فإنها وجهت معمل ألبسة الموصل ( الحكومي الذي كان يتبع وزارة الصناعة ) الذي توقف أياماً بعد سيطرة قوات الدولة الاسلامية ليعود للعمل مجدداً وانتاج الزي القندهاري ،، الذي يمثل ” الزي الرسمي ” للدولة الاسلامية والذي يتكون من قميص طويل يصل إلى الركبة وسروال ، كما بدأ خياطو الموصل بصناعة الزي بحرّفية بحسب الطلبات التي تردهم لكنهم أدخلوا عليه بعض إضافات الموضة الحديثة ، بناءا على طلبات الشباب الموصلي الذي اعتبروه موضة الزمن الجديد . . وفور سيطرة مقاتلي الدولة الاسلامية على المدينة قاموا بإشعال النار في الكنيسة الأرمنية ، وهذا ما دفع بالمسيحيين في الموصل الى النزوح جماعيا منها ، سيما وانهم على علم مسبق بما فعلته +داعش؛ بمسيحيي سورية وفرض الجزية عليهم في مدينة الرقة . ورغم انقضاء شهر حزيران الا ان الموظفين الحكوميين لم يتسلموا رواتبهم حتى الان ،، اما سلطات الدولة الاسلامية في المدينة فقد وعدت الناس بتسليمهم الرواتب بعد خفضها على نحو كبير عن السابق .