فندق كويستيان ولعبة الحب والموت
أبطال مصابون بالوهم – نصوص – كاظم السعيدي
يذكرني الروائي الشهير(غونتر غرانس ) في كتابته لروايته الاولى (طبل الصفيح )حينما يصف الكتابه بانها مهنة مهمة وخطرة تكسر المحرمات ،ومن لايملك الشجاعة بعبور الحدود جميعا ،عليه أن يختار مهنة أخرى ..كأن يكون نجاراً أو بناّءًًً ..فالكاتب يتحمل مسؤولية كبيرة وهي حمل هموم الناس ..ليترجمها ويعلنها بين أوساط المجتمع ..إذن فهو لا يكتب عن همومه الذاتية فقط ….ورواية الكاتب ( خضير الزيدي / فندق كويستيان ) تحوي ثلاث محاور ..الاول ،،هو البحث عن مخطوطة الرواية ،التي أودعها عند صديقه …(علي عبد الهادي ) والمحور الثاتي .. هوالحلم و العودة لاحضان الوطن …وأما المحور الثالث …هو المرأة الحلم للعودة ،لاحضان الحبيبة (رباب) التي أحبّها بالصدفه دون علم منها …فهو حب من طرف واحد ..وكما قال ، الشاعر:في هذا النوع من الحب ُّ:
كلُّ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لاتدري ولا تعلمُ ّ
ثمّ يذكر بطل الرواية …أنه كان بينهما رسائل متبادلة ،في حين لم تحتوي الرواية على أية رسالة من طرف ،(رباب حسن ) وربما هنا البطل أصيب بحالة الوهم والخيال ،لانه تصوّر أنها تحبُه، وكتبت إليه رسالة وهو في منفاه …تطلب فيها مراسلته ..وهنا البطل بنى حبهُ على إحتمالية أنها أحبتهُ …حينما قدّم لها المساعدة عند مرافقتها،بجولتها في البحث عن زوجها المفقود ..(حاتم علوان ) والتي إستمرت ثلاثة أيام …ومما يؤكد عدم لقائه بها ،لا شخصيا ولا برسالة ..هو قول البطل (للاسف كنت غافلا عن مصارحتها ..ربما إنشغلت آنذاك عن البوح لها بلسعة الحب وسريانه في بدني ..) وهذا إعتراف ضمني وصريح من البطل أنه أحبّ( رباب) لجمالها الاخاذ من طرف واحد …وهي لاتعلم بحبه لها ،لذلك لم تتأجج العواطف بينهما .. لانها غير متبادلة ..إذن حب عقيم من طرف واحد …ولقد ظلّ يلاحقه عمله السابق في مركز الجثث في العراق …..ويضغط على ذاكرته ،حينما تحوّل من مهنة لاخرى في منفاه بالمانيا…فأستقرّّ في مهنة صناعة(التوابيت)للموتى وليس للقتلى ..وظلّ يستذكر ندمه على عدم البوح(لرباب)بالحبّ..الذي بررهُ (ناصر)بانشغاله في عمله مما جعله لا يصرح بحبهَّ لها ..لكنه يذكر في ص13..(طيف إمرأة يلحُّ على ذاكرتي ويحاول أن يقتلعها،فيدفعني الى بغداد الملتهبة…)هنا الكاتب جعل البطل يتعلق بالمرأة الثلاثينية،والتي تعرّف عليها بالصدفة لاول وهلة في الحافلة.لمرة واحدة فقط ..وبعدها إفترقا ،وكل ذهب لسبيل حاله ،علما أن البطل حتى لم يأخذ رقم هاتفها ..وحينما تعمق الحزن بنفسه في المنفى…بعد هروبه من العراق خوفا من الموت ،خلال الحرب الطاحنة بين العراق وإيران …وصار يستذكر الاجساد الميته المسجاة على التوابيت..لنقلها الى الحفرة كي توارى الى الابد …هنا بدأ العامل السايكولوجي يشغل باله في التفكير بنهاية الانسان …وكيف ينتهي به المطاف ،وهو الذي بنى الامال والامنيات ،وراح يجاهد مجداً في تحقيقها…وكأنه سيوخلد،هنا تبدأ عملية الصراعات النفسية عند البطل…وهو السارد العليم ،حينما يصورها الكاتب ،عندما يلعب (ناصر)تلك الادوار إنطلاقاً من هروبه لالمانيا خوفاً من الموت ..وراح البطل يرسم سيناريوهات،وظل يحلم بلقاء(رباب ) ألمرأة الحبيبة ،التي لا تعلم بحبه لها …ثمَّ يستمر الكاتب بلحظات الاسترجاع،وراح يسرد بتقنية الميتاسرد، رواية داخلية ،أطلق عليها (رواية حديث الريم.. )حيث كانت عالية الدقة ومحور التشويق،لبناء الحكاية المركبة ،من خلال تضافر جهود شخصيات الرواية الداخلية والخارجية ..فلقد عاش البطل عملية متزامنة بين الخوف الشديد من الموت ،و إندفاعه للبحث عن (رباب) ..كما يذكر(ناصر)أن ّ(علي عبد الهادي )أخبرهُ ..أين يذهب لاول مرة ..عند عودته للعراق..حيث الخوف يحاصرهُ..ويضيق عليه المنافذ ..ويخبرنا ..بأنه..(خايف..خايف ..منيتي تقترب…) فلقد كان يذكر..البطل ..(لقد أخافني ../ علي عبد الهادي / بتلك الوساوس..) وأصبحت ألكآبة..تحاصرهُ ، والقلق يأكلهُ..وبدأ يستذكر حياته في مركز الجثث…ويقارنها بحياته في المنفى ..عندما تحول الى مهنة (صناعة التوابيت) وما لها من صلة بالمعاناة النفسية، التي عاشها في العراق ،والضغط النفسي ،الذي يلحُّ عليه بالعودة الى أحضان المرأة التي أحبها ..قائلاً..( جئتُ لبغداد من أجلها ولو كلفني اللقاء المرتقب بها حياتي ..).ويعتبرها القدر الاجمل الذي إختاره لنفسه ..فالقدر هو الذي قاده ُللعودة لبلده ..ليلقي حتفه بسبب الحبيبة (رباب ) ويذكر أنها غازلته ُككاتب في منفاه لاكثر من مرّة ..ولكن الكاتب جعل من (ناصر )أن يصاب بالجنون ثمًّ كل الذي حدث كان وهماً وتخيل وحلم أن يقع بحبها…تلك الانثى الجميلة المكتنزة ..حيث يؤكد الكاتب (بأنّ ناصر ورباب )كانا مشروع علاقة عشق غريبة عما يحدث في بغداد ..وهذه العلاقة غير واضحة الملامح ..وعند عودته للوطن إستطاع أن يحصل على عنوانها الحالي ببغداد ..ومن ثمّ الحصول على رقم هاتفها ..بحجة أنه يحمل وصية من زوجها المفقود ..وقد تمّ إتصال بطل الرواية..(برباب ) وإتفق معها بالهاتف فحددت لهُ الوقت والساعة واليوم ..للحضور لبيتها في حي الجهاد ..وظلّ (ناصر ) يحلم بلقاء الحبيبة ..وكان يتصور أن الكردي غير مطلوب دمهُ من قبل المليشيات المتحاربة ،حينما حذرّهُ السائق (جاسم ) ص161 فالحرب طاحنة بين الامريكان من جهة وجيش المهدي وجماعات مسلحة إسلامية متطرفة..من جهة أخرى.ولما ذهب البطل لبيت .(رباب)
بالرغم من التحذير المتكرر من السائق ، وشرطة نقطة التفتيش في حي الجهاد .لكنه دخل المنطقة الساخنة ..والهاتف على مسمعه وهو يحدّ ث (رباب ) لتوصف له البيت..علماً أنها كانت تراهُ من نافذة بيتها المطل على الشارع العام ..وحصل ما لم يكن في الحسبان ..حيث ألقت القبض عليه ، إحدى المليشيات المسلحة و إقتادوه ُالى مكان مجهول ليلقي حتفهُ هناك ..وحاولت (رباب ) إنقاذه من خلال أولادها ، لكنها لم تفلح في ذلك ..فعاد ثانيةً لمركز الجثث.. جثة ًهامدةً ،لترصف من جديد مع الجثث المغدورة مثله .وبهذه الطريقة ، إختفى البطل ..لقد فات الكاتب ، أن ّ روايته عندما بناها على ثلاث محاور، والتي ذكرتها مسبقاً.. لم يتحقق احداً منها ..فالرواية لم تطبع ، ولم ينعم البطل بالحياة السعيدة التي حلم بها ،بعودته لوطنه وأهله ..وكذلك لم يتحقق الحلم بلقائه ، بالمرأة التي هام بها وهو في المنفى ..وجن ّ جنونه من أجلها ..حيث صارت سببا في هلاكه …و فيما يخص الجوانب الفنية للرواية ..فلقد وفق الكاتب في اللعبة السردية بخيوطها الروائية ،حيث التبئير الصفري ،لعبة التداعي من خلال الراوي العليم ..والتنقلات السريعة ،وتوطيد الازمنة الروائية ،بما يخدم الحدث الرئيس …بوحدة الموضوع للعبة الاسترجاعات ..مما ساهم بظهور الشخصية الاساسية بين أصوات الشخصيات الاخرى ..وأخيراً أبارك للكاتب ( خضير الزيدي )بهذا المنجز ،حيث أضاف لمسة جديدة للرواية العراقية …